اقتصاد

سوق الصفارين في العراق ينازع البقاء

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

يشعر أبو محمد ( 60 سنة ) بالأمل من جديد وهو يرى السياح الأجانب القادمين إلى العراق يتجولون في سوق الصفافير على وقع أصوات الطرْق على النحاس بعد انقطاع طويل بسبب الظروف الاستثنائية التي مر بها العراق طيلة عقود.

بغداد: هذه السوق هو أحد أقدم أسواق بغداد الشهيرة ويقع في قلبها عند شارع الرشيد, والى جانب أبو محمد وقف السائح الانكليزي فيلب هوك وهو يتأبطأ (صينية) ذهبية نقش عليها اسد بابل وبوابة عشتار وزخارف إسلامية وبابلية. وهوك الذي زار السوق متقصدا ، يتعجب من المهارة والجدية التي يبديها النقاشون والمصممون في انجاز أعمالهم .وقبل هذا الوقت كان هوك يتصور أن هذه التحف تتشكل بمساعدة تقنيات حديثة. ويقول : "أصبح لهذه التحفة التي اشتريتها قيمة اكبر حين عرفت انها تنجز يدويا بشكل كامل .لكن أبو محمد يشير إلى قلة الزوار الأجانب الذين يقصدون السوق متأملا في نمو حركة البيع والشراء في الفترة القادمة. المبيعات ذات الربحية العالية تنحصر بين السائحين الأجانب، والمؤسسات والدوائر الحكومية والشركات، اما المواطنين فان درجة اهتمامهم بشراء التحف النحاسية ضعيف".

رموز الحضارات العراقية

وتنتشر في اغلب مدن العراق أسواق الصفارين حيث تصنع وتعرض فيها التحف المعدنية والمسكوكات والمنتجات النحاسية التي تجسد عبر التشكيلات والنقشات رموز الحضارات العراقية. وبحسب الباحث في الفولكلور أمين الجادرجي فان هذه المهن تشهد في اغلب المدن انحسار الحرفيين بسبب انتقالهم إلى أعمال أخرى بسبب قلة المورد المالي من هذه المهن. وبلغت أقصى حالات التدهور في هذه الاسواق في فترة الحروب وزمن الحصار الاقتصادي حيث قل عدد المتبضعين لاسيما الأجانب .

وفي تلك الفترة كان التجار يجمعون النحاس الخردة والمعادن الاخرى لتصديرها الي الخارج مما شكل خطرا على هذه الصناعة، ورفع أسعار المواد الأولية. rlm;وتحول فاهم حسين المعروف بكفاءته في تقنيات المهنة الى بيع القماش منذ نحو ستة سنوات بسبب كساد بيع التحف .ويضيف: اخطر ما تتعرض له المهنة اليوم هو ظهور جيل جديد لا يجيد تقنيات المهنة, ويستعيض عن المنتجات المصنعة باليد باخرة مستوردة و مصنوعة ميكانيكيا. وينشغل ابو حيدر في سوق الصفارين في كربلاء بتهيئة الفرن الناري مفترشا الارض وهو يطرق على صفيحة نحاسية لغرض تشكيل النقوش عليها. يصف ابو حيدر عمله بالقول: ابدأ بالزخرفة الناعمة ، ثم انتهي برسم النقوش الكبيرة التي تجسد رموزا تراثية وتاريخية. ويحرص ابو حيدر على تعليم ابنه المهنة ، عادا الأمر واجبا وطنيا لكي لا تندثر المهارات عبر الأجيال .ويمتلأ مخزن ابو حيدر بأنواع الانتيكات والتشكيلات وصفائح النحاس والرصاص والفضة. ويتذكر ابو حيدر كيف ان سبعينات القرن الماضي كات فترة ذهبية لهذه المهنة . ويتابع : كان السوق يعج بالسائحين ، وكنا نعمل طوال النهار .

قنوات تسويقية

ويقول النقاش رحيم حسن من سوق كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) ان المهنة تتطلب ذوقا فنيا عاليا ، وقدرات بدنية وذهنية .ويشير حسن الى ان عدم تدخل الجهات الثقافية المعنية بحماية هذه الصناعة يعرضها الى الانقراض تماما بسبب تهافت الاهتمام بها من قبل المواطنين إضافة الى ضآلة الزوار الأجانب وعدم وجود قنوات تسويقية ثابتة تصدر المنتجات الى الخارج .

ويقول حسين ان تاريخ هذا السوق يعود الى نحو ثمانمائة عام منذ العصر العباسي. ويتابع: "حرفيون وفنانون هجروا المهنة بحثا عن الرزق من مصدر اخر . ومن المفترض ان تلقى هذه المهن الفولكلورية اهتماما من جمعية الحرف اليدوية التي تأسست في سنة 1983 ثم تحولت الى دار التراث والحرف الشعبية". ويقترح حسن تفعيل صناعة المنتجات النحاسية، عبر التزام الدول والجهات المعنية بتطويرها وتسويق المنتجات الى الخارج وعدم الاكتفاء بالسوق المحلي.

وتعج أسواق العراق بتحف مقلدة مصنوعة بطريقة ميكانيكية وهي رخيصة الثمن مستوردة من الخارج، مما شكل ذلك سببا في عدم التداول بالانتيكات القديمة والأصلية بسبب ثمنها الباهض. وترك ابو حسام مهنته واتجه الى بيع الأدوات الاحتياطية للسيارات على رغم انه من امهر صناع التحف النحاسية والفضية.لكن ابو حسام مازال يفخر بما أنجزه من اعمال فنية حيث يزين متجره الجديد بعدد كثير من التحف الفنية التي شكلها عبر سنين . ويتابع : "تزين منزلي العشرات من التحف".

منافسة شرسة

ويجيد ابو حسام العمل على الفضة الباردة وطلاء النحاس الأصفر على مادة البراص بواسطة الاسطوانات. ويضيف : "يشيع العامل مع (الفافون) الذي لا يتفاعل مع الظروف الجوية ، وفي ذات الوقت فان النحاس ينتج موادا سامة في حالة عدم (تبييضه )". لكن بائع التحف محمد كاظم في الكاظمية في بغداد يرى انه على رغم ان متجره يزدهر بالتحف المصنوعة محليا الا انها تواجه منافسة شرسة من البضائع الصينية والتركية والإيرانية .ويتابع : "المواطن العراقي يرغب بالصناعة المحلية، لكن سعرها العالي يجعله يلجا إلى البضائع المستوردة الرخيصة الثمن .وتروج هذه المهنة اليوم بين أفراد الطبقة الارستقراطية في بغداد والمحافظات بشكل اكبر بحسب كاظم".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ايه يازمان!
عاصم كامل -

سوق الصفافير كان يبدء من شارع الرشيد وينتهي عند تقاطع سوق دانيال. ابي كان يعمل في سوق عمارة فوزي وعبد القادر شريف. اتذكر قدوري الچایچي, غلام ومالك ابو التكة, وخان المرحوم الحاج موسى وخان الحريري( عند نهاية السوق من جهة سوق دانيال)و خان مرجان( من بداية سوق الصفافير من جهة شارع الرشيد. والتسمية الاصح هو سوق الصفافير.اتذكر في 1976 او 1977 جائت المرحومة سعاد حسني لزيارة هذاالسوق واشترت بعض الاعمال النحاسية كهدايا.حتى الرئيس الفرنسي السابق جيسكارديستان زار هذه السوق. ابي قال لي بان وزير خارجية ايران الدكتور فاطمي في عهد رئيس وزرائها الاصلاحي محمد مصدق.قال بان الدكتور فاطمي وفي بداية الخمسينات تعرض في هذه السوق لمحاولة اغتيال.كان كل شئ فيها كلاسيك وجميل. ومن الوسط وعل طريق خان حسن كنا نذهب ونحن صغار الى سوق السراي ونشتري التحف القديمة ومجلات قديمة من دكان( ابو عوف), كان هذه الرجل بدين جدا, لكنه ذو اخلاق طيبة وبشوش.كنا نتسابق على اقتناء مجلات بساط الريح وتان تان وتور والرجل الوطواط. هاي فترة السبعينات الجميلة والتي انتهت بالاعتقالات العشوائية والاغتيالات والحرب العراقية الايرانية في سبتمبر 1980, وبداية النكد والحروب والكوارث. الله يرحم هاي الايام الحلوة.