اقتصاد

تمويل الإستهلاك يلتهم السيولة المصرفية.. ومحركات النمو الاقتصادي اللبناني مطفأة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

القروض الشخصية هي الأكثر نموًا في محافظ التمويل المصرفي اللبناني، إذ تحتاج المصارف إلى تشغيل ودائعها كي لا تدفع فوائدها من رصيدها الخاص، ولأن هذه القروض أجدى من تمويل القطاعات الانتاجية، ما يحرم الاقتصاد اللبناني من محركات نمو يحتاج إليها كثيرًا.

فيرونيك أبو غزاله من بيروت: عامًا بعد آخر، يرتفع حجم القروض المصرفية للقطاع الخاص في لبنان، بسبب الفروقات في أرباح الفائدة على القروض الخاصة مقارنة بالعائدات المتراجعة لسندات الخزينة اللبنانية.

فحتّى شهر حزيران (يونيو) الماضي، زادت القروض للقطاع الخاص بنسبة 12 في المئة على أساس سنوي، لكنّ هذا الإرتفاع يثير الكثير من التساؤلات الإقتصادية المبرّرة حول الإتجاه الذي يسلكه القطاع المصرفيّ في لبنان، خصوصًا أنّ 26 في المئة من القروض شخصية، منها 14 في المئة سكنية. فهل أصبحت القروض الإستهلاكية، خصوصًا الصغيرة منها، هي المشغّل الرئيسي للقطاع المصرفيّ اللبنانيّ؟ وكيف ينعكس ذلك على النظام الإقتصاد اللبنانيّ عمومًا؟عروض وهميةتتسابق المصارف اللبنانية التجارية على تقديم العروض لإجتذاب المستهلكين الراغبين في الحصول على سيولة مالية، من خلال قروض شخصية تتراوح ما بين ألف و 50 ألف دولار ، وذلك لغايات مختلفة كالسفر والتعلّم والزواج والتسوّق وتأثيث المنزل، وصولًا إلى عمليات التجميل. الحملات الإعلانية المكثّفة عبر مختلف وسائل الإعلام تُعتبر الدليل الأبرز لإهتمام المصارف بهذه الفئة من القروض تحديدًا، بما يختلف تمامًا عن القروض المقدّمة إلى القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية، التي تبقى المؤسسات المصرفية المهتمة بها محدودة كمًّا ونوعًا.أمّا طريقة جذب المصارف للمستهلكين فتتنوّع بين إعلان خفض الفوائد أو حتّى إلغائها، ما يظهر لاحقًا بأنّه وهم غير حقيقيّ، أو زيادة فترة السماح. وقد وصلت بعض المصارف إلى مرحلة رفع الحدّ الأعلى للإقتراض من أصل راتب المستهلك من 33 إلى 40 في المئة، ليكون هناك هامش أكبر للإستدانة، لجذب أكبر عدد ممكن من المقترضين وتشغيل السيولة المصرفية، خصوصًا أنّ الفوائد التي تجنيها المصارف من خلال القروض الصغيرة عالية جدًا، مقارنة بأي فئة أخرى من القروض.فوائد مختلفةتخبئ المبالغ الصغيرة التي تشملها القروض الشخصية الإستهلاكية وراءها تجارة واسعة، ركيزتها الفوائد والرسوم الإضافية التي تُضاف على التكلفة النهائية للقرض.للغوص في أبعاد هذه التجارة، شمل هذا التحقيق ستة مصارف تجارية لتحديد مدى ربحية قروضها الإستهلاكية والشروط التي تضعها على طالبيها. من ناحية معدّلات الفائدة أولًا، فتراوحت بين 8 و15 في المئة سنويًا مع فروقات بالفائدة بين القروض بالليرة اللبنانية وتلك التي تكون بالدولار. أمّا فترة سداد القرض فتتراوح بين سنة واحدة وخمس سنوات، مع إمكانية الحصول على فترة أطول عند دراسة الملف.ويظهر الجدول التالي مقارنة بين أربع مصارف للتكلفة العامة لقرض شخصيّ تبلغ قيمته خمسة آلاف دولار، يُسدّد على فترة خمس سنوات. وتمّ حجب أسماء المصارف بما ينسجم مع غاية التحقيق بعيدًا عن التشهير. كما تجدر الإشارة إلى أنّ هذا الجدول لا يشمل تكاليف أخرى تُضاف إلى القرض مثل رسم فتح الملفّ (65 دولارًا) ودراسة ملف (50 دولارًا) وعمولة للمصرف (واحد في المئة من قيمة القرض). المصرف 1المصرف 2المصرف 3المصرف 4معدّل الفائدة سنويًا على الدولار10 في المئة12.25 في المئة8 في المئة15 في المئةالدفعة الشهرية (بحسب دراسة ملفّ لموظّف ثابت في القطاع الخاص دخله يتراوح بين 500 و700$)106$112$101$119$مجموع الفوائد العائدة للمصرف عند تسديد القرض1360$1720$1060$2140$
أمّا المصارف التي أشارت في إعلاناتها أنّ معدّل الفائدة هو صفر في المئة، فالتدقيق في معطيات قروضها يظهر أنّ الفائدة معدومة أول ستة أشهر من القرض فقط، وهي فترة تشمل ثلاثة أشهر كفترة سماح، و يرتفع معدّل الفائدة بعد هذه الأشهر الستة بين 10 إلى 15 في المئة سنويًا. شروط متشابهة... ولكن!تتوجّه المصارف التجارية من خلال القروض الشخصية الإستهلاكية إلى ذوي الدخل المحدود، الذين يحلمون بالسفر والزواج والتعلّم أو حتّى الترفيه عن أنفسهم، ويحتاجون للسيولة المالية لتحقيق ذلك. لكنّ الشروط الموضوعة اليوم للحصول على قرض ما زالت تحمي المصارف من حالات الإفلاس أو عدم القدرة على سداد الديون.أول ما يطلبه المصرف هو إفادة عمل طالب القرض، تتضمّن تصريحًا بالراتب. ويتمّ إحتساب القيمة المسموحة من القرض على أساس ثلث المدخول للموظّفين الثابتين والربع لأصحاب المهن الحرّة. أمّا الحدّ الأدنى للراتب الذي تتشاركه المصارف فهو 500 دولار، إلا أنّه تمّ تسجيل العديد من المخالفات لهذه الشروط خلال فترة إجراء التحقيق، حيث إستطاع موظّف براتب 400 دولار أن يحصل على قرض بقسط شهريّ يصل إلى 150 دولارًا، ما يتجاوز حتّى ثلث راتبه.وهناك الكثير من الملفّات التي لا بدّ من أن تُرفَض نهائيًا، بحسب مصادر مصرفية، غير أنّه غالبًا ما يصدر قرار إداريّ بقبولها شرط طلب كفيل. وبالتالي، فإنّ الشروط الأولية التي تضعها المصارف قابلة للتغيير عند دراسة الملف، بحسب حاجة كلّ مصرف لإقراض الأفراد مبالغ محدّدة تشغيلًا لسيولته.القروض الصغيرة أجدىلم تتحوّل القروض الشخصية الإستهلاكية إلى قضية جدلية بعد في لبنان، مثلما يحدث اليوم في دول عربية مجاورة. لكنّ ذلك لا يعني أبدًا غياب المخاوف لدى الخبراء الإقتصاديين، خصوصًا أنّ نسبة هذه الفئة من القروض ترتفع بشكل مستمر.يشرح البروفسور سيمون نعيمه، رئيس دائرة الإقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت، لـ"إيلاف" التأثيرات المختلفة لهذه الفئة من القروض على الأفراد كما على النظام الإقتصاديّ عمومًا، فيؤكد أولًا السبب الذي يدفع المصارف إلى تحفيز المستهلكين على الإقتراض "أي الحاجة إلى تشغيل السيولة الفائضة لتحقيق الأرباح، وبما أنّ الإستهلاك هو الذي يحفّز النموّ، خصوصًا بعد الأزمة الإقتصادية العالمية، فإنّ المصارف تفضّل إقراض السيولة للمستهلكين بفوائد عالية عوضًا عن إقراض القطاعات الإنتاجية، لأنّ القروض الشخصية مسهّلة أكثر وصغيرة، ومخاطرها كما كلفتها أقلّ".بالنسبة للفوائد تحديدًا، يشدد نعيمه على أنّ "إستثمار المصارف الأموال في الخارج بالعملة الأجنبية لا يعيد عليها إلا ربحًا ضئيلًا بنسبة اثنين في المئة، فيما يمكنها أن تحصد فوائد تصل إلى 15 في المئة على القروض الصغيرة في السوق المحلية". الاقتصاد يحتاج محركات نمويشير نعيمه إلى أنّ ظاهرة القروض الشخصية الإستهلاكية جديدة نسبيًا في لبنان، ولم تُعرَف إلا منذ سنوات معدودة، وبالتالي "فإنّ المصارف ما زالت تحتفظ بهامش للتحرّك لإقراض الأفراد من سيولتها، والإقتصاد اللبنانيّ قادر على تحمّل القروض الصغيرة".لكنّ نعيمه يحذّر من فترة ركود إقتصاديّ سيشهدها لبنان في العام 2013، "وهذا ما سيؤثر على المستهلكين وقدرتهم على سداد قروضهم وفوائدها، لذا أحذّر من تراكم الديون، خصوصًا على ذوي الدخل المحدود المعرّضين لمشكلة مالية في أي وقت من حياتهم".أمّا الخطر الأكبر فيحدق بالنظام الإقتصاديّ العام في لبنان، بحسب نعيمه، لأنّ المصارف تتّجه لإقراض على نية الإستهلاك أكثر من الإنتاج، وهذا ما يشكّل عائقًا أساسيًا أمام تطوير قطاعي الزراعة والصناعة، إلى قطاعات إنتاجية أخرى يحتاج إليها الاقتصاد اللبناني كمحركات لنموّه. ويجد نعيمه أنّ القطاع المصرفيّ لا بدّ أن يؤدي دوره على صعيد تحفيز النموّ عبر الإنتاج، من خلال توجيه كتلته النقدية نحو المشاريع الإنتاجية.كما يلفت إلى دور الدولة والسلطات الرسمية في هذا المجال، إذ على الوزارات المعنية أن تحفّز المصارف للمساهمة في دعم القطاعات الإنتاجية عبر دعمها للفوائد، خصوصًا أن الكثير من القروض "لا تستفيد منها السوق الاستهلاكية المحلية كقروض السفر التي تصرف خارج لبنان، ما يعني أنّها لا تساعد بأي طريقة على تحريك العجلة الإقتصادية في الداخل اللبنانيّ". ... والإدخار؟أمام الطلب المتزايد للبنانيين على القروض الشخصية الإستهلاكية، لا يمكن إلا التساؤل "ما الذي يتبقّى للإدخار من رواتب المواطنين؟". يقول نعيمة "إن 90 في المئة من اللبنانيين لا يدخرون ولا يملكون مدخرات، لأنّ رواتبهم متدنية، وهم يدفعون منها لسداد القروض وفوائدها".أمّا السيولة النقدية الكبيرة الموجودة في المصارف اليوم فيعيدها نعيمه إلى التحويلات الخارجية، فيما تبقى مستويات الإدخار لدى اللبنانيين في أدناها.وإذا كان ناقوس الخطر لم يُدقّ اليوم حول الإقتراض المتزايد للأفراد بهدف الإستهلاك السريع، فإنّ نعيمه يحذّر من الدين العام اللبناني وقيمته 55.2 مليار دولار، "فإذا وقعت المصارف أيضًا في عجز بسبب تراكم القروض غير المسدّدة من قبل المواطنين، تهدد الازمة جوهر الإقتصاد اللبنانيّ الذي ما زال يجد في القطاع الخاص سندًا له في ظلّ عجز القطاع العام".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الآتي أعظم
علي -

الله يسترنا من القادم علينا، الى التراجع سر والمصارف تسرقنا يومياً بكل عملية صغيرة نقوم بها فكيف الحال بالقروض!!!

الآتي أعظم
علي -

الله يسترنا من القادم علينا، الى التراجع سر والمصارف تسرقنا يومياً بكل عملية صغيرة نقوم بها فكيف الحال بالقروض!!!