اقتصاد

صنًاع السياسة الأوروبيون يختلفون ... وسويسرا تزيد المخاطر

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
سويسرا تزيد مخاطر السوق

تكشف معطيات الأسبوع الماضي عن إنعدام الأمان والاستقرار في الأسواق؛ فقد أثار "البنك الوطني السويسري" الأسبوع الماضي موجة تقلبات كبيرة في السوق عندما قرر تثبيت سعر صرف الفرنك السويسري والاتجاه لإضعافه.

إيلاف: تكبد المستثمرون في سوق الفرنك السويسري خسائر بواقع 9% مقابل اليورو خلال يوم واحد فقط، فيما تشهد الأسواق عموماً حيزاً ضئيلاً من الأنباء الطيبة التي من شأنها المساعدة على الصمود.

ولا تزال منطقة اليورو مختلة الأداء نتيجة الخلافات الناشبة بين أوساط صناع السياسة وتدهور أسواق الائتمان. وفي الولايات المتحدة، طرح الرئيس أوباما خطةً جديدة لإنعاش الوظائف بتكلفة 447 مليار دولار أميركي تنطوي على سلسلة من التدابير والحوافز الرامية إلى رفد اقتصاد البلاد، وسيكون الوقت كفيلاً بتوضيح فيما إذا كانت هذه الخطة ستحظى بدعم سياسي كبير أم لا- ولكن للأسف تبدو الإشارات سلبية حتى الآن.

وبينما تنتابنا المخاوف حيال النمو الاقتصادي العالمي؛ يبدو الاقتصاد الأميركي أفضل حالاً مما قد يعتقد بعض المحللين الاقتصاديين. وجاءت بعض البيانات الاقتصادية الأخيرة أفضل من التوقعات؛ حيث تجاوزت الجولة الأخيرة لمؤشرات بيانات الثقة الصناعية تقديرات السوق. كما أظهرت النتائج الأخيرة لتقرير "سجل بيج"- (وهو مسح يتعلق بالنشاط الصناعي والأوضاع الاقتصادية الحالية بالولايات المتحدة)- تسجيل اعتدال في النمو وليس انهياراً تاماً.

ومن جانب آخر، تراجع حجم الطلب على السيارات، وسجّل سوق العمالة وقطاع الإسكان مستويات نمو ضعيفة، ولكن الاقتصاد الأميركي لا يظهر حتى الآن إشارات تؤكد وقوعه في حالة ركود، ولابد من الأخذ بالحسبان أن قطاع البنوك الأميركية يمر بوضع أفضل حالاً من منطقة اليورو. فقد حظي الاقتصاد الأميركي بدعم جيد، واستطاعت معظم البنوك التأقلم مع المتطلبات الجديدة اللازمة لتحقيق نسب قوية لرأس المال، وذلك بفضل التدابير المتنوعة التي اعتادت الولايات المتحدة استخدامها لإعادة رسملة مصارفها في خضم الأزمة المالية السابقة التي عصفت بالبلاد.

وتمثل خطة الرئيس أوباما - البالغ تكلفتها 447 مليار دولار -خطوة في الاتجاه الصحيح خاصةً وأنها تستهدف عودة الناس إلى وظائفهم؛ غير أن هذه الخطة ستبقي السياسة المالية الأميركية على الحياد العام المقبل. وتشير الخطط الحالية إلى أن السياسات الحكومية ستسهم بتقليص نمو الناتج الإجمالي المحلي العام المقبل بواقع 1.7%، كما ستؤثر خطة أوباما على السياسة الحكومية عام 2012 مع تأثير إيجابي ضئيل.

من جهة ثانية، تتجه منطقة اليورو من أزمة سياسية إلى أخرى؛ ولا يمكننا في هذا السياق تجاهل استقالة الألماني يورجن ستارك، كبير خبراء الاقتصاد في المصرف المركزي الأوروبي. فبينما تشير الأوساط الرسمية إلى أن استقالة ستارك كانت لأسباب شخصية، غير أن هذه الاستقالة جاءت في أسوأ الأوقات لتؤكد عمق الاختلاف الجوهري بين ألمانيا و"البنك المركزي الأوروبي"، حيث اشتكى ستارك - بعد ساعات من استقالته - من الافتقار إلى معايير الحوكمة ضمن منطقة اليورو؛ وببساطة فإن ألمانيا ستغدو داعماً أكبر للبلدان الأضعف بمنطقة اليورو في خضم الظروف المالية المحيطة حالياً، هذا إذا التزمت البلدان الضعيفة اقتصادياً بقواعد الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بحجم المديونية والعجز الحكومي.

وفي هذا السياق، كان باستطاعة كل من ايرلندا والبرتغال وايطاليا أن تنأى بنفسها عن الوصول إلى مثل هذا الوضع المتأزم؛ أما وقد آلت الأمور إلى ما هي عليه الآن، فترى ألمانيا وجوب أن تلتزم هذه الدول بالخطط المتفق عليها مع منطقة اليورو للحد من المديونية العامة. ولكن بدلاً من ذلك، تراجعت إيطاليا واليونان عن وعودهما بخفض العجز إلى حد كبير في ميزانيتهما الحكومية.

وتراجع قطاع البنوك الأوروبية بواقع 8.5% خلال الأسبوع الماضي، ونتوقع تسجيل مزيدٍ من الهبوط دون أن نستطيع الجزم بمخاطر هذا الهبوط على قطاع البنوك في منطقة اليورو. ولا ننسى أن هبوط أسعار الأسهم جاء بعد قيام عدة بلدان بحظر البيع قصير المدى لأسهم البنوك.

وبينما قد يؤكد "صندوق النقد الدولي" وحكومات منطقة اليورو أن الوضع ليس سيئاً كما يبدو عليه، يقدر محللو القطاع الخاص أن بنوك منطقة اليورو ستحتاج إلى جمع نحو 50 مليار دولار بغية ردم أية فجوة قد تنجم عن انخفاض قيمة الديون السيادية ضمن الدول المحيطة بمنطقة اليورو. وبالمناسبة، فإن مبلغ الـ 50 مليار يورو سيكفي فقط لبلوغ المستوى الأدنى لنسب رأس المال المقبولة في أوساط المجتمع الاستثماري الدولي. ومن المحتمل أن يواجه المستثمرون هبوطاً أكبر لأسعار الأسهم، خاصةً وأن جمع رأس المال يقلص حجم المساهمين الحاليين.

ومن ناحية أخرى، تشير الدلائل إلى أن صناديق الثروات السيادية يمكنها أن تلعب دوراً مهماً في إعادة رسملة البنوك بمنطقة اليورو. وقد شاركت قطر في صفقة اندماج بين ثاني وثالث أكبر البنوك اليونانية بعد أن أعلن بنكا "ألفا" و"إي إف جي يوروبانك" موافقتهما على عملية الاندماج الذي تبلغ قيمتها الإجمالية 1.7 مليار يورو مع إصدار حقوق أفضلية للمساهمين الحاليين بقيمة 1.25 مليار يورو، علماً أن دولة قطر ستضخ مبلغ 500 مليون يورو في هذه الصفقة.

وسيتم استخدام صناديق الثروات السيادية في منطقة الشرق الأوسط بغية ضخ مزيد من الأموال خلال الأشهر المقبلة. ولابد من الوضع بالحسبان أن صناديق الثروة السيادية تعد بالنسبة للمستثمرين في بنوك منطقة اليورو جهات صعبة للتفاوض، كما من المحتمل أن تسبب أي صفقة بتضرر المساهمين الحاليين على المدى القريب.

نشير إلى أن الاقتصاد اليوناني قد انكمش بواقع 7.3% خلال الربع الثاني من العام الجاري؛ وتمثلت أبرز الأنباء الإيجابية في تراجع معدل البطالة من 16.6% إلى 16.0% بفضل استئجار الشركات السياحية للعمال خلال موسم السياحة والعطلات.

ومن المتوقع أن يعاود معدل البطالة ارتفاعه مجدداً خلال الأشهر المقبلة مع قيام الحكومة بتسريح هؤلاء الموظفين (20 ألف موظف خلال الشهرين المقبلين) بعد انتهاء موسم العطلات. ومن المتوقع أن يشهد المعدل الحقيقي للبطالة ارتفاعاً يفوق المعدلات الرسمية بواقع 4-5%، وقد يصل بذلك إلى مستويات لم تشهدها البلاد منذ عام 1960 عندما أدت مستويات البطالة المرتفعة إلى إطلاق موجة عارمة من هجرات اليونانيين إلى ألمانيا وأستراليا.

ولعل بارقة الأمل الوحيدة بالنسبة لنا هي أن تشهد الدول الناشئة مثل الصين والهند انخفاضاً ملحوظاً في حجم التضخم بحيث يتاح عندها خفض أسعار الفائدة. ففي الأسبوع الماضي، شهدت الصين بعض الأنباء الإيجابية مع تراجع مؤشر التضخم من 6.5% إلى 6.2%، ووجود علائم تشير إلى اعتدال وتيرة النمو.

ولكن السلطات الصينية قد تتردد حيال المضي قدماً في تخفيف السياسة النقدية قريباً، خصوصاً مع المبيعات الحقيقية الحالية للتجزئة والبالغة نسبتها 10.6% على أساس سنوي، ونسبة نمو الإنتاج الصناعي البالغة 13,5%. وفي الهند، عقد البنك المركزي اجتماعه هذا الأسبوع بعد صدور بيانات الإنتاج الصناعي والتضخم؛ ولا تتوقع السوق الهندية بطبيعة الحال حدوث أي انخفاض لأسعار الفائدة في الوقت القريب.

ووجهت مستجدات الأسبوع المنصرم نداء يقظة للمستثمرين الذين يعتقدون بوجود رهانات وحيدة التوجه في أسواق العملات، والذين لجأ الكثير منهم إلى إخفاء ثرواته في الفرنك السويسري كواحدة من العملات الآمنة التي حافظت على صمودها وقوتها لفترة طويلة في الأسواق؛ فقد أدى قرار "البنك الوطني السويسري" بإضعاف الفرنك السويسري والالتزام بالارتباط مع اليورو إلى تسجيل خسارة فورية بواقع 10% في قيمة الفرنك مقابل اليورو. وبينما كانت هذه الخطوة مفهومة المغزى من جانب الاقتصاد السويسري، غير أن التقلبات الناجمة عنها كانت الشيء الأخير الذي أراده العالم في هذه المرحلة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف