أميركا عرضة لخطر العجز ... ومنطقة اليورو تشتري الوقت
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تسعى منطقة اليورو والولايات المتحدة جاهدتين لإيجاد حلول حقيقية قصيرة الأمد لمواجهة مشاكلهما طويلة الأجل، على الأقل لإعطاء انطباع بأنهما ممسكتين بزمام الأمور.
دبي: يمكن القول أن الولايات المتحدة ومنطقة اليورو قد نجحا في كسب الوقت، ولكن مشاكلهما لا تزال بعيدة عن الحل. وفي أزمة ديون اليونان، قدمت منطقة اليورو دعماً بقيمة 159 مليار يورو من أجل تعزيز قدرة اليونان على إيفاء ديونها. ومع ملاحظة ما تتناوله الصحافة عموماً، فإننا نجد أن الساسة الأميركيين يواصلون اتباع سياسة تخضع لآليات التكتيك والمراوغة بشأن التوصل لاتفاق حول مشكلة الديون، ولكنهم سيجدون أنفسهم مضطرين لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وإلا ستغلق بعض الجهات الحكومية أبوابها وتواجه خطر الإغلاق وحدوث العجز الفني كما تسميه وكالات التصنيف.
ولعل أبرز ما نلاحظه في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو ازدياد مستويات الديون التي بدأت عدواها تنتقل إلى بعض البلدان الأخرى بالتزامن مع انطلاق سلسلة من الإصلاحات، في وقت ينشط فيه الساسة من أجل وضع خطة لتخفيض الديون نحو مستوى مستدام في العالم الغربي.
ومن جهة ثانية، تلوح في الأفق بارقة أمل مع وجود بعض الجوانب الإيجابية، وبالتحديد انخفاض معدلات التضخم. ونتوقع على مدى الشهور الستة المقبلة أن يشهد التضخم تراجعاً حاداً في أجزاء عديدة من العالم، حتى ولو بقيت أسعار السلع مستقرة عند مستوياتها الحالية، والتي لا تبعث على الارتياح أساساً. وكل ما علينا فعله في هذه الأثناء هو العمل على اجتياز الشهور الستة المقبلة بسلام.
وقد أعلنت حكومات منطقة اليورو عن خطتها الحاسمة الجديدة التي ستسهم في تعزيز تماسكها، والتي بالكاد منحتها فرصة جديدة للصمود أمام التحديات المستقبلية. فقد حصلت اليونان على الدعم الذي تحتاجه للصمود خلال أرباع السنة القليلة المقبلة، بينما قدم "صندوق الاستقرار المالي الأوروبي" مؤخراً مساعدات للبرتغال وايرلندا بغية تعزيز قدرتهما على مواجهة تبعات المشاكل الاقتصادية.
وفيما ستسهم الحلول المعلنة من جانب وزراء المالية بمنطقة اليورو في توفير المساعدة قريبة المدى للأسواق المالية، إلا أنها تثير الكثير من الشكوك حول قدرتها على إيجاد حل ناجعٍ طويل المدى. وفي الواقع، يتجسد الحل طويل المدى، الذي سيكفل نجاة منطقة اليورو، من خلال تعاون البلدان الأخرى ضمن هذه المنطقة على تحمل عبء ديون البرتغال واليونان وايرلندا، حيث سيمثل هذا التقارب السياسي خطوة تتجاوز مفهوم اتحاد منطقة اليورو خلال هذه المرحلة.
وفي الواقع، شهدت أزمة ديون اليونان الكثير من النقاشات، وعمليات المراجعة لتنتهي في نهاية المطاف مع الإعلان عن عجز كبير في البلاد. وستحصل اليونان على مساعدة بقيمة 15 مليار يورو لدعم اقتصادها، وذلك على شكل استثمارات هيكلية سيتم صرفها خلال العامين المقبلين. ولابد في هذا السياق من الأخذ بعين الاعتبار بأن اليونان أهدرت أموال العقود الآجلة الناجمة عن التقارب السياسي خلال فترة تسعينيات القرن الماضي عندما حظيت بنقطة دخول ملائمة إلى منطقة اليورو.
ولكي لا تتسبب اليونان بالمزيد من المشاكل للأسواق، سيتعين إجراء تعديل هائل في الاقتصاد-وهو يبدو أمراً غير منطقي- إلى جانب افتراض بيع الأصول اليونانية. ويتعين أن تعادل نسبة التخفيض المطلوب لحجم الإنفاق الحكومي حوالي 8% من الناتج الإجمالي المحلي خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ومن ناحية أخرى، يواصل الساسة الأميركيون اتباع سياستهم الخاضعة لآليات المراوغة من خلال نقاشاتهم المطولة حول رفع سقف الديون. ولن يكون غائباً عن المستثمرين مساهمة الساسة الأميركيين في إثارة مخاطر تعرض الولايات المتحدة إلى عجز فني، خصوصاً وأنه يتعين على المدين الأكبر في العالم عدم التعامل مع المستثمرين بمثل هذه الطريقة. ولذلك قد تلجأ وكالات التصنيف إلى خفض تصنيف الديون الأميركية من مستوى (AAA) إلى (AA) على خلفية الفوضى الناجمة عن النقاش والتفاوض خلال الشهور الأخيرة.
ونعتقد أن المشكلة الرئيسية بالنسبة للاقتصاد العالمي والأسواق المالية تتجسد من خلال تراجع النمو؛ حيث يواصل الاقتصاديون حول العالم تخفيض توقعاتهم من حيث نمو الناتج المحلي الإجمالي، سواء بالنسبة للصين أو أوروبا أو الولايات المتحدة. كما سجلت مسوح مؤشرات الثقة الصناعية الأوروبية مستويات ضعيفة وأدنى من التوقعات عكست-على الأقل جزئياً- وجود بعض المشاكل السياسية التي مهدت الطريق للتوصل إلى الاتفاق الأخير حول ديون البلدان المحيطة بالاتحاد الأوروبي.
وقد تراجع "مؤشر مدراء المشتريات" بمنطقة اليورو خلال يوليو إلى مستوى 50.4 نقطة، مقارنةً مع القراءة السابقة عند 52.0 نقطة والمسجلة في شهر يونيو، وهو ما يشير إلى تباطؤ النمو بقطاع التصنيع. وفي الواقع، لن يكتب للبلدان عموماً النجاح في سداد ديونها دون تحقيق النمو، وستضطر في نهاية المطاف لمواجهة خطر العجز إذا لم تحقق ذلك.
ومن جانب آخر، يسهم سداد الديون في تقليص حجم النمو كذلك؛ إذ من المتوقع أن تتسبب سياسة تخفيض الدين الحكومي المتبعة من جانب الحكومة الفيدرالية الأميركية في تباطؤ نمو الناتج المحلي لإجمالي بنسبة 1% سنوياً خلال العامين المقبلين. وبطبيعة الحال، لا تزال دول العالم القديم في أوروبا، إلى جانب الولايات المتحدة، تواجه جبالاً من الديون ومستويات نمو غير كافية.
ومع وجود العديد من الحكومات المثقلة بأعباء الديون الكبيرة؛ سيقع على عاتق القطاع الخاص المساعدة بدفع عجلة النمو، ولكن من الصعب التنبؤ بمحفزات نمو القطاع الخاص، الذي يتطلب بدوره وجود عملاء مستعدين لإنفاق الكثير من الأموال على السلع والخدمات، في وقت تبدو فيه مؤشرات الثقة الصناعية والاستهلاكية منخفضة. ويتمتع القطاع الخاص بمستويات ربحية قوية وتدفقات نقدية جيدة ولكنه لا يسهم كثيراً من حيث مستويات الإنفاق. وبطبيعة الحال، سيواجه المستهلكون ضغوطاً على مدخولاتهم نتيجة ارتفاع التضخم، كما ينتابهم القلق حيال مستويات مديونياتهم.
وفي سياق آخر، واصل الذهب تسجيل مستويات قياسية مع وصوله إلى سعر 1600 دولار أميركي للأونصة، وذلك تزامناً مع قيام السياسيين بوضع لمساتهم الأخيرة على الخطط المتعلقة بالمشاكل بالولايات المتحدة وأوروبا. ونعتقد أن سعر الذهب، عند 1600 دولار، سيشكل حاجزاً من شأنه إعاقة تحقيق مكاسب كبيرة من أسعار الذهب، لاسيما وأن المسائل العالقة في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو قد تجد "حلاً" يدوم لفترة مؤقتة فقط. وهنا، نوصي بضرورة أن تنطوي محافظ المستثمرين على حصص من الذهب، مع التريث باتخاذ القرارات، ونؤكد وجود فرصة مواتية لجني بعض الأرباح بالنسبة للمستثمرين ممن ينصب اهتمامهم على التداولات.
وقد تفقد الأسهم زخمها وتتراجع نتيجة غياب الأنباء الإيجابية قريبة المدى من الاقتصاد العالمي. أما أسواق الأسهم الأميركية، فكانت عموماً عالقة عند نطاق التداول المحصور بين المستويين 1250-1350 منذ شهر فبراير، حيث نستشعر وجود ميل ضعيف تجاه الصعود وتجاوز المستوى الحالي عند 1340. كما جاءت نتائج أرباح الشركات الأميركية فوق التوقعات، حيث تجاوز معدل الأرباح التوقعات بنسبة 4%، ولكن المستثمرون يشعرون بالقلق إزاء تحقيق هذه الأرباح دون الاستثمار في رأس المال وتحقيق نمو في حجم العمالة، وبالتالي فهي غير مستدامة.
وثمة بعض الجوانب الإيجابية التي تلوح في الأفق على الأقل في المدى المتوسط؛ والتي تؤكد ضرورة تجاهل المشاكل قريبة المدى والتطلع نحو المستقبل. وفي الواقع، من السهل التنبؤ بما قد يحدث على المدى الطويل، بدلاً من تخمين الأحداث اليومية وحركة تعاقبها. ولعل أبرز العوامل الجديرة بالمراقبة هي مشكلة التضخم؛ فقد يكون تراجع التضخم بمثابة الترياق الشافي لجميع مشاكل الديون الأخيرة.
وبشكل عام، تعزى موجة التضخم العالمية القوية في المقام الأول إلى الزيادة الكبيرة لأسعار السلع على أساس سنوي. فعلى سبيل المثال، ارتفع مزيج برنت بواقع 43%، وأسعار الذرة بواقع 65% خلال العام الماضي. ومع حلول شهري مارس وأبريل 2012، سينحسر جزء كبير من آثار ارتفاع أسعار السلع التي سببت مشكلة التضخم، وذلك مع افتراض أن أسعار السلع الأساسية ستبقى مستقرة على ما هي عليه اليوم.
وسيسهم تراجع التضخم في تخفيف الضغوط على البنوك المركزية في الدول الناشئة من أجل رفع أسعار الفائدة. وستكون تركيا، ومصر، والهند- التي تعتبر من الدول المستوردة للطاقة- من أوائل الدول التي ستقطف ثمار الفائدة حالما يتراجع حجم التضخم.