العمّال الجزائريون: تمر السنوات والوضع واحد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لم يختلف حال العمال في الجزائر هذا العام عن أوضاعهم في سنوات سابقة، حيث تقرّ كل المعطيات والشواهد والتصريحات التي استجمعتها "إيلاف" أنّ سنة 2011 شكّلت منعطفا إضافيا تجرّع خلالها العمال الجزائريون ألوانا جديدة من المعاناة بفعل هزال الرواتب وموضة المغالاة.
الجزائر: رغم انفجار الخامس كانون الثاني/يناير الماضي، ونشوب مئات الحركات الاحتجاجية إلاّ أنّ الوضع لم يتغيّر في منظور العمال وممثلوهم الذين لا يهضمون بقاء رواتبهم في الحضيض رغم الطفرة النفطية والهامش المحترم للجزائر من احتياطي الدخل الخام، ما يرشح لاستمرار هبوب رياح الاحتجاجات العمالية في البلاد.
وبلغة الأرقام، أحصت مراجع محلية ما لا يقلّ عن 1300 احتجاج اجتماعي خلال الأشهر الماضية، وهو معطى له دلالته العميقة عادت فيه حصة الأسد إلى العمال، حيث اهتزّ عالم الشغل على مستوى كافة القطاعات، جرّاء رفض مستخدمي القطاع العام لواقعهم المنعوت بـ"المرير".
وإذا كانت القلاقل العمالية في الجزائر تركّزت خلال السنوات الأخيرة في قطاعي التعليم والصحة، فإنّ الأمر لم يعد كذلك خلال العام الجاري، إذ امتدت (العدوى) إلى عمال سكك الحديد والموانئ وحتى عمال المسارح وأعوان الحرس البلدي، فضلا عن ثورة الصحفيين بما فيهم أولئك المنتسبين إلى الإذاعة الحكومية، في مشهد غير مألوف فجرته نقمة هؤلاء على أوضاعهم المزرية، جراء عدم إدماج المئات منهم وبقاء الرواتب في القاع، بجانب حرمان إعلاميي القطاع الخاص من أي حماية اجتماعية وسلم أجور يليق بمكانتهم، وكان لزاما عليهم شن اضرابات مفتوحة حتى يفتكوا بعضا من مطالبهم.
ورغم التسوية الجزئية لمشاكل السكر والزيت والرواتب، إلاّ أنّ المشكل الأساس بنظر "أحمد" العامل في شركة سكك الحديد، "باقي" المستخدم في مركز بريد، و"سليمان" الموظف في مصلحة إدارية، يكمن في التراجع المستمر للقدرة الشرائية وسط صعود الأسعار كالهشيم.
وبلسان أحمد وباقي وسليمان، فإنّ ما تمنحه الحكومة باليد اليمنى، تأخذه باليد اليسرى، حيث يركّزون على الارتفاعات الرهيبة لأسعار المواد الواسعة الاستهلاك، رغم حديث السلطات المتكرر عن تسقيف الأسعار، تماما مثل فواتير الكهرباء والماء والغاز، في وقت تمعن السلطات في فرض الرسوم الجزافية وتفاقم مشكلات السكن والعدالة الاجتماعية.
ويشدّد "مزيان مريان" المنسق العام لتنسيقية نقابات الوظيف العمومي، على أنّ حجر الزاوية يكمن في حتمية مراجعة الحكومة لشبكة الأجور الجديدة، إذ لا يعقل بحسبه أن لا يتجاوز الحد الأدنى للرواتب 15 ألف دينار (ما يعادل 270 دولارا)، مع أنّ استمرار صعود أسعار النفط والبحبوحة المالية للدولة تفرض إقرار زيادات نوعية في الأجور.
ويوعز "محمد يوسفي" نقيب الأطباء، إنّ ما يحصل "خديعة وإهانة لنخبة الجزائر"، مستغربا كيف يتقاضى أطباء بلاده رواتب أقل بثلاث مرات عما يتقاضاه نظرائهم في تونس والمغرب.
ويجمع النقابيون على أنّ سلم الرواتب "مليئ بالتناقضات" ولا يأخذ في الاعتبار خصوصيات بعض الوظائف، في صورة إدماج المنح في الرواتب، واقتصار منح المردودية على أسلاك معينة دون غيرها.
ورغم أنّ الجزائر تتموقع ضمن كبار منتجي النفط تتمتع باحتياطي هام من النقد الأجنبي يربو عن 155 مليار دولار، ولا يتجاوز عدد سكانها 36 مليون نسمة، إلاّ أنّ متوسط رواتب عمالها بحدود 2400 يورو سنويا، في حين أنّ معدل رواتب مواطني الدول النفطية يربو عن التسعة آلاف يورو سنويا.
ويشير الخبير الاقتصادي "بشير مصيطفى" إلى أنّ ذلك دلالة على سوء توزيع الدخل وعلى ضعف نظام الجباية الذي مازال يعيق نمو القدرة الشرائية لطبقة الموظفين والعمال، ويتصور مصيطفى أنّ الجزائر لو تتبّع نموذجا تنمويا يقوم على قاعدة الثروة بدل الريع، ستتحسن مستوى المداخيل.
نصف العمال غير مؤمّنين (!؟)
خلافا لتأكيد وزير العمل الجزائري "الطيب لوح " أنّ عدد الأجراء في بلاده الغير مؤمّنين يبقى "ضئيلا" بمقابل خمسة ملايين أجير مصرّح بهم، فإنّ نتائج مسح ميداني تشير بوضوح إلى أنّ نصف العمال النشطين في الجزائر غير مؤمّنين، وقدّر الديوان نسبة المحرومين من الحماية الاجتماعية بـ50.4 بالمئة من إجمالي العمال النشطين.
واستنادا إلى تحقيق أعده الديوان الجزائري للإحصائيات (هيئة حكومية)، ومس عيّنة مؤلفة من 15104 عائلة، أفيد أنّ 000 778 4 نشط من بين 000 472 9 عامل، لم يستفيدوا من الضمان الاجتماعي وهو ما يمثل شخص من بين اثنين، على حد ما ورد في التحقيق.
وذكر المصدر ذاته أنّ نسبة الأشخاص النشطين في المناطق الريفية الغير مؤمّنين تشكّل 60.1 بالمئة، وهي أكثر مقارنة بنظرائهم العاملين في المناطق الحضرية (46.3 بالمئة).
كما لفت الديوان إلى أنّ 69.1 بالمئة من الأجراء غير الدائمين و80.1 بالمئة من النشطين المستقلين لم يستفيدوا من التغطية الاجتماعية خلال الفترة نفسها، وفيما يتعلق بالقطاعات التي ينشط فيها غير المؤمنين، أشار التحقيق إلى وجود نسبة 89 بالمئة من النشطين في الزراعة و79.8 بالمئة في الانشاءات العامة.
ويُظهر التحقيق أنّ 77.1 بالمئة من النشطين في القطاع الخاص، صرحوا أنهم غير مستفيدين من الضمان الإجتماعي بمعدل ثلاثة نشطين من بين أربعة.
وذهب التحقيق إلى أنّ عدم استفادة العمال من التأمين مس مجموع النشاطات في القطاع الخاص، بواقع 91.5 بالمئة من النشطين في الزراعة، 85 بالمئة من النشطين في الانشاءات العامة، 72.7 بالمئة في التجارة، 65.3 بالمئة في الصناعة، و63.5 بالمئة من النشطين في قطاع الخدمات.
والمثير أنّ نفقات الضمان الاجتماعي في مجال حوادث العمل والأمراض المهنية بلغت 13 مليار دينار، لكنّ ذلك لم يحل دون اكتشاف مفتشية العمل لـ56.734 مخالفة تتعلق بعدم احترام قواعد الوقاية من الأخطار المهنية على مستوى المؤسسات.
إشكالية التمثيل النقابي
تقود حركة الإضرابات والاحتجاجات التي لا تزال تهز الجزائر، إلى طرح إشكالية التمثيل النقابي بحدة، بينما تصر الحكومة بشكل عجيب على تجاهل النقابات المستقلة الموصوفة بالتمثيلية، وتتعامل مع اتحاد العمال الموالي للسلطات كطرف أوحد.
ويلّح "بلقاسم فلفول" الأمين العام لنقابة الوظيف العمومي (مستقلة)، على أنّ التعددية النقابية أضحت اليوم حقيقة، ومن مصلحة السلطات إشراك النقابات الحرّة في الشأن المتصل بمنظومة الشغل.
ويلاحظ فلفول أنّ القانون يكرس التعددية النقابية، إلا أنّ ذلك لم يتجسد ميدانيا بإدارة الحكومة ظهرها للنقابيين المستقلين، كما يعتبر فلفول أنّ هناك تفاوتا بين التنظيم الساري المفعول والتصور الخاص بالشراكة الاجتماعية، رغم المكاسب التي حققتها الجزائر منذ الانفتاح سنة 1989.
وينتقد ناشطو النقابات المستقلة أسلوب اتحاد العمال الحكومي في معالجة ملفات الطبقة الشغيلة واستعمال "الغبن" العمالي لإنجاح أجنداته السياسية، ويعلّق مزيان مريان مسؤول الاتحاد الجزائري للتعليم الثانوي والتقني:"نحن نضرب وهم يفاوضون، نحن نعبّئ العمال وهم يقطفون الثمار".
على طرف نقيض، يقول "عبد المجيد سيدي السعيد" الأمين العام لنقابة "اتحاد العمال الجزائريين" (حكومية)، إنّ تنظيمه "ليس غائبا على الإطلاق" عن ساحة الاحتجاجات الاجتماعية و إنما هو "ضحية صمته" لأنه يؤدي عملا مضنيا وفي صمت.
ويسجل "سيدي السعيد" التزام نقابته بالحوار كمصدر رئيسي لتسوية النزاعات، مستدلا بنجاح ذلك في دفع ما تبقى من أجور آلاف العمال وحل معضلات عديدة، ويرفض مسؤول النقابة المثيرة للجدل، احتلال الشارع ولغة التصعيد، معتبرا أنّ الفعل النقابي يمارس ضمن القمة الثلاثية التي تضم كلا من الحكومة وأرباب العمل واتحاد العمال.
ويدافع سيدي السعيد عن تمثيلية نقابته، بقوله أنّها تستوعب 1.5 مليون عامل، وتعمل بحسبه على متابعة كل الملفات لأجل حماية عالم الشغل وترقية النمو المستحدث للوظائف.
من جانبه، يفند "نايت محند عبد العزيز" رئيس كنفيدرالية أرباب العمل الجزائريين، الاتهامات الموجهة لعرابي القطاع الخاص بالتهرب من تأمين العمال، كاشفا عن سعي حثيث إلى حل توافقي يتم بموجبه تكفل أرباب العمل بسداد المنح العائلية التي ظلت الحكومة تدفعها إلى العمال منذ العام 1996.