اقتصاد

الإقتصاد العالمي ما زال يواجه المشكلات ... ولا حلول بالأفق

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تقرير بنك الإمارات دبي الوطني

يدرك المستثمرون اليوم أن الطريق نحو إنتعاش الإقتصاد العالمي بات محفوفاً بالصعوبات، ولا يوجد بوادر حلحلة للمشاكل العالمية.

إيلاف: يدرك المستثمرون اليوم أن الطريق نحو إنتعاش الاقتصاد العالمي محفوفة بالصعوبات، فهي أشبه بالسير في درب موحل يبدو معه الأفق خالياً من أية بوادر حلحلة لمشاكل العالم؛ كما يواجه الاقتصاديون بعض المسائل التي ستؤثر سلباً على الإقبال الاستثماري في السوق خلال السنوات القليلة المقبلة، وبالتالي نوصي المستثمرين بتوخي الحذر وعدم الإفراط في الدفع لشراء الأصول.

وكثيراً ما نسمع هذه الأيام أن بعض الأسواق - ولاسيما سوق الأسهم الأميركية - تبدو ضعيفة بالنظر إلى تاريخها المعهود، ولكننا لم نشهد قط تعرض دول العالم الغربي لمثل هذا الكم من مشاكل الديون رغم التراجع في عدد سكانها. ومن ناحية أخرى، لن يضطر المستثمرون إلى دفع مبالغ إضافية لشراء الأصول، كما سيتاح لهم تحقيق مكاسب جيدة على المدى الطويل إذا ما نجحوا في تقييم الأصول بالشكل الصحيح. وعلى المدى القريب جداً، قد تشهد أسواق المخاطر مثل الأسهم موجة انتعاش وسط احتمالات بأن يبلغ حجم التضخم ذروته في وقت ستتريث فيه البنوك المركزية ضمن الأسواق الناشئة حيال رفع أسعار الفائدة.

ومن جهة أخرى، لا يزال الاقتصاد الأميركي يراوح مكانه مع انحسار نمو فرص العمل؛ حيث عادت بيانات العمالة الأميركية لتشكل الأسبوع الماضي مبعث قلق بالنسبة للأسواق، ولاسيما مع اختلافها عن نظيراتها المسجلة خلال مارس الماضي، والتي تظهر تحسناً أسهم في بلوغ أسواق الأسهم مستويات قياسية لهذا العام. كما نشهد اليوم تباطؤ نمو فرص العمل مع إضافة 54 ألف وظيفة جديدة فقط خلال مايو الماضي خلافاً لتوقعات السوق البالغة 165 ألف وظيفة، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة لتبلغ 9.1% مع احتمال وصولها إلى 16% تقريباً. وتعتري الشركات عموماً مخاوف من تحقيق توسع كبير خلال فترة زمنية سريعة نظراً لأن مستوى النمو الحالي للوظائف يبدو ضعيفاً قياساً بفترات مشابهة خلال الدورات الاقتصادية على مدى العقود المنصرمة، مما يجعل هذه الفترة تحديداً مختلفة عن سابقاتها.

وتتخوف الشركات من ضعف الطلب الأساسي؛ كما تتواصل معاناة بعض الأفراد من المشاكل الكثيرة للديون، مما يعزز ترددهم حيال اقتراض الأموال بهدف زيادة مستويات إنفاقهم. وفي ظل تراجع مبيعات التجزئة والنمو العالمي، لن تستقدم الشركات أي عمالة جديدة؛ كما سيفضي عدم إضافة فرص عمل جديدة إلى تردد الأفراد حيال إنفاق مزيد من الأموال.

ومن ناحية ثانية، تحرص منطقة اليورو على أن تبدو عكس ما هي عليه اليوم؛ إذ تحاول جاهدة أن تظهر كمنطقة اقتصادية واحدة، إلا أن أزمة ديون اليونان لا تزال تتصدر عناوين الصحف في ظل عدم التوصل إلى حلول مجدية على المدى الطويل لمشاكلها الاقتصادية. وليست مشكلة اليونان سوى انعكاس واضح للمشاكل الهيكلية في منطقة اليورو التي تضم مجموعة بلدان تسعى لتكون بمثابة منظومة اقتصادية واحدة. ولكن إذا كانت منطقة اليورو تمثل منطقة اقتصادية واحدة فعلاً، سيتوجب عليها توفير الدعم وضمان تدفق الأموال للمساعدة على حل المشاكل الاقتصادية التي قد تواجه أحد بلدانها.

ولكن، وبدلاً من ذلك، يلوّح دافعوا الضرائب في فرنسا وألمانيا برفض أي تحرك لتوفير الأموال من حسابهم لمساعدة اليونان على الخروج من مأزقها. وفي هذا السياق، أفاد كلود تريشيه، رئيس "البنك المركزي الأوروبي"، الأسبوع الماضي أنه يتعين على حكومات منطقة اليورو تأسيس وزارة مالية مستقلة لهذه المنطقة، ولكنه أقرّ في الوقت ذاته استحالة تحقيق هذه الخطوة على أرض الواقع. فعندما تمتلك منطقة اليورو وزارة مستقلة للمالية، سيغدو ممكناً توفير الأموال اللازمة وانتقالها بمرونة فائقة عبر بلدانها بما يضمن توفير الدعم الاقتصادي المطلوب الذي تحتاجه اليونان والبرتغال وإيرلندا مثلاً، إلا أن عدم انتقال الافراد بأعداد كبيرة بين هذه الدول يعزز الجمود السائد حالياً بمنطقة اليورو.

إذ عندما يفقد العمال الأميركيون وظائفهم في ولاية شيكاغو مثلاً، يمكنهم التحرك بسهولة ومرونة فائقة بحثاً عن فرص عمل جديدة في ولاية فيلادلفيا على سبيل المثال، وهي ميزة تفتقر إليها منطقة اليورو. كما يعتبر حاجز اللغة عائقاً آخر يحول دون تنقل الناس بحرية تامة ضمن البلدان الأوروبية، الأمر الذي يفسر ارتفاع معدلات البطالة في جنوب القارة مقارنةً مع دول الشمال التي تحظى بمستويات عمالة عالية. ولذلك وضعت ألمانيا وإسبانيا قبل بضعة أشهر مخططاً يقترح تعلم الإسبان اللغة الألمانية لكي يتاح لهم العمل في المصانع الألمانية التي تعاني نقصاً في كوادر العمل، وهو ما يفسر ارتفاع عدد الأشخاص الذين يتعلمون الألمانية في مدينة برشلونة الإسبانية بواقع 20% في العام الماضي.

ويشكل ضعف أداء البنوك العالمية عائقاً واضحاً أمام الأسواق؛ فخلال العام الجاري، انخفض مؤشر أسعار قطاع البنوك العالمية بنسبة 1%، بينما سجلت البيانات المالية الأميركية نسبة 50% فقط من القيمة التي حققتها عام 2006. وتبذل العديد من البنوك في الاقتصادات العالمية الكبيرة قصارى جهدها لإعداد استراتيجية جديدة من أجل المرحلة المستقبلية. كما تبدو متطلبات رأس المال غير واضحة مع غياب احتمال انخفاض قيمة الخسائر المتراكمة نتيجة سياسة القروض المقدمة لحكومات منطقة اليورو مثل اليونان، فضلاً عن أن طريق وصول هذه الأموال إلى أسواق النمو ضمن الأسواق الناشئة غير مضمونة. ونعتقد أن الأداء الإيجابي لن يتحقق إلا عبر إطلاق موجة من عمليات الاندماج والاستحواذ للبنوك بهدف التخلص من عبء التكاليف وتحسين مستويات الربحية.

وفي سياق آخر، تعاني الصين أزمة مياه حقيقية؛ وفيما انصب تركيز معظم الاقتصاديين على الإجراءات التي ستتخذها السلطات لتقليص حجم التضخم، لم يتم التركيز بشكل كافٍ على مشكلة نقص المياه؛ فالصين تواجه اليوم أسوأ موجة جفاف منذ 50 عاماً؛ حيث تعرض ما يزيد على 1333 هكتاراً من الأراضي الرطبة شرق بحيرة دونغتينغ إلى موجة جفاف غير مسبوقة أدت إلى انحسار منسوب المياه في نهر يانغتسي الذي يعتبر أطول أنهار الصين، مع تسجيل أدنى مستوى لهطول الأمطار منذ عام 1961. كما طال تأثير موجة الجفاف أجزاء من مقاطعات هوبي، وهونان، وجيانغشي، وإنهوى، وجيانغسو، وتشجيانغ، والتي تقع جميعها بالقرب من الروافد الوسطى والدنيا لنهر يانغتسي.

وشهدت هذه المناطق هطولات مطرية أقل من المعتاد بنسب تراوحت بين 40-60% فقط. ويعتبر نهر يانغتسي أحد شرايين الحياة المهمة للصين؛ فهو يقع وسط سهل غني بزراعة الأرز، ويشكل خمس النشاط الاقتصادي للصين، ويحتضن ثلثي عمليات الشحن الداخلي. ومن المتوقع أن يسهم سد نهر يانغتسي بعد اكتماله بتوفير 10-15% من احتياجات الكهرباء في الصين، إلا أن المستويات المنخفضة للغاية في مياه حوض السد قلصت قدرته على توفير الطاقة التي تحتاجها العاصمة بكين مثلاً، وهو ما يؤكد احتمال تعرض البلاد لمشكلة انقطاع التيار الكهربائي خلال الصيف المقبل. وفي المقابل، تتمتع الأجزاء الجنوبية من الصين بمياه وفيرة. وسيتيح مشروع تحويل المياه بين الجنوب والشمال، والبالغة تكلفته 62 مليار دولار أميركي، نقل حوالي 36 مليار متر مكعب من مياه حوض نهر يانغتسي سنوياً إلى مناطق الشمال القاحلة علماً أن الصين تواجه احتمال نقص كبير في الحاجات الأساسية من نصيب الفرد من المياه.

وفي عودة سريعة إلى موضوع منغوليا الذي استفضنا بمناقشته في تقريرنا السابق؛ أكدت "ريو تينتو"، إحدى أكبر شركات التعدين في بكين، الأسبوع الماضي أن النحاس سيواجه احتمالات نقص في المعروض على مدى السنوات الـ 10 المقبلة. وكما هو حال الأمر مع العديد من السلع، تأرجح سعر النحاس صعوداً وهبوطاً منذ بداية العام متراجعاً بنسبة 10% عن مستواه القياسي البالغ 10160 دولار أميركي للطن الواحد الذي سجله في فبراير الماضي. وستشهد منغوليا العام المقبل افتتاح منجم "أويو تولغوي" الذي سيغدو منجم النحاس الأكبر في العالم، والذي أعلنت شركة "إفانهوي للتعدين" - المدرجة أسهمها في بورصتي نيويورك وتورنتو - امتلاك حصة فيه بنسبة 67%.

وحافظ سعر الذهب على قوته مع ارتفاعه بمعدل 5 دولارات الأسبوع الماضي ليبلغ 1541 دولار أميركي للأوقية. ونتوقع أن يحافظ الذهب على هذا المنحى الصاعد بالتزامن مع ضعف الدولار على خلفية المشاكل المستمرة التي تعصف بالاقتصادين الأميركي واليوناني.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف