اقتصاد

بوادر نزاع بين واشنطن وأنقرة بسبب صادرات الذهب التركية إلى إيران

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تلوح في الأفق بوادر نزاع بين واشنطن وأنقرة سببه مبيعات تركيا المتزايدة من الذهب الى إيران في وقت يركز الكونغرس ووزارة الخزانة جهودهما على قطع هذه التجارة التي يعتقد المسؤولون الأميركيون أنها أصبحت قناة حيوية تستخدمها طهران لتصدير الغاز والالتفاف على العقوبات الغربية.

أصدر مجلس الشيوخ الأميركي يوم الجمعة موافقته على قانون يشدد العقوبات المفروضة ضد إيران باستهداف مجهزي المواد التي يمكن ان تُستخدم لبناء السفن وبذلك تضييق الخناق على موانئ إيران وصناعتها النفطية والغازية.

ويمنع القانون الجديد نقل المعادن الثمينة الى إيران بما في ذلك الذهب. ومن المتوقع ان ينال القانون موافقة مجلس النواب بلا إبطاء. ويأتي القانون بعد ان منح الرئيس باراك اوباما في الصيف وزارة الخزانة صلاحية فرض عقوبات ضد أي فرد أو شركة يساعد أو تساعد إيران على شراء دولارات أو معادن ثمينة، كما افاد مسؤولون أميركيون.

عقوبات أميركية على مساعدي إيران

وقال المتحدث باسم وزارة الخزانة جون سوليفان "ان الرئيس اصدر في تموز/يوليو امرا يخول وزارة الخزانة فرض عقوبات على كل من يساعد حكومة إيران في شراء دولارات أميركية أو معادن ثمينة، بما في ذلك الذهب".

واضاف ان الخزانة لا تستطيع التعليق على ما يجري من تحقيقات في هذا الشأن. وللرئيس الأميركي صلاحية إصدار أوامر تنفيذية تغطي طائفة واسعة من الأنشطة. وإذا وجدت وزارة الخزانة شركة أو فردا يعمل لمساعدة إيران في الحصول على الذهب فإن بمقدورها فرض عقوبات ضده أو ضد الشركة على الفور.

وتبين الأرقام التي نُشرت يوم الجمعة ان صادرات تركيا من الذهب حافظت على مستواها المرتفع خلال تشرين الأول/اكتوبر في مؤشر الى ان انقرة ما زالت تستخدم المعدن الأصفر لتسديد ثمن ما تستورده من غاز إيران والالتفاف على العقوبات.

طرق إيران "الملتوية"

وبحسب البيانات التي نشرها مكتب الاحصاء التركي فإن صادرات تركيا من الذهب ارتفعت 14 ضعفا بالمقارنة مع حجمها في الأعوام السابقة لتبلغ 1.4 مليار دولار في تشرين الأول/اكتوبر مقابل 1.3 مليار دولار في ايلول/سبتمبر.

ورفع هذا التوسع صادرات تركيا من الذهب هذا العام الى مستوى قياسي بلغ 12 مليارا أو عشرة أمثال قيمتها في عام 2011 عندما بلغت 1.2 مليار دولار. واعترفت تركيا مؤخرا بأن الزيادة الحادة في صادرات الذهب ترتبط بتسديد كلفة ما تستورده من غاز إيراني وبذلك تسليط الضوء على أبرز مثال يبين كيف تستخدم إيران طرقا ملتوية لتفادي العقوبات الغربية بسبب برنامجها النووي.

وأدت هذه العقوبات عمليا الى اقصاء إيران من النظام المصرفي العالمي. وأُقر القانون الجديد في مجلس الشيوخ بتصويت 94 عضوا دون معارضة من أحد فيما امتنع ستة اعضاء عن التصويت.

الذهب التركي شريان إيران الحيوي

وقال محللون ان تشديد العقوبات على من يتعامل بالذهب مع إيران يمكن ان يزيد حدة التوتر بين واشنطن وانقرة في وقت تشهد المنطقة غليانا ثوريا ويمكن ان يحد من تجارة أسهمت في رفع اداء الاقتصاد التركي هذا العام بتعديل الميزان التجاري وبالتالي تعزيز ثقة المستثمرين وتشجيع الاستثمار. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن اتيلا يسيلادا الباحث في شركة غلوبال سورس بارتنرز الاستشارية في اسطنبول "ان صفقات الذهب التركية توفر لإيران شريانا حيويا وان الولايات المتحدة تبدو الآن أشد تصميما على قطعه".

واضاف يسيلادا ان هذه التجارة تعمل بكل تأكيد على تحسين الأرقام المتعلقة بأداء الاقتصاد التركي ليبدو في وضع أفضل بنظر المستثمرين ولكنها لا تؤدي الى تحسين اوضاع الاتراك أو ايجاد فرص عمل. وتتعرض علاقة تركيا بالولايات المتحدة الى ضغوط متزايدة في الوقت الحاضر.

إذ طلبت انقرة من حلف الأطلسي نشر صواريخ باتريوت في أراضيها لحماية الحدود مع سوريا بعد أن يئست من اتخاذ واشنطن موقفا أشد حزما ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد. كما ان رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان وقف بقوة مع حركة حماس واصفا إسرائيل حليفة الولايات المتحدة بالدولة الارهابية خلال حرب غزة في تشرين الثاني/نوفمبر.

مرونة أميركية

ويرى محللون ان الولايات المتحدة ابدت حتى الآن استعدادها للقبول بدرجة من المرونة في سياسة انقرة التي اصبحت حليفا يزداد اهمية في الشرق الأوسط بعد ان أعادت انتفاضات الربيع العربي رسم الخارطة السياسية للمنطقة ودفعت واشنطن الى ممارسة نفوذها من خلال شركاء اقليميين.

وتحدث صانعو السياسة التركية خلال الأيام الماضية بلغة تجمع بين التحدي والمصالحة في تناولهم صادرات الذهب التركية الى إيران. وقال وزير الاقتصاد ظافر جاغليان يوم الأربعاء ان تركيا ستواصل تصدير الذهب بصرف النظر عما تفعله الولايات المتحدة ولكن وزير الطاقة تانر يلدز شدد يوم الخميس على ان تركيا والولايات المتحدة تبحثان القضية مستبعدا نشوء "نزاع" بينهما. وكانت تركيا بدأت تصدير كميات كبيرة من الذهب مباشرة الى إيران في آذار/مارس، الشهر الذي طُردت فيه إيران من نظام "سوفيت" العالمي للمدفوعات والمعاملات المالية.

وقال محللون ان تجارة الذهب التركية مع إيران ليست تجارة ممنوعة ولكن انقرة حرصت على إبعاد تفاصيلها عن الانظار خشية ان تثير غضب واشنطن التي تقود الحملة الدولية ضد طهران بسبب مشاريعها المفترضة لإنتاج اسلحة نووية. وتقول إيران ان برنامجها النووي ذو اغراض سلمية محضة، بينها العلاج الطبي.

وتوفر إيران 18 في المئة من الغاز الذي تستهلكة تركيا و51 في المئة من النفط. وبسبب العقوبات الأميركية والاوروبية التي تحظر التعامل مع إيران بالدولار او اليورو فان أنقرة تسدد مشترياتها من الغاز الإيراني بالليرة التركية. وفي حين ان الليرة التركية ذات قيمة محدودة لشراء السلع في الأسواق العالمية فانها تعتبر العملة المثلى لشراء الذهب في تركيا.

ولم تبين انقرة بالملموس كيف تدفع ثمن النفط الإيراني. وبحثت طهران عن وسائل بديلة لتسلم أثمان صادراتها النفطية والغازية التي تشكل المصدر الرئيس للعملة الأجنبية وشريان حياتها الاقتصادية، بما في ذلك قبولها التسديد بالرنمينبي الصيني والروبية الهندية فضلا عن الذهب في محاولة للالتفاف على العقوبات الدولية وتسديد التكاليف المتزايدة لما تستورده هي من مواد غذائية.

الذهب... تجارة متعددة الأوجه

وتبين الأرقام التي نُشرت يوم الجمعة كيف أصبحت تجارة الذهب تجارة متنوعة ومتعددة الأوجه في الشهر الماضي. فرغم هبوط صادرات الذهب "المباشرة" الى إيران لتزيد قليلا على 13 مليون دولار في تشرين الأول/اكتوبر بالمقارنة مع 18 مليون دولار في ايلول/سبتمبر وأكثر من مليار دولار شهريا خلال موسم الصيف فان ما قيمته زهاء 500 مليون دولار من الذهب أُرسل الى دبي استمرارا للاتجاه الذي بدأ منذ آب/اغسطس.

ويقول تجار يتعاملون بالذهب واقتصاديون إن إيران هي وجهة الكثير من هذا الذهب أو كله. واشارت الأرقام للمرة الأولى الى ان هذه التجارة ربما تمر عبر سويسرا غير المشمولة بعقوبات الاتحاد الاوروبي التي تحظر تجارة الذهب مع إيران، بحسب هؤلاء التجار والاقتصاديين. ويلاحظ ان صادرات تركيا من الذهب الى سويسرا ارتفعت الى مستوى قياسي بلغ 460 مليون دولار في تشرين الأول/اكتوبر، أو نحو اربعة اضعاف حجمها السابق.

وأسهمت هذه الصفقات في خفض العجز الكبير في حساب تركيا الجاري الى 7 في المئة من اجمالي الناتج المحلي في ايلول/سبتمبر بالمقارنة مع 10 في المئة في نهاية العام الماضي أي تخفيض العجز البالغ 56 مليار دولار بنحو 4 مليارات دولار فضلا عن تعزيز قدرتها على الوصول الى مصادر التمويل الدولية. ويعتبر هذا تطورا له أهمية بالغة اتاح لأنقرة في تشرين الثاني/نوفمبر تحديدا تأمين تصنيف ائتماني لتركيا بدرجة الاستثمار للمرة الأولى منذ قرابة العقدين.

وقالت نيلوفر شزغين كبيرة الاقتصاديين في شركة ايرستة سكيورتيز في اسطنبول إن تركيا تمكنت من تحسين وضعها الاقتصادي وان السوق تأثرت ايجابيا بتجارة الذهب "وإذا توقفت صادرات الذهب بصورة مفاجئة أو هبطت الى اقل من مستواها فاني اتوقع ان يزداد عجز الحساب الجاري حتى نهاية العام".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف