اقتصاد

الفجوة بين الأثرياء والمحرومين القضية الرئيسية في منتدى دافوس

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
صورة أرشيفية لفعاليات منتدى دافوس الماضي

شهد العام الماضي موجة غضب جديدة هزت فرضيات قديمة بشأن الأثرياء ثراء فاحشاً والطبقة الوسطى والفجوة المتسعة بينهما.

إعداد عبد الإله مجيد: لم تعد الفجوة بين الميسورين والمحرومين شعارا تعبويا لتحريض اعداء الرأسمالية فحسب بل أصبحت قضية عامة تُناقش علنا في مجالات وميادين كان تفوق الرأسمالية يُعتبر فيها مسألة مفروغا منها والحديث عن اللامساواة يُزدرى بوصفه حربا طبقية.

وفي الولايات المتحدة تقدمت القضية الى الصدارة حين اعلن محتجون انهم الـ 99 في المئة من السكان الذين يدفعون الثمن عن آثام الـ 1 في المئة الأثرياء مستهدفين بمطالبهم جوهر الرأسمالية ذاته.وانتشرت احتجاجات "احتلوا وول ستريت" التي بدأت في نيويورك الى مدن أخرى في انحاء الولايات المتحدة والعالم الأوسع.

ففي اسبانيا تظاهر آلاف الغاضبين في مدريد ومدن أخرى للتعبير عن سخطهم على ارتفاع نسبة البطالة والاجراءات التقشفية. وفي العالم العربي بدأت موجة الغضب التي اكتسحت حكومات باحتجاج على انعدام الفرص الاقتصادية في تونس.

والآن إذ يختار الحزب الجمهوري مرشحا للانتخابات الرئاسية يوجه منافسو المرشح ميت رومني سهام نقدهم اليه بسبب ثروته وتاريخه في سوق الأوراق المالية.

في هذه الأثناء اشار المنتدى الاقتصادي العالمي في تقرير أخير الى اتساع الفارق في الدخل على انه من أكبر الأخطار التي ستواجه العالم في السنوات المقبلة.

وقال التقرير ان العقد الاجتماعي في البلدان المتطورة مثل اوروبا الغربية واميركا الشمالية واليابان حيث اعتُبر طيلة العقود الماضية من المسلمات ، يواجه خطر الدمار محذرا من مستقبل قاتم ينتظر قطاعات واسعة من البشرية.

وفي السابق كان الاعتقاد الشائع بين المشاركين في المنتدى الاقتصادي العالمي ان وجود لامساواة واسعة ثمن مقبول للتقدم. وان الحسد الاقتصادي قد يكون حتى مرغوبا ، على ما ذهب هذا التفكير ، إذا ما كان دافعه الرغبة التي تحرك روح المبادرة والابتكار. وان مدا متصاعدا من النمو الاقتصادي سيتكفل برفع جميع المراكب ، سواء كانت ناقلات الأثرياء العملاقة أو زوارق الفقراء الصغيرة.

وكان قلة من المشاركين في منتدى دافوس سيطعنون في آراء الاقتصادي آرثر اكون من معهد بروكنز الذي جادل في كتاب نشره عام 1975 بأن الدول تواجه الاختيار بين المساواة أو النمو الاقتصادي وان مجتمعات مساواتية من النمط الاسكندنافي محكوم عليها بالتخلف عن الركب. وكتب "اننا لا يمكن ان ننال كعكتنا من كفاءة السوق ونتقاسمها بالتساوي".

ولكن عددا متزايد من الاصوات المشككة في هذا المنطق ارتفع خلال العام الماضي الذي شهد اقتصادات تبذل محاولات متعثرة للنهوض ، على الأقل في عدة بلدان غربية. وهم يقولون ان من المحتم بالطبع ان يكون هناك قدر من اللامساواة ولكن الكثير من اللامساواة مضر بالمجتمع وقد يكون مضرا بالنمو الاقتصادي ايضا.

وفي دراسة نُشرت العام الماضي يحلل اندرو جي. بيرغ وجونثان دي. اوستري من صندوق النقد الدولي ، أداء البلدان الاقتصادي على المدى البعيد ثم ينتقدان خلاصات اوكون بقولهما ان البلدان الأكثر عدالة في توزيع الثروة كثيرا ما تكون البلدان الأسرع نموا. وكتبا "ان المد الصاعد يرفع جميع المراكب وان تحليلنا يشير الى ان المساعدة في رفع الزوارق الأصغر قد تسهم في ابقاء المد صاعدا لجميع المراكب ، كبيرها وصغيرها".

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن هانز روسلنغ وهو طبيب سويدي شارك في إنشاء مؤسسة غابمايندر المختصة بتحليل احصاءات الصحة العامة ، قوله ان النمو المتسارع للاقتصادات الآسيوية خلال العقود القليلة الماضية أسهم في تغيير هذه الرؤى لأن بلدانا مثل فيتنام نمت نموا مختلفا عن نظيراتها في الغرب. واضاف "ان النمو الاقتصادي كان يأتي اولا في السابق ثم التعليم والصحة والعائلة ذات الطفلين. والعكس هو الصحيح الآن. فإذا كان لديك تعليم وصحة وعائلات ذات طفلين سيكون لديك حينذاك نمو اقتصادي".

وبصرف النظر عن هتافات الـ 99 في المئة فان هناك وفرة من الأدلة على تفاقم اللامساواة في العديد من البلدان. ويقول تقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في كانون الأول/ديسمبر الماضي ان حصة 1 في المئة من كبار الأثرياء في الولايات المتحدة من الدخل بعد اقتطاع الضريبة تضاعفت أكثر من مرتين في اقل من عقدين لتبلغ 17 في المئة من الثروة عام 2007 بالمقارنة مع 8 في المئة عام 1979.

وفي دول المنظمة الـ 34 يبلغ متوسط دخل الـ 10 في المئة الأكثر ثراء تسعة امثال دخل الـ 10 في المئة الأكثر فقرا. وحتى في بلدان مثل الدنمارك والمانيا والسويد التي كانت تقليديا أكثر مساواتية من الولايات المتحدة أو بريطانيا فان هذه النسبة ارتفعت الى ستة اضعاف من خمسة اضعاف في الثمانينات.

وما يبعث على قلق صانعي السياسة بصفة خاصة العلاقة بين اللامساواة في الدخل والثروة ، ومعايير أخرى مثل التعليم والصحة. فالأثرياء يأكلون أحسن ويدخنون أقل ومستواهم التعليمي أعلى ويعيشون حياة صحية أكثر ويعمرون أطول.

واظهرت دراسة جديدة اجراها مرصد لندن الصحي اتساع الفجوة في متوسط تعمير الرجال بين المناطق الغنية والمناطق الفقيرة في لندن. وفي منطقة كوينز غيت الميسورة على سبيل المثال يبلغ متوسط الحياة المتوقعة للرجل 88 عاما بالمقارنة مع 71 عاما في منطقة توتنهام غرين قرب الرقعة التي امتدت منها اضطرابات الصيف الماضي الى مناطق واسعة من العاصمة البريطانية.

ولا تقتصر مثل هذه الفوارق على الغرب. وبحسب مؤسسة غابمايندر فان متوسط الدخل في شنغهاي مثلا يزيد 10 مرات على متوسطه في اقليم غيجون الأقل تطورا. والفارق حتى أكبر في معدل الوفيات بين الأطفال.

وكانت مثل هذه الفوارق دائمة موجودة بهذا القدر أو ذاك بين الأثرياء والفقراء. وقال محللون ان الجديد فيها هو حجم تفاقمها في مجتمعات منفردة ومدى انتقالها من جيل الى آخر.

وأظهرت دراسات تراجع الحراك الاجتماعي في الولايات المتحدة حيث كانت الفكرة القائلة بان أي واحد يمكن ان يرتقي السلم الاجتماعي من اصول متواضعة ، تشكل جزء كبيرا من الحلم الاميركي ، وفي بريطانيا ايضا لتجهض المحاولات الرامية الى تفكيك الحواجز الطبقية التقليدية في هذا البلد.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن البروفيسور مايكل مارموت من كلية لندن الجامعية ورئيس لجنة المحدِّدات الاجتماعية في منظمة الصحة العالمية ان هناك احساسا عميقا بانعدام الفرص التي كانت متاحة في السابق. وقال انه "إذا كان هناك شيء علينا ان نؤمن به فهو ان كل جيل يجب ان تتاح له فرصة معقولة ، وهذا ما لا يحدث الآن".

وطرح المحللون نظريات متعددة لتفسير تفاقم اللامساواة وانحسار الحراك الاجتماعي. وينحي البعض باللائمة على العولمة التي أتاحت نقل فرص العمل الى مناطق متدنية الدخل وشجعت صعود طبقة من المدراء الأثرياء ، بينهم رجال دافوس ونساؤه ، على حد وصف نيويورك تايمز.

ويقول محللون آخرون ان التغيرات التي حدثت في النسيج الاجتماعي قامت بدور كبير. وان تزايد عدد العائلات أحادية الوالدين تُبقي بعضها أسيرة الفقر في حين تراصت صفوف الأثرياء بظاهرة التزاوج الانتقائي الذي يبحث فيه الرجل والمرأة عن شريك من طبقة اجتماعية مماثلة بدلا من طبقة أعلى أو أدنى.

ولكن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تذهب الى انه لا العولمة ولا تغير البنية العائلية هما المسؤولا الرئيسيان وان الثورة التكنولوجية ورفع الضوابط عن اسواق العمل هما القوى الدافعة. وتشدد المنظمة على أهمية توفير فرص العمل والاستثمار في التعليم. وما قد يكون أكثر اثارة للجدل دعوة المنظمة الى مراجعة السياسات الضريبية والاعانات الاجتماعية وخاصة بعد ان خف القسط الذي يتحمله الأثرياء من عبء الضرائب في السنوات الأخيرة.

وذهب بعض الأثرياء ابعد من ذلك حيث دعا الملياردير الاميركي وارن بافيت الى زيادة الضرائب على ذوي الدخول العالية قائلا ان الوقت حان للكف عن "تدليل" الأثرياء. وأطلق اثرياء في اوروبا دعوات مماثلة.

ولكن آخرين يقولون ان رفع الضرائب على الأثرياء أو تحديد مداخيلهم لن يفعل شيئا لدفع عجلة النمو الاقتصادي أو توفير فرص العمل. ويرى بن فيرواين رئيس شركة الكاتيل لوسنت الفرنسية للاتصالات ان على صانعي السياسية بغية تحفيز الاقتصادات الراكدة ان يعتمدوا خيارات مالية قاسية لخفض عجوز الموازنة وزيادة الثقة في قطاع المال والأعمال. ودعا الى تخفيف القيود في مجال العمالة لتشجيع الشركات على تشغيل الأيدي العاملة.

وقال موريس ليفي رئيس شركة بابليسيس غروب الفرنسية للاعلانات واحد الذين وقعوا رسالة مفتوحة الى الحكومة الفرنسية تدعو الى زيادة الضرائب على الأثرياء ان من الانصاف ان يتحمل الأثرياء قسطا من العبء في وقت تخفض الحكومات انفاقها على الاعانات والرعاية الاجتماعية لتقليل العجوز المالية في موازناتها. وقال ان المواطنين يغضبون حين يرون اقلية من ذوي الثراء الفاحش ويتعين أخذ هذا الغضب في الاعتبار.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف