اقتصاد

تقليص التبعية التجارية وتحقيق الأمن الغذائي يتطلبان إصلاحات زراعية جوهرية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أظهرت دراسة اقتصادية أعدتها وزارة الزراعة التونسية، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، أن تونس تعاني تبعيةً كبيرة للخارج بسبب افراطها في استيراد الحبوب من قمح وشعير وأعلاف حيوانية، والنقص الحاصل في العملة الصعبة، ما يزيد الضغط على ميزانية الدولة التي تعيش فترة اقتصادية صعبة.

تونس: تحتاج تونس اليوم سنويًا إلى 2.7 مليون طن من الحبوب لا تنتج منها غير 48 في المئة فقط، وبالتالي تستورد تونس نحو 60 في المئة من احتياجات إستهلاكها المحلي. وينتظر أن ترتفع حاجة تونس من الحبوب بحسب الدراسة إلى 4.3 ملايين طن في العام 2025، وأن ترتفع نسبة الاستيراد إلى 65 في المئة، خصوصًا أنّ معدل استهلاك الحبوب في تونس يصل إلى 220 كلغ سنويًا للفرد الواحد، مقابل 157 كلغ كمعدل عالمي .

أهمية قطاع الحبوب

يكتسي قطاع الحبوب أهمية بالغة اقتصاديًا واجتماعيًا، ويعتبر من أهم القطاعات الإستراتيجية التي يرتكز عليها الأمن الغذائي التونسي، وذلك من خلال المساحات المخصصة للحبوب، التي تبلغ مساحتها 1.5 مليون هكتار، أي ما يمثل 30 في المئة من إجمالي المساحات الصالحة للزراعة، إلى جانب 240 ألفًا من مزارعي الحبوب، الذين يمثلون 47 في المئة من عدد العاملين في القطاع الزراعي. والجدير بالذكر أن قطاع زراعة الحبوب يساهم بنسبة 15 في المئة في الناتج الوطني الزراعي.

على الرغم من الجهود المبذولة لتطوير الإنتاج من الحبوب، لم تتمكن مساحة 1,5مليون هكتار المخصصة للزراعات الكبرى من انتشال تونس من بوتقة التبعية القوية للمنتج الأجنبي لتأمين الحاجيات الاستهلاكية من الحبوب. واستقر المعدل العام للواردات خلال العشرية الماضية في حدود 60 في المئة، مع بروز أكبر للتبعية في مادة القمح اللين الذي لا يسمح إنتاجه المحلي بتغطية سوى نسبة تقل عن 25 في المئة من الحاجات المحلية.

وتستورد الدول العربية نحو 66 مليون طن من الحبوب في كل عام، ما يجعل المنطقة العربية الأعلى على مستوى العالم من حيث استيراد الحبوب بحسب احصائيات العام 2010 . وذكرت مجلة ايكونوميست البريطانية أن دول الربيع العربي تستورد أكثر من نصف غذائها، فمصر مثلا تستورد حوالي 65 في المئة من احتياجاتها من الحبوب.

تبعية غير كارثية

أوضح محمد بن سالم، وزير الزراعة التونسي، في تصريح لـ"إيلاف" أنّ احتياجات تونس من الحبوب هي في حدود 27 مليون قنطار سنويًا، بينما تستورد نحو 16 مليون قنطار، أي ما نسبته 60 في المئة تقريبًا من هذه الإحتياجات من الحبوب لتغطية الإستهلاك المحلي.

وأشار بن سالم إلى أنّ تونس تعتبر أحد أكبر مستوردي الحبوب في شمال أفريقيا من الأسواق العالمية، وذلك من خلال فتح عروض دولية بالكميات المطلوبة لنقوم باختيار الأنسب، موضحًا أنّ تونس لا تختار دولًا بعينها لاستيراد الحبوب، لكنها تستورد من روسيا وأكرانيا وفرنسا.

واعتبر بن سالم أنّ القمح هو أهم منتج زراعي في تونس، مؤكدًا أنّ الإنتاج الزراعي يساهم في الناتج المحلي بين 12 و14 في المئة، ويساهم القطاع الزراعي في 12 في المئة من الصادرات، ويشغل 18 في المئة من إجمالي القوة العاملة.

لكن عمر شوشان، المدير العام للديوان الوطني الحبوب، أكد في تصريح لـ"إيلاف" أن التبعية نسبية ومربوطة بمدى إنتاجنا السنوي من الحبوب، لأن طاقة تونس لا تتجاوز سنويًا زراعة 1.5 مليون هكتار من الحبوب، وبالتالي يمكن تحسين الإنتاجية لتحقيق حاجياتنا التي تبلغ 2.7 مليون طن من الحبوب، وذلك في السنوات الجيدة ذات الإنتاجية العالية والتي قد تصل إلى ما بين 20 و 24 مليون قنطار من الحبوب، مرة كل ثلاث أو أربع سنوات.

وأضاف شوشان أنّ التبعية للغرب ليست "كارثية، والقمح اللين منتج متوافر في العالم، وبالتالي سنستورد هذا النوع من الحبوب، على عكس القمح الصلب الذي نسعى فعلًا إلى تحسين إنتاجه وتحقيق الإكتفاء الذاتي منه، وذلك من خلال استعمال حزمة من التقنيات الملائمة والقادرة على الزيادة في الإنتاج، إلى جانب العناية بالفلاحين وتشجيعهم وتنويع أنواع القمح الصلب التي تتعايش والمناخ التونسي".

يأكل من وراء الحدود

من جانبه، أكد منجي المقدم، الخبیر الإقتصادي وأستاذ الجامعة التونسية، في تصريح لـ"إیلاف" أنّ تبعیة تونس للخارج ليست جديدة، وهي نتيجة السیاسات الإقتصادیة والغذائیة التي اعتمدها النظامان السابقان. واشار إلى أنه لم يتم اتخاذ أي إجراءات للحدّ من هذه التبعية التي تواصلت إلى الآن ولا تزال، "فمن غير المقبول أن يبقى الشعب التونسي مرتهنًا للخارج في أمنه الغذائي، فلا خیر في شعب یأكل من وراء الحدود".

وكان محسن بولعراس، ممثل وزارة الصناعة في لجنة شراء الحبوب، أفاد أنّ 80 في المئة من الحبوب المستعملة في صناعة الخبز في تونس یتم استيرادها، بینما یتم توفیر الكمیة الباقیة من القمح اللین التونسي، مشيرًا إلى أنّ الإستھلاك السنوي للحبوب في تونس یبلغ 21 ملیون قنطار.

الحل في الزراعة

الاستيراد المفرط للحبوب يضغط على ميزان المدفوعات التونسية، كما يقول شوشان، وبالتالي على ميزانية الدولة. يضيف: "مشاكل التنمية في تونس لا يمكن أن تجد الحلّ إلا في القطاع الزراعي، مع العمل على استغلال الطاقة الإنتاجية القصوى للمزارعين، من دون إهمال القطاعات من صناعة وسياحة وغيرهما، لكن متى تعطلت هذه القطاعات، وجدنا في الزراعة المساعد الأهم، خصوصًا أنه يشغّل بين 16 و 18 في المئة من اليد العاملة التونسية".

من جانبه، أشار بن سالم إلى أنّ الإشكال لا يتمثل في المساحات المزروعة بل المردودية الإنتاجية للهكتار الواحد من الحبوب، وهي ضعيفة جدًا لا تتجاوز 15 قنطارًا في الهكتار الواحد، بينما تتجاوز 100 قنطار في بلدان أوروبية، مشددًا على أن وزارة الزراعة تعتمد خطة لتجاوز النقص الحاصل في الحبوب، من خلال رفع مردودية الحبوب في الهكتار الواحد من دون الزيادة في المساحات.

أمن غذائي مهدد

أكد عبد الوهاب حتيرة، رئيس الجمعية التونسية لتنمية الزراعة الغذائية المستدامة، "أن العوامل التي تهدد الأمن الغذائي للمواطن التونسي عديدة يجب معالجتها من خلال إعادة نظر جذرية للنهوض بالقطاع"، مشيرًا إلى أنها تتمثل أساسًا بالبحث العلمي "وضرورة تحديثه ليكون مواكبًا لتطلعات المنظومة ولحاجات الإنتاج وللمستجدات السريعة في عالم تقنيات الإنتاج والاستنباطات المتأقلمة مع خصوصيات المناخ الزراعي".

وأشار حتيرة إلى ضرورة العمل على تأهيل المستغلات الزراعية حتى تتحسن المردودية الإنتاجية إلى جانب أهمية الإنفتاح على تجارب الغير و التي حققت نجاحات في هذا المجال. كما تعرض مدير عام المعهد الوطني للزراعات الكبرى حليم بلحاج صالح في ندوة عنوانها "قطاع الحبوب: التطور والآفاق" إلى التطور الذي حصل في هذا القطاع، "لكنه يبقى دون المستويات العالمية بسبب بروز بعض الإشكاليات التي تستوجب مواصلة العمل من أجل تطوير المنظومة، ومنها إيجاد صيغ للتأمين ضد الجفاف وتطوير الخدمات الزراعية وغيرها من الآليات القادرة على جذب الاستثمارات في القطاع".

الإكتفاء الذاتي ممكن ولكن

لا يتوقع بن سالم أن تستطيع المشاريع هذه على تلبية احتياجات تونس من الحبوب، وبالتالي تحقيق الإكتفاء الذاتي، مشيرًا إلى أنّ الإنتاج "سيتحسن ولكن من دون الإستغناء على الإستيراد، وخصوصًا بالنسبة للقمح اللين الذي نستورد منه كميات كبيرة على عكس القمح الصلب، لكننا ساعون إلى رفع إنتاجنا الوطني في الحبوب لتقليص العجز الحاصل في قطاع الحبوب، وهو ما يساعدنا على تقليص الإستيراد وبالتالي تخفيف الضغط عن ميزانية الدولة".

وأوضح بن سالم أن تطوير الزراعة "يمكّن من توفير مواطن شغل جديدة، إلى جانب تحقيق معدلات إنتاج كبيرة، خصوصًا في الحبوب، لأن الأراضي التونسية غنية وقادرة على الإنتاج الوفير، وهو ما جعل المستثمرين الأجانب يقبلون على تونس للإستثمار في القطاع الزراعي، وهو ما سيعود بالفائدة بالتأكيد على الإقتصاد الوطني".

شوشان متفائل بقدرة تونس على تحقيق الإكتفاء الذاتي في القمح الصلب "الذي ننتج منه 75 في المئة من احتياجاتنا، والذي يقع التركيز عليه لأن التونسي يستهلك الكثير منه في العجين والكسكسي". وأشار شوشان إلى أن تونس كغيرها تعيش في عالم متقارب ومنفتح في إطار العولمة، "وبالتالي لسنا مضطرين لإنتاج كل ما نستهلكه وننغلق بعيدًا عن العالم".

إصلاحات جوهرية

أما الخبير المقدم، فيسلط الضوء على ضرورة أن يتخذ المسؤولون الجدد في تونس إجراءات إصلاحية جوهرية، باختيار منوال تنموي جديد "يرفد التنمية في تونس نحو مستويات تجعلها قادرة على تحقيق الإكتفاء الذاتي على المستوى البعيد وتقليص التبعية على المستويين القريب والمتوسط".

وأشار المقدم إلى أنّ الإجراءات تتمثل أساسًا "في تشجيع الفلاحين من خلال منحهم القروض الميسرة التي تساعدهم على زيادة مردودية الإنتاج في الهكتار الواحد، إلى جانب الزيادة في المساحات المزروعة حبوبًا، فعلى تونس أن تستثمر في زراعة الحبوب حتى تتخلص من التبعية الإقتصادية التي تثقل كاهل الإقتصاد التونسي".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لا خير في شعب
FIRAS90 -

لا خير في شعب يأكل من وراء البحار و بالتالي على التوانسة أن يعملوا و يقدسوا العمل من أجل تحقيق الإكتفاء الذاتي و بالتالي تقليص التبعية للخارج في استيراد الحبوب . و حكومة الترويكا قادرة على تحقيق ذلك في فترة غير بعيدة بشرط المساعدة على تحقيق ذلك لأن الإرادة متوفرة .. موضوع ممتاز و مهم جدا لا لتونس فحسب بل لمجمل الدول العربية .. شكرا إيلاف في إثارة مثل هذه المواضيع المهمة و الحساسة و التي تنفع فعلا الشعوب العربية ...