دول اليورو بين مطرقة التقشف وسندان النمو الإقتصادي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حذر مسؤولون أوروبيون من التداعيات السلبية لسياسات التقشف الحكومية على النمو الإقتصادي، وطالبوا بضرورة الموازنة بين تخفيض الإنفاق مع البقاء على معدلات نمو تساهم في الحد من المشاكل الحادة التي تواجهها.
الدوحة: بين مطرقة سياسات التقشف التي إتبعتها بعض حكومات الدول الاوروبية لمعالجة مشاكلها الاقتصادية من خلال تخفيض الإنفاق الحكومي المرتكز على تقليل طرح الفرص الوظيفية وتخفيض الاجور وزيادة الضرائب، وبين سندان النمو الاقتصادي الذي تطلبه الدول الاوروبية لمواجهة الركود الاقتصادي واثاره السلبية ومنها البطالة التي سجلت اعلى مستوى لها في اوروبا منذ خمسة عشر عاما، تواجه دول منطقة اليورو تحدياً يتطلب إرساء سياسات حكومية وبرامج تعمل على الموازنة بين التقشف لخفض العجز في موازانتها جراء ارتفاع مديونيتها العامة مع المحافظة على معدلات نمو تساهم في دعم الناتج المحلي.
وقد حذر عدد من الخبراء والمسؤولين الاوروبيين، في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية (قنا)، من التداعيات السلبية لسياسات التقشف الحكومية على النمو الاقتصادي المطلوب من أجل التعافي الاقتصادي مطالبين بضرورة الموازنة بين تخفيض الانفاق مع الابقاء على معدلات نمو تساهم في الحد من مشاكل حادة ومنها البطالة التي يتوقع زيادتها خاصة مع تخفيض الانفاق الحكومي.
وقد بلغ عدد العاطلين عن العمل في منطقة اليورو أكثر من 17 مليون شخص، وتشير التوقعات الى ان هذا الرقم مرشح للارتفاع في الاشهر المقبلة.
وتبلغ نسبة العاطلين عن العمل في منطقة اليورو 10.8 بالمائة في شهر فبراير الماضي فيما تبلغ نسبة البطالة لدى الشباب 21.06 بالمائة حيث تعتبر النمسا اقل الدول الاوروبية تضررا من البطالة بتسجيلها 4.2 بالمائة فقط فيما بلغت النسبة 23.6 بالمائة في اسبانيا.
ولفت هؤلاء الخبراء الى صعوبة تحقيق توازن اقتصادي في ظل تطبيق السياسات التقشفية التي ستؤثر على دعم النمو الاقتصادي خلال المرحلة القادمة خاصة في ظل الجدلية القائمة في الاتحاد الاوروبي بين تيار مؤيد للتقشف كحل ناجع للمديونية العامة وآخر يعتبر ان هذه السياسة تقوض فرص النمو الاقتصادي وتؤدي الى الركود وتزايد المشاكل الاجتماعية كالبطالة وانعدام المساواة.
ويتوقع صندوق النقد الدولي في أحدث تقرير له حول مستقبل الاقتصاد العالمي ألا تحقق منطقة الاتحاد الأوروبي ككل أي نمو اقتصادي خلال عام 2012، مع تحقيق ألمانيا نمو بمعدل 3.3 بالمائة في مقابل انكماش اقتصادي في بعض الدول مثل ايطاليا واسبانيا واليونان، كما يتوقع أن تظل معدلات النمو أدنى بكثير من المستويات التي بلغتها قبل الأزمة المالية العالمية خلال السنوات المقبلة.
كما يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلع العجز في الاتحاد الأوروبي هذا العام نسبة 3.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث ستعاني جميع دول الاتحاد الأوروبي من العجز بمعدلات تتراوح من 0.8 بالمائة في ألمانيا إلى 8.5 بالمائة في ايرلندا.
ويرى منتقدو السياسات التقشفية أنها تعرقل تعافي الاقتصاد الأوروبي من حالة الركود، وبالتالي من الممكن أن تُعيق تحقيق أهدافها الرامية إلى تخفيض العجز، ومن بين هؤلاء المنتقدين للسياسات التقشفية جوزيف ستيغليتز وهو كبير الاقتصاديين السابق في البنك الدولي، والذي حذر مؤخراً من خطورة السياسات الأوروبية نظراً لعدم نجاح أي من السياسات التقشفية السابقة في الدول الكبرى.
وقد طالب جون تارديو خبير في التجارة الدولية والاوروبية، في تصريح خاص لوكالة الانباء القطرية (قنا)، الدول الاوروبية بضرورة تطبيق سياسة اقتصادية تقوم على التوازن بين الصرامة وترشيد الانفاق لخفض العجز مع المحافظة على مستويات انفاق تساهم في تحقيق النمو الذي يسد عجز المديونية العامة، مشددا على ان الركود الاقتصادي يعرض الدولة إلى المشاكل الاجتماعية جراء ارتفاع معدلات البطالة و انخفاض الأجور.
ولعل فوز فرانسوا هولاند برئاسة فرنسا يعود الى برنامجه الانتخابي الذي طرحه والذي حاول من خلاله ايجاد توازن بين اجراءات التقشف الصارمة حيث تعهد بخفض العجز العام، وفرض ضريبة 75 بالمائة على الدخل الذي يتجاوز مليون يورو في السنة، وزيادة الضريبة على الأثرياء ،مقابل اخذه بعين الاعتبار المحافظه على النمو حيث وعد انه وفي مجال التوظيف، سيوفر 60 ألف وظيفة في مجال التربية خلال 5 سنوات، والعودة إلى التقاعد في سن الـ60، وخفض أعداد المهاجرين.
وحذر الخبير تارديو من خطر سياسات التقشف، التي تعتمد على تخفيض الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب، على الاقتصاد الكلي، معتبرا ان ذلك له تبعات اقتصادية غير مرغوبة.. ومشيرا الى انه لا يجب الحد بطريقة فجائية من الانفاق لأن ذلك يؤدي إلى الركود وهذا ما حصل في اليونان.
وقال ان التحدي الذي يواجه دول منطقة اليورو هو النجاح في ايجاد سياسات اقتصادية توازن بين ترشيد الاستهلاك وإجراءات التحفيز الاقتصادي للقطاعات، مثلما فعل البنك المركزي الاوروبي فيما يتعلق بالقروض المقدمة لبنوك الدول الاوروبية حتى تتمكن من تحفيز اقتصاداتها عبر الاستثمار لا عبر الاستهلاك.
وكان البنك المركزي الاوروبي قدم دعما لمنطقة اليورو خلال الاشهر القليلة الماضية بحوالي تريليون دولار من خلال برنامجين لتوفير تسهيلات ائتمانية للبنوك لمدة ثلاث سنوات بمعدل فائدة يبلغ 1 بالمائة.
وقد جاءت هذه الخطوة عقب الاتفاقية النقدية التي وقعتها 25 دولة من دول الاتحاد الأوروبي (باستثناء المملكة المتحدة وجمهورية التشيك) والتي مازالت تنتظر التصديق عليها، وتتطلب الاتفاقية تطبيق الدول الأعضاء لقواعد صارمة لتحقيق التوازن في موازناتها العامة وإلا واجهت غرامات، بالإضافة إلى تقليص مستويات الدين العام إلى 60 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي على مدار 20 سنة.
ونوه الخبير تارديو بالاجراء الذي اتخذه البنك المركزي الاوروبي والذي ساهم ولو بشكل مؤقت في تخفيف المخاوف حول مستويات السيولة في القطاع المصرفي الأوروبي وساعدت على تقليص معدلات الفائدة على السندات الحكومية، فضلاً عن دعم الارتفاع في أسواق الأسهم، معبرا عن امله ان تساهم هذه الاموال التي اعطت للبنوك في تدعيم النسيج الصناعي وتنشيط الاقتصاد عبر الاستثما رفي مجالات اقتصادية متعددة.
واكد أن مشكلة اوروبا الحالية تكمن في ان تتمكن الدول من الوصول إلى نمو بسيط يحفز الاقتصاد لافتا الى ان دول منطقة اليورو تعاني من مشاكل مالية واقتصادية وعلى وجه الخصوص اليونان واسبانيا وإيطاليا والبرتغان ونوعا ما فرنسا، موضحا ان هذه الدول كانت مثقلة بالديون قبل الازمة ثم زادت مديونيتها مرة اخرى بسبب الازمة وهو ما جعل مستوى ديونها عبء كبير يثقل كاهل اقتصادياتها.
واوضح الخبير في التجارة الدولية والأوروبية ان تقليص الديون يقتضي ترشيد الانفاق الذي يؤثر سلبا على النمو، معتبرا ان تخفيض الإنفاق سواء من خلال زيادة الضرائب اوتقليص الوظائف يعرض الاقتصاد الى الركود بما يعيق العملية التنموية في الدول.
وأشار إلى أن اليونان طبقت خلال السنوات القليلة الماضية سياسات تقشفية صارمة، حيث تسعى إلى إصلاح القطاع الحكومي والوصول بمعدلات العجز في الموازنة إلى المستويات المطلوبة والتي كانت شرطاً من أجل الحصول على أموال الإنقاذ لإعادة جدولة ديونها، معتبرا ان السياسة الاقتصادية المتبعة لخفض العجز في اليونان ترجمت على ارض الواقع إلى ركود اقتصادي.
وذكر جون تارديو الخبير في التجارة الدولية والاوروبية إن إدارة الازمة مشكلة دقيقة وحساسة جدا وهذا ما يشرح التغيرات التي حصلت في الحكومات الاوروبية، مشيرا الى ان بعض الدول الاوروبية كانت قد اتبعت قبل الازمة مسار زيادة المديونية كنهج اقتصادي معتبرا ان ذلك كان حلا مؤقتا لمعالجة وايفاء المستحقات المالية المطلوبة منها موضحا ان ازمة اوروبا الحالية ادت الى تفاقم الديون التي ارتفعت الى مستويات اثرت سلبا على الناتج الاجمالي المحلي نظرا للنفقات الاضافية التي فرضتها الازمة مثل دفع الاجور واعانات العاطلين عن العمل.
واشار في هذا السياق الى ان هذا ينطبق ايضا على المانيا على سبيل المثال التي رغم مستواها الاقتصادي الجيد إلا ان مديونيتها ارتفعت إلى ما يزيد عن 80 بالمائة من إجمالي ناتجها المحلي، مؤكدا أن أزمة الديون أثرت بطريقة سلبية جدا على مستوى مديونية الدول الاوروبية ذلك انه قبل الازمة كانت المديونية مرتفعة لكن مقبولة اما بعد الازمة فاصبحت المديونية عبء لا تستطيع حكومات الدول الاوروبية مواجهته منفردة بمعزل عن القرار الاووربي والعالمي.
من جانبها، حذرت كايسف اولوسكايد رئيس قسم التجارة الدولية السويدية نائب المدير العام في قسم سياسات التجارة الدولية بوزارة الخارجية السويدية، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية (قنا)، من تأثير سياسات التقشف على التجارة الاوروبية، مطالبة صناع القرار في الدول الاوروبية بالتعاون فيما بينهم لمواجهة انتشار الازمة في اوروبا خوفا من انتقال عدوى الانهيارات المالية من بلد الى آخر جراء سوء التعامل مع الازمات.
وحذرت من ان سوء معالجة الازمات الاقتصادية التي تمر بها بعض الدول الاوروبية سيؤثر سلبا على البلدان النامية والفقيرة ايضا وعلى العالم باسره، مضيفة أن انتشار الازمات الاقتصادية والمالية في اماكن مختلفة من العالم ادى ببعض الدول إلى اتخاذ إجراءات حمائية وفرضت محاذير على فتح اسواقها لافتة الى ان السويد تعتقد ان اغلاق الاسواق ليس حلا لتفادي الازمة بل على العكس تعتقد انه من الأساسي إبقاء الاسواق مفتوحة لصالح الدول النامية والمتقدمة على حد سواء.
واشارت المسؤولة الاقتصادية السويدية الى انه على الرغم من ان السويد تتمتع بوضع مالي يعد الاكثر متانة في اوروبا، الا ان للازمة الاوروبية اثارا سلبية كون الاقتصاد السويدي يعتمد على التصدير وخاصة للدول الاوروبية حيث يشكل 60 بالمائة من حجم تجارتها مع اوروبا. وشدد تكايسف اولوسكايد على ان السويد بمنأى عن ازمة الديون التي تشهدها دول منطقة اليورو، لافتة الى ان السويد تعلمت درسا لكيفية تلافي مثل هذه الازمات جراء أزمتها التي تعرضت لها في مطلع التسعينات من القرن الماضي مما دفعها إلى إجراء العديد من الإصلاحات في ذلك الوقت.
واوضحت انه على اوروبا ان تستوحي من الخطوات التي اتخذتها السويد في مواجهة اخطر الازمات الاقتصادية التي شهدتها بعد سنوات من المضاربات العقارية، وخفض الضوابط على اسواق القروض، منوهة بأن الحكومة السويدية سيطرت على مصاريفها المتعثرة لقاء منحها مساعدة طارئة، وبعد انتهاء الازمة باعت الدولة جميع استثماراتها في المصارف المؤممة واستعادت الاموال التي كانت ضختها في هذا القطاع.
واشارت الى انه ومنذ ذلك الحين وضعت الدولة هدف تحقيق فائض في الموازنة نسبته 1 بالمائة بمرور الوقت والمحافظة على ذلك، مما جعل لدى الحكومة مقدارا كبيرا من المرونة للتعامل مع نفقات عجز عندما تراجع الاقتصاد.
من جانبه، اشار إيمانويل مونتانيي مساعد مدير جمعية المؤسسات الاقتصادية الفرنسية "ميداف" للشؤون الدولية الى المصاعب التي تواجه الشركات والمؤسسات التجارية جراء ازمة ديون منطقة اليورو والمتعلقة بصعوبة حصولها على التمويل جراء اجراءات التقشف التي تطبقها بعض الدول الاوروبية كحل لازماتها المالية والتي انعكست على القطاع المصرفي وتقييد فرص الاقراض.
ولفت مونتانيي، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية (قنا)، الى العوائق التي تواجه الشركات الاوروبية في تمويل مشاريعها التجارية خلال المرحلة الحالية وهو ما انعكس سلبا على سير مشاريع تلك الشركات نظرا لاهمية عنصر التمويل لتوسع اعمالها في الداخل والخارج الاوروبي.
وقال ان العام 2008 شهد ارتفاعا في اسعار الخدمات والسلع وهو ما آثر على نطاق عمل الشركات، أما اليوم فإن الاسعار ترتفع ببطء غير ان المشكلة التي تواجه الشركات تكمن في صعوبة الحصول على التمويل اللازم لمشاريعها جراء تزايد الشروط التي تفرضها المؤسسات المصرفية.
واشار مونتانيي في هذا السياق الى تأثير تطبيق البنوك الاوروبية لبنود اتفاقية "بازل 2" على القروض جراء الشروط التي تفرضها هذه الاتفاقية خاصة لجهة كفاية راس المال والفرض على البنك الاحتفاظ بنسبة عالية من الراسمال، وهو ما ادى الى انحسار فرص الحصول على القروض للمؤسسات وخاصة للمؤسسات ذات الاوضاع المالية المتوسطة وهو ما انعكس سلبا على تطوير ونمو اعمالها كنتجة لعدم حصولها على التمويل اللازم.
وعن تأثير سياسة التقشف على التجارة والاعمال، قال ان الدول لم تتجه بعد إلى سياسة التقشف ولكن يبدو واضحا ان المواطنين في فرنسا بدأوا عمليات الادخار تحسبا للمستقبل مما ادى إلى زيادة الاحتياطيات في البنوك الفرنسية.
واعتبر مساعد مدير جمعية المؤسسات الاقتصادية الفرنسية "ميداف" للشؤون الدولية، ان ابرز الانعكاسات السلبية للمسار التقشفي الذي اتبعته دول منطقة اليورو لحل ازمة الديون خلال المرحلة الماضية هو لجوء المستهلكين الى ضبط النفس وتقليل الانفاق، وهو ما ادى الى التأثير على معدلات النمو، لافتا الى ان النمو في فرنسا كان مرتبطا بالاستهلاك المحلي على عكس النمو الذي كان في المانيا والذي كان يعتمد على الصادرات، غير ان الاستهلاك المحلي بدأ في التقلص لان الناس ادركوا صعوبة الموقف واصبحوا حذرين لناحية الانفاق.
ونظرا لارتباط السياسة بالاقتصاد والعلاقة الجدلية القائمة بينهما، فهنا يكمن التساؤل حول مواصلة الدول الاوروبية مسارها التقشفي للخروج من ازماتها، لاسيما مع اختلاف وجهات النظر بين مؤيد ومعارض لهذا النهج الذي اتبعته دول منطقة اليورو لمعالجة الازمة والتي على اساسها تم اقرار خطة الانقاذ المالي الثانية لليونان وغيرها من الدول، في ضوء التغيرات السياسية الحاصلة في عدد من دول اليورو.
فالجدلية القائمة حاليا تكمن في امكانية حصول اليونان على الحزمة الثانية من الانقاذ المالي التي اقرتها دول منطقة اليورو بالكامل خاصة بعد نتائج الانتخابات التشريعية والتي افرزت فوز الاحزاب المحافظة واليسارية المتطرفة الرافظة لبرنامج الانقاذ الاوروبي والدولي المعتمد على سياسة التقشف.
وكان وزراء مالية دول منطقة اليورو توصلوا في شهر فبراير الماضي إلى توافق حول منح اليونان حزمة إنقاذ مالي ثانية بقيمة 130 مليار يورو حيث وبفضل خطة الدعم تمكنت اليونان من تسديد 14.5 مليار يورو في 20 مارس الماضي قيمة سندات مستحقة وتفادي خطر الإفلاس ، في حين حصلت اليونان على حزمة إنقاذ أولى بقيمة 110 مليارات يورو صرفت على دفعات اعتبارا من مايو 2010.
التساؤل المطروح ايضا، هل ستحافظ الدول الاوروبية على تطبيق هذا النهج التقشفي خاصة مع بروز ازمة هولندا الاشد مناصرة لسياسات التقشف الى جانب المانيا؟ حيث تعاني هولندا من أزمة اقتصادية منذ شهر يوليو الماضي حيث فشل التوصل إلى اتفاق واضح لمواجهة العجز في البلاد في ظل دعوة بعض الأحزاب إلى زيادة التقشف في حين تعتبر احزاب اخرى أن خفض العجز بنسبة تفوق 4 بالمائة يؤثر سلبا على النمو ويسفر عن ارتفاع في نسبة البطالة وسط توقعات أن تبلغ نسبة العجز في ميزانية العام المقبل 4.6 بالمئة.
ولعل الخوف المحدق ان تنتقل الازمة الاوروبية من دولة الى اخرى وهو ما يهدد عرقلة الجهود الرامية لتهدئة المخاوف من انتشار عدوى أزمة الديون السيادية خاصة على ضوء الترابط الاقتصادي القائم بين تلك الدول والاخطار المحدقة في اقتصاديات تلك الدول والتي عمدت الى تطبيق سياسات التقشف للسيطرة على عجز ميزانيتها حيث اظهرت احصاءات رسمية ارتفاع معدل البطالة فى اسبانيا الى 24.4 بالمائة خلال الربع الأول من العام الجارى وتجاوز عدد العاطلين عن العمل حاجز الـ5 ملايين و600 ألف شخص حتى نهاية مارس الماضي.
وتواجه اسبانيا صعوبات كبيرة، خاصة في استعادة النمو إلى اقتصادها والذي يواجه حالة الركود من جديد مع ارتفاع العجز إلى 8.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2011.
العالم كله ينتظر الجواب واعادة تشكيل الموقف خاصة بعد ان اعلن الرئيس المنتخب الفرنسي فرانسوا هولاند فور انتخابه انه يريد ان يجعل النمو وخلق الوظائف والازدهار والمستقبل، في صلب السياسة المالية الاوروبية، وأن يوضح لالمانيا وشركائه الاخرين ان "التقشف ليس المسار الوحيد" حيث قال في مقابلة تلفزيونية "إن ألمانيا لا تستطيع أن تأخذ بمفردها قرارات تخص أوروبا"، وأضاف "ان دولا عديدة تنتظر القرار الفرنسي، وإن الانتخابات ستمثل تحولا في أوروبا".
ورغم ان الرئيس الفرنسي الجديد لا يعتزم التخلي بالكامل عن السياسات التقشفية، إلا انه يقود التحول في الطرح الأوروبي نحو سياسات تسعى إلى تعزيز النمو الاقتصادي على المدى القصير حيث طالب بإعادة التفاوض على الاتفاقية النقدية الأوروبية لإضافة بنود جديدة تهدف إلى تعزيز النمو وتوفير وظائف، مثل إصدار سندات مشتركة لتمويل مشاريع البنية التحتية.
العديد من التساؤلات وغيرها يتوقع الاجابة عليها خلال الاجتماع الطارئ لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي المزمع عقده في بروكسل في 23 من شهر مايو الجاري لبحث سبل تعزيز النمو الاقتصادي في أوروبا، بانتظار ان يكون هذا الاجتماع خارطة طريق والحل الناجع لازمة اوروبية تلقي بتداعياتها السلبية على اقتصادياتها وعلى العالم باسره في ظل عجز واضح على بلورة رؤية تخرج من المأزق، ويبقى السؤال هل سيبقى التقشف سيد الموقف لمواجهة تلك الديون خلال المرحلة القادمة؟