اقتصاد

سوق الرهن العقاري يعاني زخماً في دول الخليج

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الكويت: يمثل الحصول على حق الرهن أحد أهم التحديات التي تواجه منطقة مجلس التعاون الخليجي. وتتوفر قوة دافعة للطلب على الإسكان لمعدلات نمو السكان العالية، والتي لا يتوقع أن تنخفض في المستقبل القريب إلى ما دون مستوى 2.0% في السنة. ومع الانخفاض القرني في متوسط حجم العائلة، أرتفعت أولوية الحصول على مسكن. وتوفرت ضغوط إضافية من الحاجة المتزايدة لترفيع بعض المرافق السكنية الموجودة حالياً.

ومع ذلك، فإن توزيع الثروة والدخل بالمنطقة قد حد بدرجة كبيرة من توفر المساكن التي يشغلها مالكوها، حيث تميل حلول تمويل الإسكان بشكل مكثف للمدخرات الشخصية والدعم من العائلة والأصدقاء. وإنعكاساً لهذا الوضع، أصبح مطورو العقار بالمنطقة يميلون إلى الطرف الأعلى من السوق، وأيضاً للعقارات التجارية، حيث الاعتماد على الائتمان أدنى بكثير.

وتعتبر الرهونات بالغة الأهمية لتوسيع نطاق الحصول على مساكن. وفي معرض التعليق على هذه المسألة، يقول الدكتور/ جارمو كوتيلين، كبير الاقتصاديين بالبنك الأهلي التجاري: "إن الرهونات قد ساعدت بنجاح في اتساع نطاق تملك المساكن في الاقتصادات المتقدمة، ولكن أيضاً شهد عدد متزايد من الأسواق الناشئة استخدام السوق والإصلاحات التشريعية كوسيلة لتعزيز تملك المساكن، الأمر الذي ما يحقق غالباً تغيير نوعي على مدى عدد من السنوات. ومن الأمثلة البارزة الماثلة في الذهن، ماليزيا وكوريا والمكسيك. ولكن، وحتى في الشرق الأوسط، تمكنت مصر وتركيا من إجراء إصلاحات نظامية في نظامها التشريعي وشهدت ارتفاعاً حاداً في الإقراض بضمان الرهن، وإن كان ذلك من قاعدة بالغة التواضع، وخصوصاً في مصر".

بيد أن من الممكن أن يكون للرهونات تطبيقات اقتصادية تفوق كثيراً مجرد تعزيز تملّك المساكن. ويبلغ مستوى متوسط الإقراض الرهني غير المسدد في الاقتصادات المتقدمة 60%، وقد يصل إلى 100%، من الناتج المحلي الإجمالي. وتعمل الرهونات كعامل تسارع مالي، حيث يحصل الأفراد على قروض مضمونة بقيمة مساكنهم لتحسين إستهلاكهم. وإن إتاحة الحصول على إعادة التمويل في أسواق الإسكان يتيح للمستهلكين تخفيف التفاوت في دخولهم. وعلى النقيض من ذلك، يمكن للعمليات التصحيحية في أسواق الإسكان أن تكون لها مضاعفات اقتصادية عميقة، حيث قدر صندوق النقد الدولي أن خسائر الناتجة المرتبطة بانخفاضات سوق الإسكان تبلغ نحو ضعفين إلى ثلاثة أضعاف الخسائر بدون هذه الانخفاضات؛ ويبلغ المدى الزمني لمثل هذه الدورات الإنكماشية 18 ربع سنة، مقارنة بأربعة أرباع سنة لدورات الإنكماش العادية.

ووفقاً لكلمات د. كوتيليني: "نتيجة لحجم أعداد السكان، والمخاطر الناتجة في سبيل تطوير أسواق الرهن، فإن تصميم نظام مؤسساتي وتشريعي متقن أمر بالغ الأهمية. وتطرح التجارب الدولية أن مستوى الإقراض الرهني يميل إلى أن يعتمد بقدر كبير جداً على توفر تسهيلات ملائمة لتسجيل الممتلكات والأراضي، وضمان حرية الوصول الفعال التكاليف للمعلومات الائتمانية، وتوفير نظم إفشاء تتسم بالكفاءة. وقد يؤدي النقص في هذه المجالات إلى إقراض إنتقائي متحيز وآجال حيازة أقصر، وما يتبع ذلك من مضاعفات سالبة على حرية الحصول على المساكن. إضافة إلى ذلك، تتعقد قدرة البنوك على تمويل الرهونات بطبيعة عدم توافق آجال الاستحقاق بين الودائع قصيرة الأجل والقروض طويلة الأجل. وهناك حوجة مبررة لأسواق ثانوية لضمان التوسع المستدام لأسواق الرهن إلى المتسويات التي نشهدها في الاقتصادات المتقدمة."

وعلى الرغم من ما تثيره التحديات الديموغرافية، إلا أن الإقراض الرهني في دول مجلس التعاون الخليجي ظل متواضعاً جداً بالمقاييس العالمية. وحتى بعد النمو المتسارع في السنوات الأخيرة، إلا أن إجمالي حجم الصناعة لا يزال يقدر بأنه يقل كثيراً عن 100 مليار دولار. وتتمتع كل من دولة الإمارات العربية المتحدة، والكويت، وقطر بأكثر الأسواق الإقليمية تطوراً، حيث تبلغ القروض الرهنية نحو 17% و 14% و 12% من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي. غير أن قدر كبير هذا الإقراض موجه لمشاريع تجارية أكثر منه للعقارات السكنية. وعلى النقيض من ذلك، فإن الدولة الأكثف سكاناً وهي المملكة العربية السعودية، لديها أكثر أسواق الإقراض الرهني تواضعاً بالمنطقة، ويقدر بحوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي.

ورغم أن العقد الماضي شهد إنشاء أسواق رهن حديثة في دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن تطور هذه الأسواق في معظم الاقتصادات الإقليمية قد تقدم بقدر كبير. وبدرجات متفاوتة، تتفوق حالياً رهونات القطاع الخاص على بنوك الإسكان الحكومية القديمة، والتي عملت منذ سبعينات القرن الماضي كمصدر أساسي للقروض العقارية المدعومة بالمنطقة. بيد أن هذه المؤسسات كافحت لمواكبة الطلب المتزايد على قروض الإسكان، وتجاوزت قوائم الإنتظار في بعض الحالات عقد من الزمن. ونتيجة لهذا الوضع، لجأت بعض حكومات دول المجلس مؤخراً لتعزيز موارد هذه البرامج.

إن الإمكانية المتاحة لزيادة وتوسع الإقراض الرهني في دول مجلس التعاون الخليجي هائلة بقدر كبير. ووفقاً لإفادة د. كوتيليني: "بخلاف بعض نظيراتها من الأسواق الناشئة، تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بتاريخ ممتد من الاستقرار المالي والاقتصادي. ويستلزم ربط العملات الوطنية بالدولار أسعار فائدة متدنية إلى حد معقول. ولكن، وعلى الرغم من التقدم المؤثر، إلا أن تطور أسواق الرهن بدول مجلس التعاون الخليجي لا يزال مكبوحاً بعدد من العوائق التشريعية والمؤسساتية." وعلى سبيل المثال، فإن تقييم الجدارة الائتمانية يظل دوماً يمثل تحدياً، رغم أن بالمملكة العربية السعودية والبحرين حالياً نظام مركزي لجمع البيانات الائتمانية. وتظل سجلات الممتلكات والأراضي عامة في تطور، ولكنها تعتبر بصورة متزايدة كأولوية.

ويعود تاريخ قانون الكويت لتسجيل العقارات إلى عام 1959. وكانت المملكة العربية السعودية قد أوجدت نظاماً للتحديد المادي للممتلكات في عام 1984، وتم سن قانون لسجلات الأراضي الممسوحة في عام 2003. واعتمدت دبي في عام 2008 قانون للتسجيل المؤقت للممتلكات والأراضي، ولم يعد بالإمكان إصدار رهن ما لم تكن الممتلكات مسجلة كما ينبغي في ذلك السجل. والأمر المشجع، أن تكلفة التسجيل متواضعة على نحو عام مقارنة بالمستويات العالمية؛ وتقل في أكثر الحالات عن 1% من قيمة الممتلكات. وقد يفرض عدم كفاءة نظم قواعد المباني أو عدم كفاية المعايير مشاكلاً إضافية. وإن تجهيزات رصد الأسواق والحصول على بيانات دقيقة وفي التوقيت المناسب تتسم بالضعف.

ورغم توفر بينات الأسعار بشكل متزايد وعلى نطاق واسع، إلا أنها عادة يتم الحصول عليها من قبل الممارسين بالأسواق، وليس من قبل نظام مركزي ممنهج ومتسق. وهذا الأمر يجعل من الصعوبة بمكان الحصول على تقييم دقيق وسليم لقيمة الممتلكات. أيضاً، وجزئياً لصغر عمر العديد من الأسواق ونموها السريع الوتيرة، توجد عادة ممارسات غير واضحة ولا متكاملة في صيانة المباني؛ وفي بعض الحالات يؤدي هذا الوضع إلى التوقع التناقضي، إلى حد ما، بالتآكل المستمر لقيمة الضمان المستخدم في الرهن.

ورغم أن الزخم الإيجابي في أسواق الرهن الإقليمية منشود ويجد الترحيب، إلا أن الحقائق الاقتصادية الواقعية تشير إلى أن الرهونات لا يمكنها أن توفر الحل الكامل لتحديات الإسكان بالمنطقة. وكما إتضح من أزمة الممتلكات شبه الممتازة في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن هدف تملك مسكن غالٍ هدف غير واقعي وتحفه المخاطر من المنظور الاقتصادي. وفي الواقع، فقد نمت كل أسواق الإسكان الراسخة بفضل عنصر الإسكان الإجتماعي الذي ترعاه الحكومات، رغم أن بعض هذا الإسكان يمكن أن يتم تخصيصه مع مضي الزمن.

وإن التوزيع الراهن للدخل، مصحوباً بالتكلفة المرتفعة للأرض والمدخلات، يعني أيضاً لا بد أن يكون للحكومات دور هام في توفير الإسكان بدول مجلس التعاون الخليجي. وهناك بعض المبادرات الإقليمية التي طرحت مؤخراً تبشر بتحسن حرية الحصول على إسكان من المقدور شراؤه، ولكن قد تتطلب المزيد من التعزيز للتغلب على بعض التحديات التي يفرضها توفر الأراضي وتكاليف المدخلات.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف