اقتصاد

"الإحتياطي الفدرالي" و"المركزي الأوروبي" يتحركان لدعم الأسواق

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يدرك المستثمرون أن منطقة اليورو تمثل الحلقة الأضعف بالنسبة للإقتصاد العالمي بالإضافة إلى تكشف المشاكل الأميركية، حيث ينظرون حالياً إلى الدور القيادي لصناع السياسة والقرار للخروج من هذه الأزمات.

دبي: يبدو جلياً أننا نعيش وسط عالم اقتصادي واستثماري أسير لموجات التقلب والاضطراب، إذ يواصل المستثمرون تطلعهم إلى الدور القيادي لصناع السياسة والقرار، أو ترقب بعض الأنباء الطيبة من الاقتصاد العالمي،ولكن للأسف، يعمل محافظو البنوك المركزية والحكومات على معالجة المشاكل الاقتصادية التي تواجههم بعد وقوعها دون السعي لمنع حدوثهاً مسبقاً. وبالتالي نوصي بتوخي الحذر في ظل غياب الأنباء الاقتصادية الإيجابية من أوروبا والولايات المتحدة، أو إجراء بعض الخطوات لخفض أسعار الفائدة في دول العالم الناشئة. ونعتقد بأن الوضع لن يشهد تحسناً ملموساً في الوقت القريب، خاصةً وأن تقييمات الأسهم ليست ضعيفة بما فيه الكفاية لخوض مخاطرة قوية في عمليات الشراء.

ويدرك المستثمرون أن منطقة اليورو تشكل اليوم بؤرة للمخاوف الأساسية في العالم؛ حيث تبين لهم - مع تكشّف المشاكل الأميركية (على الأقل في الوقت الراهن)- أن منطقة اليورو تمثل الحلقة الأضعف بالنسبة للاقتصاد العالمي؛ إذ تواجه الولايات المتحدة مشاكلها الاقتصادية بصفتها اقتصاداً متكاملاً يتمتع بالقدرة الكافية على معالجة مشاكله بوتيرة أسرع بكثير من منطقة اليورو، في حين يتعين على كل حكومة أوروبية معالجة مشاكلها بشكل منفصل مع ضغط خفيف من جانب "البنك المركزي الأوروبي" أو "البرلمان الأوروبي".

كما تم على نحو واسع تجاهل القواعد الموضوعة فيما يخص كمية الديون التي يمكن لبلد ما تكبدها، ونسبة العجز في الميزانية التي يمكن مواجهتها والاستمرار معها في بلد معين خلال عام تقريباً، مما جعل هذه القواعد تفتقر اليوم إلى المصداقية الكافية.

من جهة ثانية، لا يزال النظام المالي في منطقة اليورو ضعيفاً؛ ففي الولايات المتحدة، بذلت المصارف جهوداً دؤوبة لتحسين ميزانياتها، حيث تبلغ نسبة القروض إلى الودائع في قطاع البنوك الأميركية نحو 94%، في حين تستقر هذه النسبة عند 107% في منطقة اليورو. وقد أعادت البنوك الأميركية تشكيل ميزانياتها على نحو يسهم في الحد من اعتمادها على التمويل قصير المدى، بينما استمرت العديد من البنوك الأوروبية اعتمادها بشكل يومي على "البنك المركزي الأوروبي" أو الأموال المقرضة لصالحها في السوق من قبل البنوك الأخرى.

كما شهدت العديد من البنوك في منطقة اليورو ضغوطاً خلال الأسبوع الماضي مع تزايد مخاوف وقلق المستثمرين حيال أزمة السيولة التي قد تؤثر على بعض المصارف وتزيد من ضعفها. ولعل ذلك يذكر بالأيام السلبية القديمة التي شهدها القطاع المصرفي بين عامي 2007 - 2009 عندما تعاظم تردد البنوك تجاه سياسة الإقراض فيما بينها، مما اضطرها للحصول على المساعدة والدعم من المصارف المركزية والحكومات.

وفي سياق متصل، شهد بنك "إنتيسا" الإيطالي وبنك "سوسيتيه جنرال" الفرنسي انخفاضاً حاداً في أسعار أسهمها، إلا أنهما قد يؤكدان وقوفهما في الجانب السليم رغم امتلاكهما نسباً ضعيفة من رأس المال بين البنوك الأخرى بمنطقة اليورو.

ومن ناحية أخرى، يواصل صناع السياسة بذل جهود دؤوبة لاستباق حركة الأسواق؛ وقد شهدنا بعض النجاحات في أوروبا من خلال تدخل "البنك المركزي الأوروبي" في وقت انخفضت فيه معدلات أسعار الفائدة الإيطالية والإسبانية على المدى الطويل مقتربةً من 100 نقطة أساس. ولكن ذلك- وكما أسلفنا سابقاً- لم يمنع الأسواق بطبيعة الحال من التأثير على أسهم البورصات المالية. وفي الولايات المتحدة، فجر قرار "لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة" (FOMC) مفاجأة مع تأكيد التزامها بالمحافظة على استقرار أسعار الفائدة عند مستوياتٍ منخفضة حتى منتصف عام 2013.

وفي هذا السياق، ثمة بعض الجوانب الإيجابية والسلبية التي أجدها مربكة بعض الشيء؛ إذ يتمثل الجانب الإيجابي في بقاء أسعار الفائدة بالدولار الأمريكي منخفضة لفترة ممتدة من الزمن، بينما يتجلى الجانب السلبي في معرفتي بأن مؤسسة مثل "مجلس الاحتياطي الفدرالي" تعتقد أن الاقتصاد الأمريكي قد يحتاج إلى خفض أسعار الفائدة لفترة زمنية ممتدة. وقد يكون لبيان السياسة العامة في "مجلس الاحتياطي الفدرالي" تأثير معاكس من خلال حضه الناس على التفكير بأن الاقتصاد الأمريكي لا يزال في ورطة، وبالتالي فإن المستثمرين والصناعيين والعائلات قد تتبنى نهجاً حذراً للغاية قد يتسبب في تراجع وتيرة النمو.

وتحتاج السلطات في أوروبا والولايات المتحدة إلى التركيز على إجراء الإصلاحات الهيكلية الجذرية التي تكفل بروز بارقة أمل في الأسواق التي يتم فيها التعامل بشكل جدي مع مشكلة الدين. كما يتعين على الحكومات إجراء الإصلاحات الاقتصادية اللازمة التي تعزز الأمل تجاه تحقيق نمو مستقبلي أفضل. وبطبيعة الحال، ثمة خطوات وتحركات مشجعة يتم اتخاذها في ايطاليا والمملكة المتحدة نحو تغيير قوانين العمل بغية تشجيع نمو العمالة.

وعلى الجانب الآخر، شهدنا إحباط بعض الحكومات الأخرى وميلها لإلقاء اللوم على الآخرين كما هو حال الأمر مع الولايات المتحدة التي تحقق في لجوء وكالة "ستاندرد آند بورز" إلى خفض التصنيف الائتماني للديون السيادية الأميركية إلى المستوى (AA+) بعد أن كانت مستقرة عند مستوى.(AAA) ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ماذا تتوقع السلطات الأميركية عندما تبلغ نسبة ديونها إلى الناتج الإجمالي المحلي 100%، خاصةً وأنها تكافح من أجل تحقيق توافق سياسي بخصوص تقليص الإنفاق وزيادة الضرائب؟ وفي منطقة اليورو، تحركت بعض الحكومات لحظر البيع القصير للأسهم المالية (حظر مبيعات الأسهم المالية التي لا يملكها المستثمر). وبدلاً من وضع العقبات أمام الأسواق الحرة، ينبغي على هذه الحكومات المضي قدماً نحو تطبيق السياسات التي يعتقد الناس بأنها ستحدث فرقاً إيجابياً في المستقبل.

وواصلت الأسواق تقلبها على نحو استثنائي مع تحركات يومية لسوق الأسهم بواقع 3-5%. كما شهدت السوق موجة بيع عشوائية تشير إلى قيام بعض المستثمرين بتصفية محافظهم الاستثمارية في وقت نتوقع فيه - ولسوء الحظ - استمرار موجة الضغوطات على البيع. وقد أدت المشاكل السلبية التي برزت بين عامي 2007-2009 إلى تحلي العديد من المستثمرين بالحذر الكبير تجاه الخسائر، والتيقظ حيال ما آلت إليه أسواق السيولة خلال الأزمة. وقد يؤكد معظم المحللين الاقتصاديين أن الغالبية العظمى من المخاطر التي تعترض الأسواق تواصل انخفاضها.

وندرك أن السيولة النقدية تمثل الحلقة الأقوى خلال المرحلة الراهنة؛ ولكننا ما نزال نعتقد بأن المحافظ المتوازنة للأصول منخفضة المخاطر يمكن أن تخدم المستثمر على نحو جيد. كما أن السندات عالية الجودة يمكنها الاستفادة من أسعار الفائدة الأميركية المنخفضة على المدى الطويل. وفيما تشهد السندات الأميركية لأجل 10 أعوام - والتي تتمتع بتصنيف ائتماني عند المستوى (AAA) - عائدات منخفضة بواقع 2.10%، نرى أن الدول والشركات التي تتمتع بتصنيف ائتماني عند المستويات (AAA) و(AA) قد شهدت تراجعاً في مستوى العائدات وارتفاعاً في قيمة رأس المال.

وفي ظل مثل هذا الواقع المضطرب، يحتاج العالم إلى مساعدة الدول الناشئة؛ وينبع قلقنا من أن تتجاوب اقتصادات العالم الجديد - مثل الصين، والهند، والبرازيل - بشكل بطيء مع الأزمة مؤجلةً اتخاذ إجراءات جدية لخفض أسعار الفائدة. وينبغي أن يشيع انخفاض أسعار النفط بعض الارتياح الفوري من التضخم، إلا أن السلطات ما تزال تواجه إما نمواً قوياً بوتيرة متواصلة كما هو الحال في الهند، أو مستويات تضخم عالية للغاية مثل الصين.

وفي الهند، تظهر آخر البيانات الاقتصادية قوة الاقتصاد في البلاد مع تسجيل إنتاج صناعي بنسبة 8.8% على أساس سنوي قياساً مع توقعات السوق البالغة +5.5%، كما لا تزال توقعات التضخم لدى العائلات مرتفعة. وفي سياق متصل، بلغ حجم التضخم المسجل في الصين 6.5%، وهو ما يمثل مستوى مرتفع في الدورة الاقتصادية للبلاد.

ويتوقع بعض المحللين الاقتصاديين أن تلجأ الهند إلى رفع أسعار الفائدة مجدداً، وأن تقوم الصين بالمحافظة على أسعار الفائدة عند مستوياتها الراهنة لبعض الوقت. ومن المحتمل أيضاً أن تلجأ تايلاند وماليزيا إلى رفع أسعار الفائدة خلال الأسابيع المقبلة. ورغم أنه من غير المرجح أن ترفع السلطات البرازيلية أسعار الفائدة، إلا أنها ستجد نفسها مترددة حيال خفضها نظراً للنمو القوي وانخفاض معدلات البطالة لهذه الدورة الاقتصادية.

وفي ختام تقريرنا، نؤكد أن الوقت يبدو غير مناسب للبحث عن الأصول الضعيفة أو حتى الاستثمار بها، كما نعتقد أن الأسواق مقبلة على مزيد من التراجع والانخفاض. ورغم وجود قيمة جيدة في الأسواق، إلا أنها تبدو غير دائمة.

كما نتوقع أن يبقى زخم النشاط الاقتصادي سلبياً، ومن المرجح أن يقع صناع السياسة والقرار تحت وطأة مزيد من الضغوط في وقت لا يزال فيه جميع المستثمرين بحاجة لمواجهة مزيد من التخفيضات الائتمانية المحتملة، ولاسيما عندما تكون نظرة وكالات التصنيف متشددة حيال أوروبا والبنوك الأوروبية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف