اقتصاد

اليونان تشتري مزيداً من الوقت والوضع يبدو غير مستدام

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يبدو أن الأنباء الطيبة عن إعادة هيكلة ديون اليونان تصطدم بحقيقة العجز عن خفضها.

أبوظبي: إنه لوضع مُربك حقاً!؛ فأنا على ثقة تامة بأن بعض المستثمرين كانوا سعداء لهبوط أسواق الأسهم على مدى بضعة أيام، ولكنهم في الوقت ذاته أعربوا عن خيبة أملهم لارتفاع هذه الأسواق لاحقاً. وقد تلاشت فرص الشراء بسرعة كبيرة، في وقت تشهد فيه الأسواق تداولاً قرب أعلى مستوياتها. وينتابنا القلق حيال ضعف الأنباء الطيبة الضرورية لمساعدة الأسواق على الصعود مجدداً. وتبدو حالة الاقتصاد العالمي على ما يرام، ولكنه من غير المرجح أن يشهد تعافياً بمعدلات سريعة خلال المرحلة الراهنة. وقد تصطدم الأنباء الطيبة المتعلقة بإعادة هيكلية الديون اليونانية بحقيقة أن اليونانيين عاجزين عن تحقيق أهدافهم بخفض العجز والديون في البلاد. وقد تسبب مواصلة ضخ السيولة بوتيرة ضعيفة في النظام المالي العالمي إضعاف احتمالات وقوع انتكاسات اقتصادية جديدة في المرحلة الراهنة.

ومن جهة ثانية، نفضل الاستثمار في الأسهم الصينية والروسية عند انحصار الخيارات المتاحة بين أسواق البرازيل، وروسيا، والهند، والصين؛ فقد سجلت الأسهم الصينية مستويات قوية مع استقرار التضخم عند مستويات جيدة معاكسة للتوقعات؛ إذ يواصل التضخم الصيني هبوطه، حيث بلغ 3.2% على أساس سنوي في شهر فبراير الماضي. ومن شأن تراجع حجم التضخم أن يساعد البنك المركزي الصيني على تخفيف حدة سياسته النقدية خلال الأشهر المقبلة، في وقت تعكف فيه الحكومة على خفض الضرائب وزيادة الإنفاق بغية حفز الطلب في الاقتصاد الصيني.

وندرك أن خطط تخفيض السياسة النقدية ليست متاحة لجميع البلدان الناشئة؛ فقد خلص "البنك المركزي الإندونيسي" في اجتماعه الأخير إلى عدم خفض أسعار الفائدة، كما أن زيادة التضخم نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة قد يعرقل جهود خفض أسعار الفائدة خلال الأشهر القليلة المقبلة. وثمة أمل في أن تمتلك الهند القدرة قريباً على خفض أسعار الفائدة بواقع 25 نقطة أساس، معتمدةً على خطة تخفيف سياستها النقدية التي أطلقتها مؤخراً، والخفض الكبير لحجم احتياطي البنوك. ولكن نتائج الانتخابات الهندية الأخيرة، التي تظهر تراجع شعبية الحكومة، قد تشكل مصدر قلق للبنك المركزي في ما يتعلق بتراجع فرص خفض الإنفاق الحكومي. وسيشير تراجع مستوى انضباط والتزام الحكومة إلى انحسار احتمالات خفض أسعار الفائدة. وقد تسعى الأسهم الهندية جاهدةً إلى مواصلة أدائها في خضم هذه الظروف، ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة أن تحظى الروبية الهندية بالدعم من خلال رفع أسعار الفائدة.

وقد كسب الأوروبيون مزيداً من الوقت من خلال التوصل إلى اتفاق مع حاملي السندات من القطاع الخاص لقبول شروط إعادة هيكلة ديون اليونان. وعلى الرغم من وجود مخاوف في مرحلة معينة من عدم قبول تلك الشروط، إلا أن حاملي السندات أجمعوا على إعادة الهيكلة ، مما أعطى اليونان مزيداً من الوقت لالتقاط الأنفاس. ورغم كسب الأوروبيين واليونان بعض الوقت، إلا أن ذلك لا يشكل حلاً ناجعاً للمشاكل الاقتصادية الجوهرية. ولم نشهد تعليق أي من المحللين الاقتصاديين في احتمال أن تنجح اليونان في النهوض من مشكلتها وتحقيق استقرار اقتصادي خلال السنوات الـ10 المقبلة. فلسوء الحظ، ندرك أن بقاء اليونان في منطقة اليورو هو مسألة وقت فقط، وتكمن الصعوبة حالياً في تقدير الفترة الزمنية التي يتظاهر خلالها الأوربيون بأنهم مستعدون لتقديم الدعم لليونان.

ورغم أن أجزاء أخرى من العالم تتمتع بمستويات اقتصادية قوية، ولكننا لا نزال نخشى أن منطقة اليورو ستواصل المضي نحو حالة من الركود الاقتصادي في أغلب فترات العام الحالي. وكما أشرنا سابقاً، يواصل البنك "المركزي الأوروبي" ضخ السيولة في النظام المالي، غير أن جزءاً ضئيلاً فقط من هذه السيولة النقدية وجد طريقه نحو اقتصاد منطقة اليورو. ويعتقد الكثير من المحللين الاقتصاديين أن منطقة اليورو ستعاني حالة ركود حتى فترة الربع الثالث من عام 2012، مما يعني مشكلة أخرى تضاف إلى أزمة ديون منطقة اليورو، علماً أن الحكومات تسعى جاهدة إلى تحقيق فوائض في ميزانياتها بغية خفض مستويات الدين. ونتوقع أن نشهد مزيداً من موجات التقلب والاضطراب في الأسواق خلال العام الحالي، وخصوصاً مع فشل هذه الأسواق في إحراز تقدم على صعيد خفض الديون.

ويتعين على المستثمرين مراقبة سوق السندات الأميركية ترقباً لوقوع موجات بيع مفاجئة قد تسفر عن تكبد أسواق السندات العالمية لمزيد من الخسائر. وقد شهدت سوق السندات مستويات أداء قوية للغاية خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك بسبب انخفاض أسعار الفائدة الأميركية، ومواصلة "مجلس الاحتياطي الفدرالي" شراء السندات الأميركية. وقد أطلق المجلس برنامج "الاستبدال" "أوبيريشن تويست" الذي يتيح شراء السندات طويلة الأجل الممولة من بيع السندات قصيرة الأجل. وأفضت إجراءات "المجلس الاحتياطي الفدرالي" إلى استقرار عائدات السندات لأجل 10 سنوات وبالأخص معدل الفائدة عند 2%.

ومع قيام المجلس بسحب عملياته الشرائية من السوق في يونيو، تتزايد مخاطر ارتفاع عائدات السندات الأميركية لأجل 10 سنوات بصورة حادة مما سيؤدي الى نشوء موجات بيع في العديد من أسواق السندات، ولكننا نستبعد أن تكون هذه العمليات ضخمة، حيث نتوقع ارتفاع العوائد من مستوى 2.04% إلى 2.30% فقط. ولكن نشوء موجات بيع قوية لسندات الخزانة الأميركية سيفضي إلى ضعف العديد من أسواق السندات على المدى القريب جداً. ونستبعد ارتفاع الفائدة بشكل حاد على المدى الطويل، في وقت سيتعين فيه على الرئيس الأميركي المقبل الإسراع بمعاجلة مشاكل عجز الميزانية الأميركية خلال العام القادم، مما سيعني الاضطرار إلى اعتماد سياسات قد تكبح جماح النمو. كما يتعين العمل على رفع الضرائب، والحد من مستويات الإنفاق، وهي تحديات تجعل عام 2013 سنة قاسية على الاقتصاد الأميركي.

ولا يزال الاقتصاد الأميركي يشهد أنباء إيجابية تبعث على التفاؤل في ما يخص نمو فرص العمل، إذ شهد الشهر الماضي إضافة 227 ألف وظيفة جديدة إلى الاقتصاد الأميركي، أي فوق التوقعات بقليل، فضلاً عن مراجعة بيانات الشهر السابق صعوداً. ويعد هذا النمو الأقوى خلال 3 أشهر منذ عام 2006 (باستثناء العمال المستأجرين المسجلين بحسب الإحصاءات الرسمية). كما سجل نمو العمالة المنزلية أعلى مستوياته منذ أكثر من 10 سنوات. وتعكف الشركات حالياً على تكريس سيولتها النقدية القوية لتوظيف مزيد من الكوادر. ورغم توفير المزيد من الوظائف، إلا أنه يصعب تحصيل الكثير من الزيادات النقدية، وبالتالي فإن نمو العمالة لا يعني بالضرورة تحقيق النمو المستدام للأجور، والذي يعزز بدوره قوة الإنفاق الاستهلاكي.

وعلى مستوى المنطقة، يميل الاقتصاد لتسجيل مستويات أداء جيدة؛ فقد جاءت نتائج مسوحات الثقة الصناعية الأخيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية لشهر فبراير منسجمة مع التوقعات وأخفض قليلاً من مستوى الثقة المسجل في يناير. وقد سجلت السعودية- التي لا تزال البلد الأقوى اقتصادياً في المنطقة- تراجعاً في مؤشر الثقة الصناعية من 60.0 نقطة في يناير إلى 59.6 نقطة، بينما استقر الطلب المحلي والصادرات عند مستويات قوية. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد انخفض المؤشر الصناعي من 52.4 نقطة إلى 52.0 نقطة. وبالمقارنة مع السعودية، فإن المؤشرات تبدو متفاوتةً قليلاً، حيث حافظت مؤشرات الصادرات على قوتها، ولكن الطلبيات المتراكمة لا تزال ضعيفة نسبياً، وثمة مقترحات لممارسة ضغوط خفيفة على قطاع التصنيع.

وتشهد أسواق الأسهم المحلية ظروفاً مريحة مقارنة مع النظرة الاقتصادية المحلية والعالمية التي يمكن وصفها بالإيجابية. ولكن موجة التقلبات، ولاسيما في "المؤشر العام لسوق دبي المالي" كانت عميقة؛ فخلال أسبوع واحد فقط، بلغ المؤشر ذروة ارتفاعه عند المستوى 1754، لينخفض بعد ذلك إلى المستوى 1607 و8 نقاط مئوية في 3 أيام فقط. وعليه، نوصي المستثمرين بتوخي الحذر حيال ارتفاع مخاطر الاستثمار في الأسهم المحلية، وانخفاض مستوى عمليات التقييم. ويمكن لأسواق الأسهم السعودية والإماراتية تبرير انتقالها إلى مستويات أعلى، ولكن يجب توخي الحذر حيال مواجهة موجات الصعود والهبوط.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف