إحتدام الجدل بين الساسة الأميركيين ... ومشاكل أوروبا لم تنته
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
دبي: يبدو جلياً أن العالم يشهد اليوم كثيراً من التغيرات المتسارعة؛ إذ تنتقل مراكز القوة الاقتصادية العالمية من الغرب إلى الشرق، مما يزيد الضغوط على صناع القرار والسياسات للتكيف مع هذا الواقع الجديد. وتعتبر
أحداث الربيع العربي أبرز أشكال الضغوط الداعية لإحداث تغيير سياسي، ولاسيما مع بروز منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كقوة اقتصادية متنامية.
وتشهد الولايات المتحدة الأميركية اليوم ربيعها الخاص، حيث تتزايد حدة الجدل بين أوساط السياسيين حول اختيار الطريقة الأمثل لمعالجة أزمة الديون الحكومية الناجمة عن مشكلة التراجع الاقتصادي.
وقد حاولت بعض الدول العربية النهوض بدور قيادي جديد يتيح لها الاستفادة من الفرص التي أفرزها التغيير العالمي؛ كما تسعى الولايات المتحدة جاهدةً اليوم للاضطلاع بدور قيادي في الوقت الذي تحاول فيه إدارة المسائل المتعلقة بتراجعها الاقتصادي النسبي. وفي هذا السياق، أوضح تشارلز مور، رئيس تحرير صحيفة "الديلي تلغراف": "تخشى الحكومات المعاصرة زخم الشعوب التي تحكمها أكثر مما تقف إلى جانبها". ويبذل صناع السياسة (سواء كانوا سياسيين أو محافظين لبنوك مركزية) جهوداً دؤوبة للتحكم بالتغييرات الهائلة التي تعصف بالاقتصاد العالمي. وعلى الصعيد الاستثماري، يشير ذلك إلى أن الأسواق ستشهد موجة تقلبات متواصلة سيتعين معها على المستثمرين الحفاظ على ثرواتهم آمنة.
ومن جانب آخر، لا يشكل احتمال خفض التصنيف الائتماني الأميركي- المستقر عند مستوى- (AAA) مشاكل سلبية للجميع؛ ولكن سيكون من المفارقة لجوء وكالات التصنيف إلى خفض التصنيف الائتماني للديون السيادية الأميركية إلى المستوى (AA) الذي حصلت عليه الكويت مؤخراً. ولا نتوقع أن تلجأ المؤسسات إلى بيع الدين الحكومي الأميركي بشكل واسع النطاق، حيث تمتلك معظم المؤسسات الاستثمارية المرونة الكافية لمواصلة الاحتفاظ بالأوراق المالية منخفضة القيمة في حساباتها.
كما لم تشهد سوق السندات أي عوامل تبعث على الخوف رغم انخفاض عائدات السندات الحكومية لأجل 10 سنوات وملامستها للقاع 2,75%. وتعكس العائدات المنخفضة خطر تعرض النمو الأميركي لموجة تباطؤ طويلة، الأمر الذي سيعزز مخاطر الانكماش الاقتصادي وبالتالي تحقيق عائدات منخفضة. ومن المحتمل أن تواجه الولايات المتحدة مشاكل أكبر تضطر معها إلى بيع ديونها إذا شعر المستثمرون بأن الدولار الأميركي سيشهد انخفاضاً كبيراً في قيمته. وقد يبدو غريباً أن نسمع بأن ديون الأسواق الناشئة بالعملة المحلية توفر قيمة أفضل على المدى الطويل قياساً مع سندات الخزانة الأميركية.
وفي الأسبوع الماضي، اقترب مؤشر سندات السوق الناشئة لمستوى 1% في وقت تشهد فيه هذه الأسواق ارتفاعاً ملحوظاً على صعيد التصنيفات الائتمانية وعمليات الإصدار القوية وحجم الطلب الذي يوازيها قوة. ولا تنشغل وكالة "ستاندرد أند بورز" بتعديل التصنيف الائتماني لأسواق البلدان المتقدمة فحسب، بل تقوم أيضاً بترقية التصنيف الائتماني لأسواق البلدان الناشئة؛ حيث قامت الوكالة بتعديل التصنيف السيادي للأوروغواي من (BB) إلى (+BB). وتشهد شركات الأسواق الناشئة موجة قوية لإصدار السندات، حيث وصلت قيمة صفقات الإصدار إلى 2,05 مليار دولار أميركي في الأسبوع الماضي فقط، بينما حافظت تدفقات صناديق سندات الأسواق الناشئة على قوتها مع بلوغ حجم التدفقات 1,6 مليار دولار أميركي خلال الأسبوع الماضي ليصل الإجمالي خلال العام إلى 32,2 مليار دولار.
وتشهد الصناديق التي تستثمر في الديون بالعملة المحلية تدفقات متزايدة للأموال، كما نؤكد بأن هذه الصناديق تمثل إحدى فئات الأصول المجزية التي نفضلها خصوصاً مع تحقيقها حجم تدفق بلغ 525 مليون دولار في أسبوع واحد فقط.
ومن جهة ثانية، يركز السوق على الولايات المتحدة فيما تواصل منطقة اليورو صراعها مع أزمة الديون وأعبائها. وفي حين تحاول اليونان إيجاد حلول قريبة المدى لمشاكلها الاقتصادية، التفت المستثمرون ووكالات التصنيف إلى الاهتمام مجدداً بإسبانيا وإيطاليا؛ فقد ارتفعت عائدات السندات الحكومية الإيطالية والإسبانية بواقع 47 و33 نقطة أساس على التوالي خلال الأيام الأخيرة، وذلك مع لجوء وكالة "فيتش" إلى تخفيض درجة تصنيف الديون الإسبانية إلى "سلبية".
ومع قيام الاقتصاديين بمراجعة تقييماتهم السابقة، سيتبين عدم كفاية كمية الأموال المخصصة لدعم اليونان وبلدان منطقة اليورو الأخرى التي قد تتعرض للمتاعب.
وإذا افترضنا بأنه كان يتوجب على "صندوق الاستقرار المالي الأوروبي"-الذي تم إطلاقه لمساعدة البلدان الأوروبية الضعيفة اقتصادياً- توفير المساعدة لإيرلندا والبرتغال؛ فإن بنك "جي بي مورغان" يقدر بأن الصندوق يحتفظ بمبلغ 210 مليار يورو تقريباً، وهي كمية غير كافية لمساعدة إيطاليا مثلاً على إعداد برنامج اقتصادي قد تبلغ تكلفته 540 مليون يورو تقريباً، أو مساعدة إسبانيا التي قد تحتاج 290 مليون يورو.
وفي سياق آخر، واصل الذهب تسجيل مستويات قياسية فوق عتبة 1600 دولار أميركي للأونصة مدعوماً بتدفقات الاستثمار في قطاع التجزئة. وشهدت صناديق التداول بالذهب تدفقات أخرى بقيمة 1,6 مليار دولار خلال الأسبوع الماضي، وهو ما يؤكد أن الذهب يمثل حجر الزاوية المهم في أي محفظة استثمارية. وثمة مخاطر بأن يشهد سعر الذهب انخفاضاً على المدى القريب في حال توصل الساسة الأميركيون إلى حل وسط حيال مسألة سقف الديون. وبطبيعة الحال، فإن مشاكل الديون الرئيسية للعالم الغربي ستسهم بإبقاء متداولي الذهب في وضع جيد.
وثمة إشارات انتعاش ترد من آسيا؛ حيث سجل الناتج الصناعي بيانات قوية خلال شهر يونيو في كوريا وتايلاند وسنغافورة. وفي اليابان، سجل الناتج الصناعي نتائج تجاوزت توقعات الاقتصاديين خلال يونيو الماضي، كما توقع الصناعيون مزيداً من النتائج الإيجابية خلال شهري يوليو وأغسطس. ونأمل بأن تُظهر البيانات الاقتصادية الواردة من الولايات المتحدة والدول الآسيوية الأخرى نتائج إيجابية وتحسناً في وتيرة النشاط خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وقد ألقت مشاكل الولايات المتحدة ثقلها بشكل كبير على سوق الأسهم؛ إذ انحدرت العديد من أسواق الأسهم نحو النهاية الأدنى لنطاق تداولها. ولم يكن هذا التراجع كافياً للمتداولين لمواجهة موجة تقلبات الأسعار. ويتأرجح مؤشرا "ستاندرد آند بورز 500" و"سوق دبي المالي" ضمن حدود 5% حول المستويات القياسية العالية التي لامساها في الآونة الأخيرة. ومن المرجح لأي انتعاش جديد أن يكون ناجماً عن البيانات المالية التي هبطت بشكل حاد نتيجة خشية المستثمرين من حدوث عجز في الولايات المتحدة.
ومن هنا نواصل التأكيد بأننا لا نزال نفضل الأسهم الأميركية على الأوروبية. ومن جهة ثانية، شهدت الشركات الأميركية موسم أرباح قوية حققت فيه ما يزيد على 60% من الشركات نتائج تجاوزت توقعات السوق، بينما لم تحقق سوى 40% من الشركات في منطقة اليورو نتائج تجاوزت التوقعات، وهي نسبة مخيبة للآمال تؤكد استمرار تعرض هذه المنطقة لمشاكل ضعف النمو المحلي وافتقارها القدرة التنافسية في الأسواق نتيجة القوة النسبية لليورو مقابل الدولار. ومن هذا المنطلق، نوصي بشراء الأسهم المحلية على ضوء نتائج الشركات التي دعمت عموماً هذه الخطوة، وحفاظ السيولة على مستواها الجيد، والدعم الذي وفره ارتفاع سعر النفط للنمو الإقليمي.
وأدركت أثناء بحثي عن أخبار أزمة الديون الأميركية أنه ثمة تدابير شديدة يتم اتخاذها في ولاية كاليفورنيا للتأقلم مع واقع الديون الجديدة؛ حيث صدرت تعليمات بأن يعيد جميع العاملين الحكوميين بالولاية هواتفهم النقالة ليصار إلى بيعها والحصول على القيمة المتبقية لهذه الأصول المستهلكة. لقد كانت الولايات المتحدة توصف دوماً بأرض الموارد الهائلة، ولكنها اليوم أدعى إلى تسميتها بأرض الديون الهائلة.