إضراب الجزائرية للطيران ... خسائر ومسافرون في عين الإعصار
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
شلّ إضراب موظفي مجموعة "الجزائرية للطيران" المملوكة للحكومة، حركة الملاحة الجوية في الجزائر، حيث جرى إلغاء مئات الرحلات خلال الساعات الـ72 الماضية.
الجزائر: المشهد كان زوال اليوم الأربعاء، مُكهرباً بالمطار الدولي "هواري بومدين" (شرقي الجزائر العاصمة)، وعلى وقع فوضى عارمة، إفترشت مئات العائلات بأمتعتها الأرض وسط نظرات تائهة ومُنهكة، الاحتقان كان باديا بقوة على أوجه مسافرين اضطروا لقضاء ساعات طويلة على طول بهو المطار ومختلف رواقاته، ولم تكن الأوضاع مغايرة بحسب الأصداء التي وصلت "إيلاف" من مختلف الموانئ الجوية في باقي المدن الجزائرية.
إلغاء الرحلات إتسع أكثر فأكثر وزاد عن 146 رحلة في يوم واحد، بشكل أضحت معه كل الوجهات محظورة على طالبيها: كندا، ايطاليا، تونس، مصر، الولايات المتحدة، اسبانيا، فرنسا، مالي، نيجريا وغيرها، علما أنّ هذا السيناريو يعدّ الثاني من نوعه خلال أقل من شهر بعد إضراب أول كان أقلّ حدة.
وعدا المجموعة الخاصة "طاسيلي أيرلانز" التي قامت بإيصال فريق من المسافرين إلى وجهات إفريقية (نيامي - وغادوغوا)، وإقدام مجموعات الملاحة البحرية على إيصال قطاع آخر من المسافرين إلى مرفأي مارسيليا (فرنسا) وأليكانت (إسبانيا)، أجبر الغالبية على التزام أماكنهم إلى إشعار غير معلوم، فيما عاد آخرون أدراجهم بخفي حنين.
وفي محاولة لاحتواء الوضع، تشكلت خلية أزمة ضمت على رأسها كل من "محمد الصالح بولطيف" الرئيس المدير العام لمجموعة "الجزائرية للطيران" وكذا "حليم بن عطا الله" كاتب الدولة المكلف بالجالية الجزائرية في الخارج، إلاّ أنّ كثيرا ممن التقيناهم بمطار "هواري بومدين" أبدوا تشاؤمهم حيال قدرة لجنة كهذه على حسم الأمور، لا سيما في ظلّ تمسكّ الموظفين المضربين بإقرار زيادة في رواتبهم بنسبة 106 بالمائة (في هذه الحالة ستصبح قيمة الأجور بحدود 20 ألف دينار بما يعادل 1700 يورو) وهو ما يراه البعض مبالغا فيه.
إلى ذلك، أبدى الرقم الأول في "الجزائرية للطيران" استعداد إدارته لمنح زيادة 20 بالمئة فحسب في السلم العام لرواتب المستخدمين، وركّز "محمد الصالح بولطيف" على أنّ الوضع المالي للمجموعة لا يمكّنها من رفع الرواتب إلى أكثر من ذلك وممارسة المفاضلة مع فئة دون أخرى.
وإذ طمأن عموم المسافرين بتعويض بطاقات سفرهم، ناشد "بولطيف" ممثلي المضربين لفتح حوار شامل يسمح بإيجاد أرضية تفاهم تقود إلى تصنيف عادل للرواتب وفق تخصصات الموظفين، مع الإشارة إلى أنّ عرّابي الحركة الاحتجاجية هم نشطاء نقابة مستخدمي الطيران التجاري الجزائري ويتعلق الأمر بمجموع المضيفين والمضيفات ورؤساء المقصورات.
في الأثناء، كانت جولتنا إلى مطار "هواري بومدين" (15 كلم شرقي الجزائر العاصمة)، فرصة لمعايشة فصل من معاناة المسافرين العالقين هناك، عثمان الذي كان يصرخ وسط القاعة الرئيسية، أخبرنا أنّه كان من المفترض أن يسافر إلى مدينة تورنتو الكندية صبيحة الاثنين، لكنّ ما سماها "لا مسؤولية" الجزائرية للطيران، على حد تعبيره، أرغمه على التقوقع رفقة زوجته وأبناؤه الثلاثة في جو لا يُطاق.
بدوره، لفتت زينب التي كانت في فورة من الغضب، إلى أنّه من غير المعقول أن يتم ترك المسافرين مُهملين على هذه الشاكلة المهينة، متساءلة: "إنها لا مبالاة، أين هي الدولة؟ ماذا عن وجوب احترام الحد الأدنى للخدمة الذي ينص عليه القانون في أي إضراب؟"، بينما أصدر رياض وعادل ونسيم اللذين كان سفرهم مقررا إلى إيطاليا، إسبانيا وألمانيا على التوالي، آهات حسرة وتذمر، مستهجنين تركهم لحالهم، وعلّق الثلاثة بهذا الشأن: "من غير المعقول أن لا تتكفل الشركة بمسافريها وتتركهم ضائعين على هذا النحو، حتى الأطفال الرضع والمسنين وأصحاب الأمراض المزمنة، يعانون ضعفين".
ولا يلوح الانفراج وشيكا، في ظلّ تمسك المضربين بعدم استئناف العمل إلى حين تلبية مطالبهم، وتأكيد إدارة "الجزائرية للطيران" استحالة الرضوخ لما سمته "مطالب تعجيزية" ناجمة عن إضراب "غير شرعي".
وأبدى الإعلامي "جمال زروق" اشمئزازه من استخدام المضربين للمسافرين كرهائن، معتبرا أنّ سمعة الجزائر تلطخت بفعل تلاعبات موظفين يريدون الحصول على رواتب خيالية، مشككا بوجود رائحة السياسة في الموضوع.
من جهته، حذّر الخبير "سمير عودية" من وخامة الانعكاسات الاقتصادية لما يحدث في عز موسم الاصطياف، ويؤكد عودية أنّ الخسائر المادية الناتجة عن الإضراب جد ثقيلة، وقد تصبح أكثر فداحة في حال استمرار الوضع على منواله، بينما لا يرى "هيثم رباني" الأمور بالعين ذاتها، إذ يشير إلى أنّ مجموعة "الجزائرية للطيران" شركة مغلقة ومدعومة من طرف الدولة، ولا يهمها الربح والخسارة، طالما أنّ الحكومة ستقوم بتعويض كل الخسائر مهما ارتفعت قيمتها.