جدل بعد تحويل أراضي زراعية للتعمير في الجزائر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أصدرت السلطات الجزائرية قرارا بتحويل أراضي زراعية لصالح قطاع العمران في خرجة فجّرت ضجيجا واستفهامات، وإذا كانت الحكومة تذرعت بكون الأراضي المذكورة ليست خصبة، ما فرض تسخيرها لأجل بناء سكنات، فإنّ فعاليات محلية تجزم بالعكس وتتوجس من المحذور. في هذا التقرير، تتناول "إيلاف" مع متخصصين تداعيات القرار الحكومي على قطاع الزراعة.
الجزائر: وصف بيان مجلس الوزراء القرار بالأمر الذي يمليه التسيير الرشيد، واعتبر تخصيص 9974 هكتارا موزعة على 22 ولاية لبناء ما يقارب 550 ألف مسكن عمومي، ضرورة عاجلة من أجل الاستجابة للطلبات الملحة لمواطنيه. ووسط تساؤلات ملّحة عن مشروعية توظيف الوعاء العقاري لأجل الإسكان، رفض وزير الزراعة الجزائري "رشيد بن عيسى" الخوض في الموضوع، فيما اعتبر "علي معطى الله" مدير الديوان الجزائري للأراضي الزراعية (هيئة حكومية)، الملف قديما وأتى كتتويج لعمل سنوات. وإذ لم يتحرّج معطى الله عن الاعتراف بعدم استشارة ديوانه في قرار تحويل تلك المساحات الزراعية الموصوفة بالخصبة، شدّد على كون الديوان لم ولن يتراخى، مثلما أنّه ليس على استعداد للتفريط في شبر واحد من الأراضي الزراعية، على حد قوله.
إلاّ أنّ الخبير "صافي بوديسة" لا يسمع الأمور بالأذن ذاتها، ويستغرب سلوك خطوة تشكّل بمنظوره إمعانا في استنزاف العقار الزراعي في بلد يعاني الأمرّين جراء عدم الاستغلال الأمثل لمساحاته الزراعية وما ترتب عن انحرافات تسببت في تحويل أراضي إلى غير وجهتها.ويتساءل "صافي بوديسة" صاحب 92 عاما أنفق ثلاث أرباعها في الزراعة:" كيف للجزائر العاجزة عن تحقيق اكتفاءها الذاتي من الحبوب، وتضطر لاستيراد 60 بالمائة من حاجياتها الغذائية كل عام، أن تتبنى "انتحارا" كهذا؟ بدوره، يعارض "أحمد قاسيمي" الإجراء الذي ينذر بإضعاف قطاع هش ومحدود، خصوصا وأنّ تجارب الماضي لم تكن إيجابية البتة، ما يفرض بحسبه تقويما شاملا يحث المزارعين على استصلاح الأراضي، طالما أنّه بين 49.2 مليون هكتار التي تمثل إجمالي العقار الزراعي في الجزائر، لا يتعدّ حجم الاستعمال حدود 17 بالمائة، وهو معطى جد هزيل.
وينتقد "صافي بوديسة" تهاون الحكومة في استرجاع مجموع الأراضي الزراعية التي جرى تحويلها عن طبيعتها في الفترة ما بين 2001 و2007، ويتعلق الأمر بمئات آلاف الهكتارات التي تلاعب بها ما يقارب 12 ألف "مزارع مزيّف".هذا الكشف يؤكده "علي معطى الله"، حيث يبرز أنّه بين 21 ألف (مستثمر) استفادوا من حق استعمال الأراضي التابعة لأملاك الدولة قبل نحو عشرية، لا تزال العقارات التي مُنحت لـ11.900 مزارع مزيّف، غير مسترجعة بفعل عدم استصدار القضاء المحلي لأحكام تسمح للجهات المعنية من استعادة سيطرتها على هذه العقارات التي خضعت في السابق لممارسات غير قانونية حوّلت الأراضي الزراعية عن مراميها.
وبمقابل تشديد "أحمد علي" المدير المركزي على مستوى وزارة الزراعة، على أنّ قانون استغلال الأراضي الزراعية سيضع حدا للتلاعبات، يتساءل "جمال إرزي" عن تعاطي الدوائر الحكومية مع تجاوزات شهدتها ولايات سهبية جرى فيها نهب عقارات زراعية، كما هو الحال في منطقتي الجلفة وتيبازة.إلى ذلك، يركّز "يوسف فتني" رئيس المنتدى الجزائري لمكافحة الفساد على كون الأمر في مؤداه يسمى "انحرافا" على حد قوله، مستهجنا برود السلطات مع "تحويل أموال الدعم الزراعي إلى غير وجهتها"، في ظلّ التواجد المكثف لمن يُعرفون بـ"الوسطاء"، في وقت أتى تحويل الأراضي بقرار حكومي ليعري واقع قطاع استراتيجي تغنى المسؤولون مرارا بضرورة إنعاشه.
ويتساءل فتني عن نتائج تحقيق باشرته السلطات قبل فترة حول "المزارعين المزيفين"، ويتعلق الأمر بعشرات آلاف المزارعين "المزيفين" استفادوا في الفترة ما بين 2001 و2007 من قروض زراعية دون أن يظهر لها أي أثر في الميدان، ليقوم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في فبراير/شباط 2009، بمسح ديون 78 ألف فلاح بقيمة مالية إجمالية فاقت الـ37 مليار دينار (بحدود 374 ملايين دولار).
ويطرح متعاملون وخبراء عديد التساؤلات حول المليارات التي جرى إنفاقها منذ العام 2001، ولم تنتج سوى الفشل ومضاعفة التبعية الغذائية التي يُتوقع ارتفاعها إلى حدود 15 مليار دولار بحلول العام 2015.وبلغ إنتاج الجزائر من الحبوب خلال العام الأخير حوالي 45 مليون قنطار، وهو ما مثل تراجعا بحوالي 27 بالمائة خاصة بسبب التراجع الهام لمحاصيل الشعير، في وقت تفاخرت السلطات باستئناف تصدير الشعير بعد 43 سنة من الانقطاع.