جنوب السودان: وقف إنتاج النفط "موقف وطني"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أوقفت دولة جنوب السودان إنتاجها من النفط بسبب خلاف مع السودان بشأن رسوم التصدير، وأكدت انها لن تستأنف العمليات إلا بعد التوصل إلى اتفاق شامل مع الخرطوم على قضايا أخرى، من بينها أمن الحدود ومنطقة أبيي المتنازع عليها.
لميس فرحات: أعلن جنوب السودان الاستقلال في يوليو/ تموز ويخوض منذ ذلك الحين نزاعاً مع السودان بشأن الرسوم التي ينبغي أن تدفعها جوبا مقابل استخدام خطوط أنابيب الشمال في نقل صادرات الخام الى ميناء بورسودان على البحر الاحمر.
وأوقفت جوبا إنتاجها النفطي البالغ حوالي 350 ألف برميل يوميا الشهر الماضي بعدما صادر السودان بعض الخام تعويضا عما قال انها رسوم غير مدفوعة، لكن جنوب السودان اعتبر هذه الخطوة بمثابة "سرقة".
الدول الأجنبية تنظر إلى هذه الخطوة بحذر، معتبرة أنها قد تعني حرباً أخرى، وهي خطوة انتحارية تدمر الاقتصاد في غضون أشهر.
لكن في شوارع جوبا، عاصمة جنوب السودان، ينظر الناس إلى قرار وقف انتاج النفط، الذي يمثل 98٪ من عائدات الحكومة، على انها خطوة تحدٍ محقة وموقف كبرياء وطني.
جنوب السودان، واحدة من الدول الأكثر فقرا في العالم، اتخذت هذه الخطوة الشهر الماضي بعد ان انفصلت في يوليو/ تموز، آخذة معها حوالى ثلاثة أرباع احتياطيات النفط في الدولة السابق. لكن السبيل الوحيد لوصول هذا النفط إلى السوق هو خط أنابيب يمر عبر السودان.
منذ الانفصال، واصل البلدان الشجار حول القضايا التي تشمل الحدود ورسوم العبور التي تتقاضاها السودان مقابل نقل نفط جنوب السودان إلى السوق. غير أن قرار جنوب السودان بوقف إنتاج النفط يضر إلى حد خطير اقتصادات البلدين ويثير الخوف من تجدد القتال، فكلا الرئيسين يتحدثان عن نشوب الحرب بوضوح وبشكل علني.
في هذا السياق، اعتبرت صحيفة الـ "لوس انجلوس تايمز" ان لا شيء من هذه المخاوف يثبط المزاج العام في جوبا، فوزراء الحكومة والمواطنون والجنود، يعبرون عن استعدادهم لتحمل كل ما يتطلبه الامر لكسر الطوق الاقتصادي المفروض على دولتهم من قبل السودان.
ويقولون: "نجونا من الحرب الأهلية التي استمرت 22 سنة، ونحن مستعدون للمعاناة مرة أخرى من أجل نصيبنا الشرعي من الثروة النفطية".
أعلن القيادي في دولة جنوب السودان باقان أموم، المفاوض الرئيس في البلاد على خلاف النفط، عن اتجاه دولته إلى غلق حدودها مع السودان إلى حين أن تغيّر الخرطوم من سياساتها والتوصل إلى اتفاق شامل، متهما الخرطوم بأنها وراء الحرب الاقتصادية ضد دولته حديثة الاستقلال، ومعتبراً أن إفراج حكومة الشمال عن باخرتين محملتين بنفط الجنوب يحتاج إلى ضمانات وأن أي اتفاق يجب أن يكون دولياً لعدم الثقة في حكومة البشير.
وأضاف ان "جنوب السودان يلتف حول الحكومة ويدعمها في قرارها، وستصبح جنوب السودان دولة قوية في هذه المنطقة وتتمتع باقتصاد قوي".
غير أن الخبراء من الخارج ليسوا متأكدين من ذلك، إذ حذروا من أنه بمجرد أن تبدأ تداعيات وقف انتاج النفط، فإن الحياة سوف تزداد سوءًا في بلد يعيش نصف سكانه تحت خط الفقر وثلاثة أرباعهم من الأميين.
وقال اليكس فاينز، المحلل في مؤسسة تشاتام هاوس في لندن، ان "الشمال والجنوب مطلان على الهاوية، وفي نهاية المطاف سوف يتوصلان الى اتفاق". واضاف: "لكن هناك خطر من أن السياسات المتهورة قد تؤدي إلى أعمال عدائية غير مرجوة".
يحاول الاتحاد الأفريقي، فضلاً عن دول أخرى مثل بريطانيا والصين، التوسط من أجل الوصول إلى تسوية. وينصب التركيز على تحديد سعر النقل المتوافق عليه بشأن شحن النفط من جنوب السودان من خلال خط أنابيب الشمال.
حتى الآن، لم يتم إحراز أي تقدم، وانهارت المحادثات الشهر الماضي بعد ان استولت الخرطوم على سفينة محملة بالنفط جنوب السودان، وصادرت نفطاً بقيمة 850 مليون دولار، لتغطية مطالبتها بـ 36 دولارا مقابل البرميل، كرسوم عبور.
وأعلن جنوب السودان عن استعداد لدفع دولار واحد للبرميل (وهو سعر قريب من القيمة المتعارف عليها عالمياً)، معتبراً أن الاستيلاء على السفينة هو "سرقة".
وقّعت الدولتان على اتفاق عدم اعتداء في 10 شباط/فبراير الذي من المفترض أن يحافظ على السلام حتى يتم العثور على حل أوسع نطاقاً. لكن سرعان ما تم كسر الاتفاق في غضون ساعات بسبب التوتر بين البلدين على خلفية وقف انتاج النفط.
قتلت الحرب الأهلية الطويلة أكثر منمليوني شخص، والكثير من المصابين وتركت جنوب السودان في حالة خراب. وانفصلت الأخيرة عن باقي السودان في استفتاء شعبي أعلن عن نتائجه النهائية في شباط/فبراير 2011، وتم الإعلان عن استقلال كامل للدولة في 9 تموز/يوليو عام 2011.
تعتمد هذه الدولة الجديدة على منظمات الاغاثة لتشغيل العيادات والمدارس والمؤسسات. وساهمت الولايات المتحدة بـ 400 مليون دولار العام الماضي، كما قدم الصندوق الدولي مبلغ 500 مليون دولار من أصلملياري دولار تعهد بها.
وتعتمد هذه الدولة على النفط كالعامل الاقتصادي الرئيس الوحيد، الأمر الذي أدى بالبنك الدولي للقول إن قرار جنوب السودان بوقف انتاج النفط سيضر الجانبين.
وكتب اليكس دي وال، الذي يقدم المشورة لفريق وساطة الاتحاد الافريقي، ان هذه الخطوة ستوصل البلاد إلى " الهلاك الاقتصادي"، مشيراً إلى أن الصراع يمكن أن يشعل الحرب الأهلية.
وحذر رئيس جنوب السودان سالفا كير، في الآونة الأخيرة من أنه إذا لم تتم تسوية النزاع حول الحدود والقضايا الأخرى جنباً إلى جنب مع نزاع النفط، فإن حرباً جديدة قد تندلع.
ومن جانبه، قال الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير في مقابلة مع التلفزيون الحكومي ان "المناخ الآن هو أقرب إلى مناخ الحرب من مناخ السلام".