اقتصاد

مشروع ميزانية تونس 2013 بين "السنة العصيبة" و"المطلبية النقابية المجحفة"

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تولت وزارة التخطيط والتنمية الجهوية إعداد الوثيقة الأولية لمشروع منوال التنمية لتونس لسنة 2013 الذي يستهدف تحقيق نسبة نمو في حدود 4.5% مقابل 3.5% خلال العام الجاري 2012، وسيمكّن هذا المستوى من النمو من الارتقاء بالدخل الفردي ليبلغ 7160 دينار سنة 2013 مقابل 6535 دينار سنة 2012، إلى جانب إسحداث 90 ألف فرصة عمل جديدة خلال السنة المقبلة.
فهل سيكون بإمكان الإقتصاد التونسي تحقيق هذه النسبة من النمو والرفع من قيمة الدخل الفردي خلال السنة المقبلة التي يقول خبراء الإقتصاد إنها ستكون "عصيبة"؟.

محمد بن رجب من تونس: أكد وزير المالية بالنيابة سليم بسباس إثر انعقاد مجلس وزاري لمناقشة مشروع ميزانية الدولة لسنة 2013 أنّ حجم ميزانية الدولة للسنة المقبلة 2013 سيبلغ 26 مليار و600 مليون دينار مقابل 25 مليارًا و401 مليون دينار في سنة 2012، أي بزيادة نسبتها 3.1 %.

وأضاف بسباس أنّ "الموارد الأساسية للميزانية ستتوزع إلى 16 مليار و650 مليون دينار من الموارد الجبائية، و3 مليارات و200 مليون دينار من الموارد غير الجبائية، كما سيتم توفير 1000 مليون دينار عير الصكوك الإسلامية.

تستهدف حكومة الترويكا بهذه الميزانية تحقيق نسبة نمو 4.5% خلال العام المقبل 2013 مقابل 3.5% خلال العام الجاري 2012 إلى جانب تخفيض نسبة العجز من 6.6% خلال العام الجاري إلى حدود 5.6% خلال العام المقبل.

وتعمل الحكومة على تحقيق موارد ذاتية في حدود 19 مليار و525 مليون دينار مع الإعتماد على ديون خارجية بقيمة 6817 مليون دينار.

وينتظر أن ترتفع كتلة الأجور لتبلغ 9802 مليون دينار، أي بزيادة نسبتها 12% مقارنة مع ما كانت عليه في ميزانية السنة الحالية 2012، مؤكدا أنّ فرص العمل في الوظيفة العمومية ستكون في حدود 19 ألف وظيفة خلال العام 2013 من بين 90 ألف فرصة عمل ينتظر خلقها.

ويبلغ حجم تسديد القروض الخارجية المستحقة على تونس 4220 مليون دينار، فيما كانت في ميزانية العام الجاري في حدود 4139 مليون دينار، بينما تم تخصيص مبلغ 5500 مليون دينار لنفقات التنمية للسنة المقبلة 2013، بينما كانت خلال السنة الجارية 2012 نحو 6400 مليون دينار.

بخصوص نفقات الدعم، التي تمثل عبئًا كبيرًا على الميزانية العامة، فينتظر أن تنزل إلى حدود 3900 مليون دينار في ميزانية 2013، بينما بلغت 4226 مليون دينار في ميزانية العام الجاري.

سنة عصيبة للغاية
أكد وزير المالية المستقيل حسين الديماسي في تصريح لـ"إيلاف" أنّ سنة 2013 "ستكون سنة عصيبة للغاية على مستوى المالية العمومية"، مشيرًا إلى أنّ ذلك يعود إلى خمسة عوامل أساسية.

وأبرز الديماسي إلى أنّ العامل الأول يتمثل في "التضخم الخطر وغير المتوقع بالمرّة في حجم الأجور في الوظيفة العمومية، إذ يُرتقب أن يزداد هذا الحجم بين 2012 و2013 بما يقارب 1050 مليون دينار، أي بزيادة نسبتها 12%". موضحًا أنه "يكمن وراء هذا التضخم المذهل في حجم الأجور في الوظيفة العمومية، ليست فقط الترقيات الآلية والانتدابات الإضافية، وإنما أيضًا وبالخصوص الزيادات المجحفة والعشوائية في هذه الأجور (70 دينار شهريًا لكل موظف بداية من كانون الثاني/يناير 2013)".

وأوضح الخبير الإقتصادي حسين الديماسي أنه "في مناخ يتسم ببطء شديد في نسق نمو الاقتصاد سوف لن تؤدي هذه الزيادات في الأجور إلا إلى تسارع ارتفاع الأسعار. مشيرًا إلى "التضخم المهول في حجم الأجور في الوظيفة العمومية". مؤكدا أنها ناتجة من " مطلبية نقابية مجحفة، من ناحية، وطموحات انتخابية وهمية، من ناحية أخرى".

وأشار الوزير المستقيل أنّ هذه الزيادات "المجحفة والعشوائية" في الأجور "لن يساهم بالضرورة في تحسين القدرة الشرائية للموظفين، بل سيفرز إرهاقًا لا يطاق للمالية العمومية وتسارعًا في نسق التضخم في الأسعار، وبالتالي تآكلاً أشد في قيمة العملة الوطنية".

ووفق المؤشرات الصادرة من وزارة التجارة، سجّلت المبادلات التجارية مع بلدان اتحاد المغرب العربي مفي أوائل سبتمبر/أيلول 2012 ارتفاعًا واضحاً على مستوى الواردات التي تضاعفت مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.

وسجلت الصادرات التونسية ارتفاعًا، حيث بلغت 1833 مليون دينار مقارنة مع الفترة عينها من سنة 2011، والتي لم تتجاوز 1517 مليون دينار. وتضاعفت قيمة الواردات التونسية من بلدان المغرب العربي، وبلغت 1574 مليون دينار خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية، مقابل 760 مليون دينار في الفترة نفسها من عام 2011.

تصاعد نفقات الدعم
شدد الخبير الإقتصادي الديماسي على أنّ "تصاعد نفقات الدعم الموظفة، لا فقط للمحروقات، وإنما أيضًا للمواد الغذائية والنقل المدرسي، ستتصاعد، وذلك بسبب تدرج أسعار هذه المواد المدعمة على السوق العالمية نحو الارتفاع بنسق سريع"، مشيرًا إلى أنّ "نفقات الدعم هذه بلغت بعد سنة 2012 حجمًا لا يطاق للوظيفة العمومية (ما يقارب 5 .500 مليون دينار)".

وأوضح الديماسي أنّ العامل الثاني يتمثل في "بلوغ نفقات الدولة الموظفة لتسديد الديون العمومية السابقة أوجها" إلى جانب عامل " تباطؤ موارد الدولة الآتية من الجباية على الواردات والقيمة المضافة والأرباح، وذلك نتيجة تراخي نسق نمو الاقتصاد".

وعزا الديماسي هذا التراخي "لا فقط إلى بوادر الأزمة الاقتصادية التي تتهدد الاتحاد الأوروبي، وإنما أيضًا وبالخصوص إلى تصاعد الفوضى والعنف في بلادنا".

لم يخف الديماسي خوفه من "تقلص، بل زوال موارد الدولة المتأتية من تحولات المؤسسات العمومية، التي كانت تتميز قبل الثورة بوضعية مالية جيدة، مثل جهتي صفاقس وقفصة والمجمع الكيميائي المغاربي"، وهو ما نتج منه "انهيار الإنتاج في هذه المؤسسات، من ناحية، إلى جانب آلاف فرص العمل الوهمية، التي أُجبرت هذه المؤسسات على تحملها، من ناحية أخرى".

صورة متشائمة
أبدى وزير المالية المستقيل والخبير الإقتصادي حسين الديماسي تشاؤمًا كبيرًا قائلاً "لا شيء يبشّر بالخير في ما يخص مستقبل اقتصادنا في الأشهر، بل حتى في السنوات المقبلة"، موضحًا أنّ هذا التشاؤم يعود "لا فقط إلى احتداد تأزم الاقتصاد العالمي وبالخصوص الاقتصاد الأوروبي، وإنما أيضًا إلى تفشي الفوضى والعنف والعشوائية في بلادنا".

وشدّد الديماسي على أنّ: "نشاطات اقتصادية حيوية عدة أصبحت شبه مشلولة في بلادنا، كالزراعة والبناء، لا فقط بسبب الظروف المناخية الصعبة في بعض الأحيان وإنما أيضًا بسبب ندرة اليد العاملة التي وقع امتصاصها بقدر كبير بالحظائر العمومية في شكل فرص عمل وهمية "، مبرزًا أنّ: "القطاع السياحي خضع لبوادر كارثية نتيجة ظاهرة العنف الشديد".

وأضاف: "تمثلت "هذه البوادر الكارثية" في الحجوزات التي وقع إلغاؤها بعشرات الآلاف في الأيام الماضية"، مشيرا إلى "الركود الذي أصاب القطاع الصناعي بسبب تراجع الطلب في أوروبا وكذلك "بسبب الواردات الفوضوية لمواد صناعية عدة" و"المطلبية الاجتماعية المجحفة" و"فقدان الأمن والطمأنينة.

وقد أكد تقرير ممارسة الأعمال التجارية لسنة 2013 الذي صدر أخيرًا "مؤشرات تحسن مناخ الأعمال" في تونس مقارنة بالمغرب والجزائر، حيث احتلت تونس المرتبة 50 في التصنيف العالمي من بين 158 دولة، بينما جاءت المغرب في المرتبة 97، واحتلت الجزائر المرتبة 152، كما تحتل تونس المرتبة 49 في مؤشر "حماية المستثمرين لسنة 2013".

مؤشرات بعيدة عن الصدقية
وشدّد الخبير الإقتصادي حسين الديماسي على أنّ "المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية ذات حد أدنى من المصداقية تعبّر في مجملها عن تراخ حاد في الحركية الاقتصادية في بلادنا منذ الثورة، وبالخصوص خلال الأشهر القليلة الماضية". مبرزًا أنّ: "حجم فرص العمل في الصناعات التحويلية تقلص من 524 332 فرصة عمل في أواخر يوليو/تموز 2012 إلى 518 439 فرصة عمل في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2012، أي بضياع ما يقارب 6 آلاف فرصة عمل صناعية في شهرين"، ومؤكدًا أنّ: "مثل هذه المؤشرات لا يمكن إلا أن تثير القلق، بل الفزع حول مصير اقتصادنا".

وكانت أخبار تسرّبت أخيرًا عبر وسائل الإعلام تفيد بالترفيع في معلوم الجولان على السيارات بنسبة 25% إلى جانب الترفيع في معلوم الطابع الجبائي للسفر من 40 دينار إلى 100 دينار.

ولكن وزير المالية بالنيابة سليم بسباس فنّد ذلك قائلاً "إنّ مشروع قانون المالية لسنة 2013 لن يتضمن الزيادة في معلوم الجولان والطابع الجبائي الخاص بجواز السفر، على عكس ما راج في بعض وسائل الإعلام أخيرًا".

وأضاف إثر انعقاد مجلس وزاري لمناقشة قانون المالية للسنة المقبلة 2013: "قانون المالية الجديد يتضمن 52 إجراء جبائيا تندرج في إطار الأهداف الكبرى للبرنامج الإقتصادي والإجتماعي للحكومة، وتتعلق أساسًا بالعدالة الجبائية ودعم التشغيل والإستثمار، إلى جانب مواصلة إصلاح منظومة الجباية وتكريس ضمانات للمطالبين بالضريبة".

وأوضح محافظ البنك المركزى التونسي الشاذلي العياري أنّ الإجراءات التي اتخذها البنك المركزى للحدّ من بعض أنواع القروض الاستهلاكية بدأت تعطي أكلها، لكنها تبقى إجراءات ظرفية، ولن تستمر طويلاً، مشيرًا إلى أنّ "هذه الإجراءات التي تمّ اتخاذها بعد تراجع رصيد البلاد من العملة الصعبة، ستمكّن من تثبيت رصيد البلاد، في انتظار تعزيزها بقرض ياباني قيمته 900 مليون دينار قبل نهاية الشهر الجاري".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف