النصوص التشريعية وراء تراجع حجم الاستثمارات العربية بالجزائر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
شهدت العلاقات الاقتصادية الجزائرية مع الدول العربية حالة من التذبذب وعدم الاستقرار، وبحسب الخبراء فذلك يرجع إلى النصوص التشريعية.
الجزائر: شهدت العلاقات الاقتصادية الجزائرية مع الدول العربية حالة من التذبذب و عدم الاستقرار، و حسب الخبراء فان قيمة المبادلات الاقتصادية بين الجزائر ومختلف الدول العربية الأخرى لا تتجاوز 10 مليار دولار ، و هذا راجع لعدة أسباب تتعلق أساسا بعدم استقرار النصوص التشريعية في الجزائر و من ذلك قانون الاستثمار ، إلى جانب ثقل الجهاز البيروقراطي وتأخر اجتماع المجلس الوطني للاستثمار الذي يترأسه الوزير الأول و المسؤول عن منح رخص الاستثمارات الكبرى و عوامل أخرى عديدة.
و في حديثه مع " إيلاف " أشار الباحث مصطفى دالع مؤلف كتاب " جدلية الاستثمارات العربية في الجزائر " إلى أن الاستثمارات العربية في الجزائر مرت عبر ثلاث مراحل الأولى ما قبل عام 2000 ، أين كانت هذه الاستثمارات محدودة ومحتشمة للغاية ، ولم تكن الجزائر تنظر بأهمية كبيرة لاستقطاب هذه الاستثمارات، كما أن المستثمرين العرب لم تكن تغريهم كثيرا السوق الجزائرية ، بسبب الوضع الأمني الذي كان سائدا في التسعينات ، لكن مع وصول الرئيس بوتفليقة إلى الحكم سنة 99 و تبنيه لسياسة الانفتاح الاقتصادي تجاه الدول العربية بحكم علاقاته الخاصة بأمراء دول الخليج العربي أصبحت الجزائر قبلة للمستثمرين العرب خاصة في ميادين الاتصالات والعقار والسياحة والصناعة الصيدلانية".
وحسب الباحث مصطفى دالع " فان تضيق أميركا وأوروبا الخناق على رؤوس الأموال العربية بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001 في ظل تضخم الاحتياطات المالية العربية بالعملة الصعبة بسبب ارتفاع أسعار النفط التي بلغت 147 دولار للبرميل في جويلية 2008 ، أدى بالمستثمرين العرب إلى البحث عن الأسواق العربية العذراء و الآمنة ، وكانت الجزائر الخارجة من أزمتها الأمنية والمتعطشة للتنمية نموذجا مثاليا للاستثمار خاصة أن نسبة الربحية فيها عالية جدا قد تصل إلى 200 في المائة أو أكثر خاصة في قطاع العقار مقارنة بـ 18 بالمائة في دول غربية مثلا "، هذا إلى جانب عامل آخر يتعلق بتعديل قانون الاستثمار في 2006 ، و الذي منح امتيازات كثيرة للمستثمرين الأجانب و سمح لهم بتملك نسبة 100 في المائة في قطاعات عدة.
غير أن هذا الوضع عرف تحولا جذريا بعد إقدام شركة اوراسكوم المصرية ببيع مصنع الاسمنت حمام الضلعة بولاية المسيلة شرق الجزائر ، إلى مؤسسة لافاراج الفرنسية مقابل استفادة رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس مالك مجموعة اوراسكوم لنسبة 20 بالمائة من أسهم المجمع دون علم الحكومة الجزائرية ، و هو الأمر الذي اعتبرته الحكومة الجزائرية نوعا من " التذاكي " حسب الباحث دالع الذي يضيف قائلا " خاصة و أن مجمع اوراسكوم استفاد من عدة امتيازات لتشييد هذا المصنع دون أن تستفيد الجزائر من صفقة البيع أو عملية الاندماج ، وهو ما كان سببا مباشرا لتعديل قانون الاستثمار بالجزائر ، وفرض قانون الشفعة الذي يعطي الحق للحكومة الجزائرية شراء أسهم أي استثمارات يرغب صاحبها في بيعها أو التنازل عن أسهمها، كما لم يعد من حق المستثمرين الأجانب امتلاك أكثر من 49 بالمائة من أي استثمار مع ضرورة إشراك مستثمرين جزائريين إلى جانبهم.
هذا القانون الذي ترافق مع الأزمة الاقتصادية العالمية وأزمة دبي التي تسببت في انهيار عدة شركات عربية كان له انعكاس سلبي على حجم الاستثمار العربي في الجزائر، فبعد أن كان حجم الوعود الاستثمارية العربية المؤكدة في فيفري 2008 يقدر بـ19 مليار دولار لم يتجسد منها إلا القليل حيث تم افتتاح بنك السلام في أكتوبر 2008 وبعض الشركات الاستشارية " ، " لكننا لاحظنا رحيل عدة شركات عربية من الجزائر وتجميد نشاطها في قطاع السياحة والعقار والصناعة مثل مصنع الألمنيوم لشركتي دوبال ومبادلة الإماراتيتين، وشركة جراند الكويتية، و إعمار وغيرها " يضيف قائلا.
وحسب الباحث دالع فان الشركات العربية تواجه عدة تحديات لانجاز مشاريعها بالجزائر ، أهمها " نقص المعلومة الاقتصادية ، صعوبة الحصول على التراخيص، ثقل الجهاز البيروقراطي وتأخر اجتماع المجلس الوطني للاستثمار والذي يترأسه الوزير الأول الذي يمنح رخص الاستثمارات الكبرى، عدم استقرار التشريع الجزائري، ارتفاع حجم الضرائب إلى جانب ثقل الجهاز المصرفي، وافتقاد الجزائر لبورصة نشطة ، لكن في نفس الوقت يشير إلى انه لا توجد مفاضلة بين الاستثمارات الجزائرية والعربية والأجنبية، لكن من الناحية السياسية يؤكد أن هناك اهتمام بالاستثمار العربي لأن بعض الشركات الغربية تشترط شروط تمس بالسيادة الوطنية على حد قول أحد الوزراء الجزائريين، أما من الناحية الإدارية فالعديد من المسؤولين الإداريين (المفرنسين) ينظرون بدونية إلى الاستثمارات العربية ويعتقدون أنها تفتقد للتقنية المتقدمة التي تحتاجها الجزائر لذلك لعبوا دورا سلبيا في إنجاح سياسة رئيس الجمهورية والحكومة في جلب الاستثمارات العربية.
من جانبه يشير الصحفي المتخصص في قضايا الاقتصاد عبد النور جحنين في حديث له مع " إيلاف " إلى أن الجزائر غيرت خلال العشر سنوات الأخيرة من إجراءات الاستثمار والقوانين الخاصة بهذا المجال عدة مرات ، تخوفا من الاستثمار الأجنبي المباشر، بعد تسجيل عدة فضائح في عمليات تحويل الأرباح إلى الخارج وتهريب العملة الصعبة، وتحاول أيضا حماية الاقتصاد المحلي بإتباع سياسة توطين الإنتاج ، التي من شأنها أن تحافظ على أفضلية تسيير مشاريع الشراكة لصالح الجزائريين بنسبة 51 بالمائة في أي مشروع مقابل 49 بالمائة للأجانب، مع فرض تحويل نسبة 30 بالمائة من الأرباح لإعادة الاستثمار محليا، وكذا إشراك المؤسسات الجزائرية في أي رأسمال أجنبي يدخل السوق الوطنية للاستثمار بنسبة 30 بالمائة في إطار المناولة الصناعية أو الخدماتية "، كما أن الجزائر بين 2009 و2011 غيرت من إجراءات الخاصة بالتعامل في مجال الاستثمار 3 مرات، من الحماية المشددة إلى الترخيص لبعض الشركات النفطية إلى منح المزايا لبعض الشركاء مثلما حدث مؤخرا في مفاوضات فرنسا مع الجزائر بخصوص 12 ملفا تم طرحه للنقاش حول مشاريع إنتاجية وصناعية ستقام على تراب الجزائر، وهي الإجراءات التي حملها قانوني المالية التكميلي لسنتي 2009 و2010 وكذا قانون المالية لسنة 2011، في انتظار مستجدات ومزايا أخرى أشار إليها وزير الصناعة بن مرادي، ولم يحددها، سيتم الكشف عنها في قانون المالية التكميلي لهذه السنة ربما شهر جويلية أو أوت، قد تكون مهمة بالنسبة للأجانب".
هذه التغييرات أثارت مخاوف الأجانب ومنهم العرب لاقتحام السوق الجزائرية، بدليل أن عدد من السفراء العرب منهم سفيرا الكويت والأردن قد عبرا عن أسفهما لهذه التغيرات في تصريحات سابقة، كما أعابت الدول العربية على الجزائر اتخاذها لإجراء منع نحو 1600 منتوج من الإعفاءات الجمركية ضمن المنطقة العربية للتبادل الحر، التي انضمت إليها الجزائر في جانفي 2009، وبعد 3 سنوات من الانضمام لا نتائج إيجابية تظهر، لاسيما مع ثورات الشعوب التي أوقفت مسار الشراكة مؤقتا بين العرب، وتوقفت المشاريع مؤقتا، مثلما حدث مع نشاط سوناطراك بليبيا لحد الآن وفي مصر لعدة أشهر، وكذا توقف مشروع نفط البحر مع تونس، وتعطل اتفاقية " التجارة التفاضلية" التي أمضى عليها زين العابدين في 2008 بحضور وزير التجارة السابق الهاشمي جعبوب.
و تشكل هشاشة النظام المصرفي في الجزائر، إحدى أهم العراقيل التي يواجهها المستثمر الأجنبي لعدم تطبيقه نظام المحاسبة النمطي "أف أر أس" العالمي، ما يعرقل عمليات تحويل حسابات الشركات الأجنبية إلى الخارج وأرباحها وحتى تحويل الأموال عبر البنوك المحلية إلى الأجنبية، وهي العراقيل التي يتخبط فيها الموردين والمصدرين حاليا بسبب إجراء رسالة القرض المستندي، التي تفرض على كل مستورد أن يمر على بنك جزائري يؤشر له على عقد المبادلات مع بنك أجنبي من الدولة التي يستورد أو يصدر لها الجزائري، وهي العراقيل التي تعيق العرب في تعاملاتهم أيضا مع الجزائر.
لكن من جانب آخر يرى البعض أن الجزائر من حقها أن تطالب بإجراءات الحماية، وتصدر قائمة تمنعها من الإعفاء عربيا، من أجل منح مؤقت للجزائريين قصد تطوير المنتوج المحلي، لكسب التنافسية مستقبلا إلى غاية 2014 على الأقل، كما أن إجراءات الحماية التي حملها قانون المالية التكميلي لسنة 2009، تحمي الاقتصاد المحلي من أي تلاعب أجنبي وتؤكد مدى نزاهة التعاملات، وكذا ترتيب أمور الإنتاج والمبادلات، خصوصا بعد إمضاء اتفاقية التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي منذ 2005. هذه الاتفاقية التي تعرقل الشراكة مع العرب وتمنح الأولوية للأوروبيين، بدليل أن الشراكة الجزائرية الأوروبية تعدت سقف 20 مليار دولار.
ومن ناحية أخرى تعتبر إشكالية تحرير الخدمات من قبضة الأجانب في الوطن العربي حال دون التمكن من تفعيل مسار الشراكة تجاريا واقتصاديا، بالنظر إلى الضعف التكنولوجي البيني الذي لا يتعدى 1 بالمائة عربيا.
و الجدير بالذكر أن هناك عدة استثمارات عربية تنتظر التجسيد خاصة تلك التي حصلت على تراخيص المجلس الوطني للاستثمار مثل مشروع "دنيا بارك" أكبر حديقة مدينة في العالم، وكذا مشاريع "شركة إمرال الإماراتية" لإنجاز فنادق وأبراج سكنية في موريتي بالعاصمة، وكذا بعض مراكز العمال لشركة "سيدار" الفلسطينية العقارية.