اقتصاد

مصر قادرة على المضي دون قروض البنك الدولي ... لكن بشروط

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

رفض مصر الاقتراض من البنك الدولي طرح تساؤلات عدة حول مصير الاقتصاد المصري خلال هذا العام، وهل سيتمكن من المضي قدمًا من دون اللجوء إلى مصادر تمويل خارجية، وبعدما وافق "صندوق النقد الدولي" على اتفاق مساندة طارئ لأجل 12 شهرا، وقيمته 3 مليارات دولار مع مصر، ولكنه كان اتفاقًا مشروطًا، فراجعت الحكومة موازنة السنة المالية 2011- 2012، وخفضت عجز الموازنة إلى 8.6% من إجمالي الناتج المحلي بدلاً من التوقعات السابقة البالغة 11% من الإجمالي، وبعدما تضمنت الموازنة الجديدة زيادة في ضرائب الدخل وفي الضريبة على التبغ من 40% إلى 50%.

القاهرة: استطلعت "إيلاف" آراء خبراء الاقتصاد في مصر حول ايقاف مصر الاقتراض من البنك الدولي، حيث اتفقوا على أن خطوة عدم اللجوء إلى الاقتراض خطوة جيدة من شأنها تخفيف الأعباء عن اقتصاد مصر المتهالك، إلا أن ذلك مرهون بمدى تطبيق سياسات وخطط تنموية ترفع من الناتج المحلي وتعالج المشكلات الاقتصادية المتراكمة، كما إنه محفوف بالمخاطر نتيجة للتداعيات السلبية للقرار، في مقدمتها انخفاض سعر الجنيه المصري لمعدلات غير مسبوقة.

بداية أكد الدكتور حمدي عبد العظيم الخبير الاقتصادي ورئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية السابق أن قرار عدم الاقتراض هو قرار إيجابي بكل المقاييس، لأن القروض تمثل أعباء يتحملها ميزان المدفوعات عندما تكون بالنقد الأجنبي، وحتى الدين الداخلي، يكبد الموازنة العامة للدولة خسائر كبيرة . وقرار عدم الاقتراض يخفف هذه الأعباء عن كاهل ميزان المدفوعات والموازنة العامة للدولة.

ويرى أن ما ساعد على اتخاذ القرار هو تلقي مصر مساعدات دولية، مثل إسقاط مليار دولار من الديون الأميركية، وهو مبلغ ضخم، ويخفض من الدين والفوائد المرتبطة به والمعونات السعودية والقطرية، فالأولى وضعت وديعة في البنك المركزي المصري بـ 500 مليون دولار، وكذلك وديعة في بنك مصر لتمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة وتمويل محطة كهرباء تم توقيع اتفاقيتها الأسبوع السابق، وتكفلت السعودية أيضًا بدفع قيمة صادراتها لمصر، ما يخفف العبء على ميزان المدفوعات، ويجعل الاقتصاد المصري يتجاوز العديد من العقبات، وقطر هي الأخرى أمدّتنا بمعونة غير مشروطة عبارة عن 500 مليون دولار، إضافة إلى صفقة غاز البتوغاز.

وأشار إلى أن هناك اجتماعات ومؤتمرات عالمية، آخرها كان في الولايات المتحدة الأميركية، وكان هدفه الأساسي مناقشة كيفية مساعدة الاقتصاد المصري والنهوض به، وكان فرصة جيدة لعدد من وزراء المصريين - الذين شاركوا في المؤتمر- لعرض فرص الاستثمار الأجنبي في مصر في مجالات الكهرباء والطاقة والزراعة والصناعات المختلفة.

ويرى عبد العظيم أن هذه الأنشطة من شأنها تعويض مصر عن الاستدانة من البنك الدولي، وأشار إلى إمكانية تخطي الاقتصاد المصري كبواته من خلال تنفيذ خطط التنمية المعروضة من قبل خبراء مصريين وأجانب والاستفادة من التجارب الدولية السابقة في تحقيق طفرة حقيقية في المجالات الاقتصادية المتعددة، فمصر لديها مقومات عديدة للنهوض من دون الحاجة إلى الاستدانة والاقتراض.

الخبير الاقتصادي سمير مرقص أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية في القاهرة قال لـ"إيلاف": البنك الدولي كما نعلم يسعى إلى مساعدة الدول النامية على إجتياز الفجوة التمويلية ومواجهة الصعوبات والمشاكل التي قد تتعرض لها، ومن الطبيعي أن تلجأ مصر إليه، لأنها عضوًا فيه، وكان ذلك متبعًا قبل ثورة يناير، إلا أن البنك الدولي أخيرًا أصبح يعطي القروض بشروط اقتصادية وسياسية، وهذا في الوقت الراهن يتعارض مع الخطة الاقتصادية وخطط التنمية في مصر، وهذا أمر مرفوض، إذا ما رأت الدولة أنها سوف تضر بسيادتها وخططها التنموية، غير أن القروض من شأنها أن تضعف الاقتصاد، لما لها من إرتباطات وأقساط تضر بالموازنة العامة للدولة.

ويمكن أن تستبدل مصر قروض البنك الدولي بقروض داخلية مع تقليل سعر الفائدة للدين الداخلي والبنوك المصرية تستعد لمثل هذه الإجراءات لأنها تعاني الآن ركودًا في عمليات الإقراض والتمويل، ومن العام المقبل يمكن أن يتخلى النظام الاقتصادي المصري عن القروض والاستدانة الداخلية أو الخارجية، بعدما تدور عجلة التنمية، وتستغل عوائدها في إعادة هيكلة الاقتصاد المصري المتهالك، فمصر على الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها مليئة بالموارد التي لو أحسن استغلالها سوف تتحول مصر إلى دولة من الدول المتقدمة في غضون سنوات قليلة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة".

من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي سيد صادق أن هناك تداعيات مباشرة لقرار الحكومة المصرية برفض القروض من البنك وصندوق النقد الدوليين، أهمها انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام العملات العالمية الرئيسة، حيث وصل إلى أدنى مستوى له منذ فترة، وذلك بسبب زيادة عجز الموازنة العامة للدولة، بسبب الانخفاض الشديد في الإيرادات - بعد هروب الاستثمارات الأجنبية من مصر في أعقاب ثورة يناير، وتوقف العديد من المصانع والشركات عن الإنتاج- مع زيادة الإنفاق.

ويرى صادق أن هناك بدائل عدة، من شأنها أن تعوض عجز الموازنة، وقد بدأت بالفعل الحكومة الموقتة في تدابير توفير الإيرادات منها دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وإعادة النظر في الدعم، وخصوصًا دعم الطاقة وفتح المجال للمجتمع المدني لزيادة المشاركة في الإنتاج، وألمح إلى قرار فايزة أبو النجا وزيرة التخطيط والتعاون الولي بتخصيص 200 مليون دولار من المساعدات المقدمة من السعودية لمصر لبنك القاهرة لدعم المشاريع الصغيرة.

وأوضح الباحث الاقتصادي مدى الأعباء التي يتكبدها الاقتصاد المصري من الدين قائلاً: إجمالي فوائد الديون يتعدى 25% من قيمة الموازنة العامة للدولة، وعليه فإن خطورة الدين في تكلفته على الموازنة العامة، وهو ما يكون سببًا في تعطيل التنمية إذا ما لم تتوافر لديها جهات استثمارية قادرة على دفع عجلتها.

وذكر صادق أنه يمكن تجنب الاستدانة الخارجية عن طريق تدابير عدة، تتمثل في توفير الحكومة للمصروفات عن طريق ترشيد الإنفاق الحكومي وحل مشكلة الدعم الخاص بالمنتجات البترولية، والذي يتم تخصيص أكثر من 90 مليار جنيهًا من الموازنة العامة، ثم توفير مصادر دخل محلية و خارجية بتشجيع الاستثمارات وتغيير سياسة التعامل مع المستثمرين وآلية جمع الضرائب وفتح المجال للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، بل والعملاقة من دون العودة إلى الروتين والإجراءات المجحفة التي كانت متبعة في عهد النظام السابق.

واتفق الخبير الاقتصادي عبد المنعم درويش مع الآراء السابقة في أن قرار المجلس العسكري ووزير المالية المصري برفض القروض جاء في محله، لأن القروض تعني تقيد الاقتصاد والسياسة المصرية بإملاءات البنك الدولي وصندوق النقد، وما اعلن أخيرًا من ضرورة تطبيق الخصخصة بشكلها القديم الذي أثبت فشله هو أكبر دليل على أن القرار سليم، رغم وجود بعض الصعوبات التي قد تواجه الحكومة المصرية لالتزامها ببعض الأمور أمام الشعب، منها الحد الأدنى للأجور والمعاشات والتموين وتخصيص قيمة كبيرة لقطاعي التعليم والصحة.

إلا أنه إذا ما تم تطبيق قواعد وأسس علمية لجعل القطاعات غير المنتجة تتحول إلى قطاعات منتجة، كما هو الحال في دول آسيا وأميركا الجنوبية وتنشيط وتفعيل هذه القطاعات يجعل المدفوع في هذه القطاعت بمثابة الاستثمار، كما إنه من الممكن أن نضع خطط التنمية حيز التنفيذ في وقت سريع، ما يعوّض ميزان المدفوعات والموازنة العامة للدولة في أقل من 5 سنوات، وبهذا يتحول الاقتصاد المصري إلى إقتصاد صاعد في فترة وجيزة، ويصبح قادرًا على المضي قدمًا من دون اللجوء إلى القروض الخارجية أو حتى المعونات المباشرة غير المشروطة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف