اقتصاد

اقتصادات بديلة تنبثق عن الحرب الأهلية في سوريا

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بيروت: تحول الاقتصاد السوري مع اقتراب النزاع من شهره الحادي والعشرين الى اقتصاد حرب اهلية تتداخل فيه انظمة عيش مستحدثة مع دورات اقتصادية موازية نشأت من اموال الخطف والسلب، وبيروقراطية رسمية مستمرة في استيفاء الرسوم ودفع رواتب الموظفين. ويقول جهاد اليازجي، مدير نشرة "سيريا ريبورت" الاقتصادية على الانترنت، "بعد 21 شهرا من الثورة وخروج اراض عن سيطرة النظام، لم يعد في الامكان الحديث عن +اقتصاد سوري واحد+. هناك فسيفساء اقتصادية". ويقول الخبير الاقتصادي "المراقبون يتابعون المؤشرات الرسمية، مثل نسبة التضخم او سوق العملات، انما في الواقع، هذه الارقام لا تأخذ بالاعتبار الجزء الاكبر من الاقتصاد". في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام او تلك الخاضعة لسيطرة المجموعات المسلحة المعارضة، القول بان نسبة التضخم بلغت مثلا في شهر آب/اغسطس الماضي 40 في المئة لم يعد يعني شيئا. في مدينة حمص القديمة (وسط) المحاصرة من قوات النظام منذ اشهر طويلة، تعيش مئات العائلات في فقر مدقع. ويقول الناشط ابو بلال لوكالة فرانس برس في اتصال عبر سكايب "لا نستخدم المال، ولا نحتاجه في اي حال. لا يدخل شيء من الخارج الى المنطقة". ويضيف "نتدبر امورنا بما أمكن. نستهلك كل ما تبقى في المحال التجارية المهجورة في السوق القديم". كل خميس، يقوم ناشطون "بتوزيع الشاي والسكر والارز والبرغل والزيت وقليل من السمنة على العائلات، لكن بالطبع، لا خضار ولا لحوم". في دمشق التي لا تزال تحت سيطرة القوات النظامية، يختلف الوضع تماما. الفاكهة والخضار تأتي من كل انحاء سوريا، وحتى من مصر والاردن وتباع في سوق الهال في شرق العاصمة، علما ان اسعارها تضاعفت. ولا يزال القطاع الزراعي ناشطا في سوريا. في الشمال، ينهمك المزارعون بقطاف الزيتون، وفي مناطق اخرى، تتم حراثة الحقول. ولا تزال المنتجات السورية الزراعية تصدر الى العراق ولبنان. ويؤكد تاجر دواجن لبناني انه لا يزال يتلقى بشكل منتظم من حمص كميات كبيرة من البيض والدجاج. وتوجد في اسواق بغداد كل انواع الفاكهة والخضار السورية. في المقابل، الصناعة السورية في وضع كارثي. ويقول مسؤول في غرفة الصناعة في حلب (شمال) ان "معظم المصانع اغلقت بسبب غياب الامن ونقص المازوت. ويكتفي اصحابها بتصريف مخزونهم". غير ان الاقتصاد المبني على السرقات مزدهر. ففي حمص، نشأ في حي النزهة العلوي سوق يتم فيه بيع كل ما سرق في المناطق السنية التي انتزعها الجيش من المقاتلين المعارضين، بحسب ما يروي احد السكان، و"باسعار بخسة جدا". ويضيف ان "الشبيحة (الموالين للنظام) +يبيعون+ طرقات، بمعنى انهم يتقاضون اموالا للسماح لاشخاص بسرقة منازل في شوارع معينة". ويتحدث صحافي في وكالة فرانس برس عن مصادرة منازل الشبيحة في الشمال حيث تنتشر المجموعات المقاتلة المعارضة. كما تم الاستيلاء على سيارات فخمة يتم بيعها في السوق السوداء، بعد تغيير لوحاتها. كما ان عمليات الخطف لقاء فديات منتشرة في كل المناطق تقريبا. ويقول ناشط يقدم نفسه باسم فؤاد من حلب "تدنت قيمة الفدية اخيرا لان رجال الاعمال غادروا المنطقة"، مشيرا الى ان "مجموعات مسلحة عديدة متورطة في عمليات الخطف هذه". ويوضح ان بعض الفديات التي كانت تطلب في الاشهر الماضية لقاء الافراج عن مخطوفين ينتمون الى عائلات ثرية، كان يمكن ان تصل الى 120 الف دولار. اما الآن، فقد تراجعت الى حوالى عشرة الاف دولار. ويضاف الى ذلك، تقاضي خوات على الشاحنات والمؤسسات. ويقول عبد الكريم، وهو صاحب شركة نقل في حلب، "لدى مرورنا على الطريق، يجب ان ندفع على الحواجز التابعة للعسكريين والاخرى التابعة للثوار ليسمح لنا بالمرور". وتزدهر حركة التهريب بين تركيا وسوريا منذ ان سيطر المقاتلون المعارضون على معظم المعابر الحدودية مع تركيا. وتبقى الليرة السورية رغم تراجع قيمتها (بات الدولار يساوي تسعين ليرة، بعد ان كان يساوي سبعين في ايلول/سبتمبر)، هي العملة الاكثر تداولا على كل الارض السورية. وبسبب تفتت البلاد، تحقق مكاتب تحويل الاموال ارباحا غير مسبوقة، اذ تتقاضى نسبة 4 في الالف على المبالغ المرسلة من منطقة الى اخرى. في المقابل، الاقتصاد الرسمي لا يزال يقوم بدورته العادية. وتقوم السلطات باستيفاء الرسوم والضرائب في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش، وتدفع الرواتب الى جميع موظفي الدولة. اما الموظفون الذين يقيمون في مناطق واقعة تحت سيطرة المعارضين اقفلت المصارف فيها، فيقصدون المصارف في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ليسحبوا رواتبهم. ويقول سامر الموظف في مصرف عام في وسط مدينة حلب، "تقوم طائرة بنقل الاموال من المصرف المركزي الينا ونحن نوزعها على المصارف، وهذا يسمح لكل الموظفين بسحب رواتبهم بواسطة آلات التوزيع الاوتوماتيكية". وبسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على الحكومة السورية وعلى مؤسساتها المالية، وقعت دمشق خلال فصل الصيف اتفاق تبادل سلع مع روسيا، وحصلت على قرض بقيمة مليار دولار من ايران، ما يؤشر الى ان السلطات مدركة ان الاقتصاد هو عصب الحرب وهي صممة على ابقائه على قيد الحياة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف