وجه الفقر الأوروبي القبيح... يونانيون يهجرون أطفالهم في الشوارع
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
من الواضح الآن أن "اليورو" عاد وبالاً على اليونان التي لم تكن بنيتها الاقتصادية مهيّأة لنقلة كهذه أصلا. فالبلاد صارت تشهد ظواهر غير مسبوقة مثل الارتفاع الملحوظ في حالات الانتحار وفي عدد المشردين في شوارع المدن, والآن تقول تقارير إن سوء الحال بلغ حد أن البعض هجر فلذات أكباده.
لندن: يبدو أن سوء الأمور في اليونان طار الى آفاق كانت لا تخطر على البال حتى وقت قريب. فمع إحكام الأزمة المالية المريعة خناقها على عنق البلاد، يجد الفقراء أصلا أنهم مجبرون على التضحية الكبرى وهي هجر ابنائهم في الطرقات إذ صاروا عاجزين عن توفير لقمة عيشهم. وفي ما يوصف بأنه أسوأ كارثة إنسانية تسبب فيها ترشيد الإنفاق الحكومي في خضم أزمة اليورو، قرعت الدوائر الطبية والصيدلية العامة من جهتها نواقيس الخطر قائلة إن النقص في الأدوية بلغ حدا مريعا وإن مخزونها حتى من الأسبرين المعتبر بين أبسط العقاقير سينفد تماما في وقت وجيز.
ونقلت صحيفة "ميرور" البريطانية عن القس انتونيوس بابانيكولاو مؤسس، مركز الشباب "سفينة العالم"، قوله إن آباء هجروا أربعة أطفال - بمن فيهم مولود حديثا - عند بوابة المركز خلال الأشهر القليلة الماضية. وقال إن امرأة ناولت طفلتها المدعوة ناتاشا (سنتان) لأحد حراس البوابة ولاذت بالفرار. لكن "مئات الآباء" على حد قوله "أتوا الينا بغرض صريح معلن وهو ترك أطفالهم في رعايتنا لأنهم ما عادوا قادرين على إطعامهم دعك من كسائهم وتعليمهم وعلاجهم. وقالوا إنهم يأملون في أن يتولى المركز كل هذا نيابة عنهم".
وفي فناء إحدى مدارس اثينا وجدت معلّمة طفلة تائهة في الرابعة من عمرها اسمها آنا واتضح انها تحمل ورقة كتبت عليها والدتها: "لن اتمكن من العودة الى آنا. أرجوكم العناية بها على أفضل وجه ممكن لأنني عاجزة عن ذلك. تقبلوا اعتذاري ولكن ما باليد حيلة".
وتعترف امرأة أخرى تدعى ماريا بأن الظروف أجبرتها، بعدما فقدت وظيفتها، على هجر ابنتها انستازيا البالغة ثمانية أعوام من العمر. وقالت إنها ظلت تبحث عن اي وظيفة أخرى على مدى قرابة سنة وكانت تترك ابنتها وحيدة بالغرفة، ولدى عودتها تعيش معها على ما تجود به الكنيسة من طعام أو بقاياه. وأضافت: "صارت دموعي هي أنيسي الوحيد كل ليلة. ولكن، ما العمل؟ قلبي مفتت لكن أفضل خياراتي صار أن اترك انستازيا لمصيرها علّ أحدا يأخذها في كنفه ويوفر لها لقمة العيش وحياة أفضل من المتاح عندي".
وبين المظاهر المخيفة الأخرى اتجاه مخزونات البلاد من الأدوية للنفاد بدون أمل في سد الفراغ. على أن بين العوامل المساعدة على هذا الحسابات التجارية - التي لا تخلو من عنصر الجشع - التي تحكم صناعة العقاقير. فالحكومة تجبر شركاتها على البيع بأسعار منخفضة تضيّق هامش الربح الى حد يجبرها على بيع منتجاتها خارج اليونان نفسها. وحتى تلك التي تبيع محليا تجبر الصيدليات على الدفع قبل التسليم، وهو ما لا يتوفر في معظم الأحيان.
وكانت "إيلاف" قد أوردت الشهر الماضي أن اليونان صارت - للمرة الأولى - صاحبة أعلى عدد من حالات الانتحار في سائر أنحاء القارة الأوروبية نتيجة للضائقة المالية. فقد أظهرت إحصاءات وزارة الصحة أن النفق الاقتصادي المظلم الذي دخلت فيه البلاد وإجراءات التقشف الصارمة التي أعقبت ذلك أدت جميعا الى زيادة مخيفة في عدد الذين يجدون في الانتحار مهربا أبديا من سوء الحال. وتقول الإحصاءات إن هذه الزيادة بلغت 40 في المائة في الفترة من يناير / كانون الثاني إلى مايو / ايار 2011 مقارنة بالفترة نفسها من 2010.
وكانت اليونان - قبل أن تبدأ الضائقة المالية في إحكام قبضتها على الأعناق قبل ثلاث سنوات - صاحبة المعدل الأدنى في أوروبا. فقد كان معدل الانتحار لا يزيد عن 2.8 في المائة وسط كل 100 ألف شخص. لكن هذه النسبة قاربت الضعف فصارت الأعلى وسط دول القارة كافة.
ويقول الخبراء إن هذه الحقيقة تصبح ذا بعد درامي خاص بالنظر الى أن اليونانيين شعب "متدين" وأن الكنيسة الأرثوذكسة التي يتبعونها تصل الى حد حرمان المنتحر من مراسم الدفن الدينية التقليدية. ويضيفون إن هذا يعني أن اليأس بلغ بالعديد من اليونانيين مرحلة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.
وأضف الى كل هذا إفرازات مؤلمة مثل وجود أكثر من 20 ألف مشرد في قلب أثينا وحده، وارتفاع تعاطي المخدرات بسرعة جنونية وسط فئات من الناس ما كانت تفكّر فيها في الظروف الطبيعية، ووصول معدلات الجريمة الى آفاق غير مسبوقة في تاريخ البلاد. وكل هذا بدون ضوء في نهاية النفق الطويل إذ أن اليونان ستدخل مع بداية 2012 - أي خلال ايام معدودة - عاما خامسا من الركود الاقتصادي الكامل.