حكومة تونس تريد "سنة بيضاء" والنقابة الأكبر تصرّ على زيادة الأجور
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عادت الأجواء في تونس إلى التوتر بين النقابة العمالية الأكبر (اتحاد الشغل) والحكومة الموقتة، ففيما دعت الحكومة إلى اعتبار 2012 سنة بيضاء نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب، أصرّ الإتحاد العام التونسي للشغل على إقرار زيادة في أجور الموظفين رافضا "التلاعب بحقوق الشغالين والمحرومين والفقراء".
تونس: أمام تدهور المقدرة الشرائية للمواطن التونسي تعالت الأصوات منادية بالزيادة في أجور الموظفين حتى يجابهوا غلاء الأسعار الذي شهد شططا كبيرا بعد الثورة بسبب التهريب والإحتكار.
ولئن دعت الحكومة إلى اعتبار 2012 سنة بيضاء نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد فإن الإتحاد العام التونسي للشغل أصرّ على إقرار زيادة في أجور الموظفين رافضا "التلاعب بحقوق الشغالين والمحرومين والفقراء"، وبين هذا الرأي و ذاك، أكّد سياسيون وخبراء اقتصاديون اعتماد الحوار منهجا للخروج من هذه التجاذبات بعيدا عن "سياسة ليّ الذراع".
لا لسنة بيضاء
الأمين العام التونسي للشغل (النقابة الأكبر في تونس) حسين العباسي عبّر عن استغرابه من دعوة الحكومة إلى سنة بيضاء دون زيادات في أجور الشغالين وأكد رفض الإتحاد رفضا قطعيا لمقترح الحكومة معلنا عن تمسك المنظمة الشغيلة بضرورة الإعلان عن المفاوضات الاجتماعية قبل غرة جوان القادم.
وقال العباسي: "كان على الحكومة الانكباب على عدة ملفات على غرار إصلاح الجباية والحزم في توفير موارد جديدة للدولة باسترجاع الأموال المنهوبة وبإلزام رجال الأعمال بالاستثمار وتحمل مسؤولياتهم في التشغيل والتنمية".
وأصرّ الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل على رفض تحميل المسؤولية للأجراء والفقراء داعيا الحكومة إلى "تفاوض جدّي ومسؤول وإلى فعل حقيقي بعيدا عن الوعود المغرية التي لم تر تجسيدا على أرض الواقع".
اتحاد الشغل أكّد في بيان اطلعت عليه (إيلاف) "وجوب الإسراع بإنهاء المفاوضات الاجتماعية على أن تكون لسنة واحدة، وأن تتّسم بالجدّية والمسؤولية إنصافا للطبقة الشغيلة التي تدهورت مقدرتها الشرائيّة مع التهاب الأسعار وتزايد الثقل الضريبي، ويجدّد رفض اعتبار سنة 2012 سنة بيضاء يتمّ فيها تحميل تبعات الأزمة على كاهل الشغالين والفئات المفقّرة".
وحذّر من "خطورة التراجع في الاتفاقيات العامّة والقطاعية الممضاة ونبّه من التلكّؤ في تنفيذها ويدعو إلى الإسراع في تطبيقها احتراما للالتزامات والتعهدات وحماية للحوار الاجتماعي ولمصداقية التفاوض".
نعم لحقوق الشغالين
رئيس الحكومة حمادي الجبالي أكد أنه ليس واردا أن تنال حكومته من حقوق الشغالين أو التغاضي عن مطالبهم المشروعة في الكرامة والعدالة الإجتماعية.
وقال الجبالي:" الثورة التونسية لا تتحقق أهدافها إلا بالنهوض بأوضاع العمال وبرفع مرتباتهم وتحسين ظروف عملهم"، وأمل في أن تتمّ "صياغة مقاربة تجمع بين الاستجابة لمطالب الشغالين، من ناحية، وتوفير الموارد التي تتطلبها عملية التنمية، من ناحية أخرى".
أما وزير الشؤون الإجتماعية خليل الزاوية فقد أكد أنّ الخلاف القائم مع الإتحاد العام التونسي للشغل يعود إلى رفض الطرف النقابي التفاوضعلى الزيادة في الأجور على أكثر من سنة بينما ترى الحكومة أن التفاوض على سنة واحدة لا توضح الصورة أمام المستثمرين وبالتالي قد تعطل فرص الإستثمار ولا تسمح بوضوح الرؤيا.
الالتزام بالاتفاقيات المبرمة سابقا
الخبير الاقتصادي و المالي نوفل الزيادي يقول في إفادة لـ"إيلاف" :" مسألة المفاوضات الإجتماعية الإتفاقيات التي تم إبرامها سابقا، من واجب الحكومة احترام تعهداتها اعتبارا إلى أن هذه التعهدات صحيح أنها تمت مع الحكومة السابقة ولكن بعد مفاوضات نتيجة استجابة لأوضاع اجتماعية صعبة، وتعتبر الزيادة في الأجور والترقيات مسألة ضرورية والوضع الإقتصادي الحالي يمكننا من الإستجابة لبعض المطالب الإجتماعية".
وأضاف الزيادي:" المسألة الثانية هي أنّ أموالا طائلة ترصد اعتبارا للعدد الكبير من الوزراء والمستشارين فبالأمس مثلا تم الإعلان في فرنسا عن واحد وثلاثين وزيرا إلى جانب تخفيض الرواتب بنسبة الثلث بينما في تونس البلد الأصغر يتم تعيين ضعف ذلك أو أكثر وراتب عضو المجلس التأسيسي 2300 دينار".
تحمّل المسؤوليات
يتحدث الزيادي عن ضرورة تحمّل الحكام مسؤولياتهم فيقول :"كان من الضروري أن يتحمل الجميع مسؤولياتهم وبما أننا نعمل على الحصول على القروض ونستجدي رجال الأعمال الذين استثروا من الشعب لبعث صندوق الكرامة و التشغيل، فلماذا لا يتم التعامل الصارم مع هؤلاء الذين توجد أموالهم في تونس وبهذه الطريقة تكون الميزانية قادرة على الاستجابة للزيادة في أجور الشغالين التي سيكون لها بالضرورة تأثير على الطلب والإستهلاك ، وهو يساهم في الدورة الاقتصادية والمقدرة الشرائية لأن المعروف هو طالما هناك أسعار غالية هناك نسبة تضخم كبيرة وبالتالي يجب على الحكومة أن تستجيب لمطالب الطبقة الشغيلة".
وعن إمكانية أن تكون هذه المفاوضات عبارة عن ليّ ذراع يقول نوفل الزيادي الأستاذ في الجامعة التونسية: "لا أعتقد ذلك، فهل تعتبر سياسة ليّ ذراع عندما يطالب الإتحاد العام التونسي للشغل بتوفير فرص عمل والزيادة في أجور الموظفين بعد الارتفاع المشطّ في الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية للمواطن ، هناك اتفاقات تم إمضاؤها فكيف تتنصل منها الحكومة الآن اعتبارا إلى أنه تم إمضاؤها من طرف الحكومة السابقة بينما توافق على بقية الاتفاقيات التي تستفيد منها وبالتالي فالمطالبة بتطبيق الاتفاقيات الحاصلة ليست مسألة ليّ ذراع من طرف اتحاد الشغل".
الوضع الاقتصادي والسؤال المطروح
يؤكد الخبير الإقتصادي والمالي نوفل الزيادي عدم صحة القولإن الحكومة غير قادرة على تلبية مطالب الشغالين:" إذا كانت الحكومة غير قادرة فعلا على تلبية مطالب العمال والموظفين أمام الظرف الاقتصادي الصعب فكيف يتم الحديث الآن عن التعويضات للمساجين السياسيين وصندوق الكرامة والأموال المصادرة وغيرها كما أنّ الزيادة التي ستقرر لن تكون مرهقة للميزانية العامة للدولة وبالتالي من المغالطة الحديث عن عدم قدرة الحكومة الإستجابة إلى المفاوضات الإجتماعية".
من جانبه، يوضح وحيد ذياب رئيس حزب "قوى 14 جانفي" أنّ :"الحكومة تقول إن الوضع الإقتصادي للبلاد صعب وبالتالي فهي غير قادرة على تلبية طلبات الإتحاد العام التونسي للشغل بزيادة رواتب الموظفين وتطالب بأن تكون 2012 سنة بيضاء وهو ما يرفضه اتحاد الشغل ولكنها في الوقت نفسه تستعد لتقديم التعويضات للمساجين الذين نجد عددا منهم يستفيدون حاليا وينالون بطرق غير مباشرة التعويضات فالبعض منهم في الوزارات والمجلس التأسيسي بينما هناك من التونسيين من تضرروا بعد الثورة في أملاكهم وأرزاقهم والبعض الآخر نال من إمكانياتهم وقدراتهم الشرائية الارتفاع في الأسعار، فكيف تطلب منهم الحكومة أن يصبروا".
لا حلّ إلا بحوار وطني
بعيدا عن حالة الاحتقان بين الحكومة والإتحاد العام التونسي للشغل، لا يرى نوفل الزيادي حلّا غير الحوار الوطني وبمشاركة كل الأطراف وبعيدا عن منطق الربح و الخسارة والتفرّد باتخاذ القرارات.
ويرى أنّ اتحاد الشغل يضمّ وجوها من اليسار، واليسار يعمل من أجل إسقاط الحكومة ، ومراعاة لمصلحة البلاد لا بأس من اتخاذ بعض التنازلات من هذا الطرف أو ذاك والاتفاق على عقد اجتماعي والحكومة التي تحترم نفسها وتسير دوما إلى الأمام هي القادرة على إدارة الحوار مع جميع الأطراف والخروج دوما بحلول وبمشاركة الجميع.
أما رئيس حزب قوى 14 جانفي وحيد ذياب ففي إفادته لـ"إيلاف" يوضح ضرورة توفر الحل التوافقي لمصلحة البلاد ويقول:" الشعب التونسي بعد الثورة مرّ بمرحلة صعبة والطاقة الشرائية أضحت متدهورة نتيجة ارتفاع كبير لأسعار المواد الغذائية وغيرها، وبالتالي من حقّ الشغالين أن تتم مراعاة إمكانياتهم ومقدراتهم".
من ناحيته أكد وزير الشؤون الإجتماعية خليل الزاوية أن فرص الحوارلا تزال قائمة وأنه متأكد من أنّ الحكومة ستجد صيغة للاتفاق مع الطرف النقابي واتحاد الشغل " المنظمة المسؤولة" تعرف حقيقة الوضع الاقتصادي وتعرف كذلك مصلحة البلاد.
الأمين العام المساعد للإتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري أصرّ هو الآخر على أنّ الحكومة مطالبة بمراجعة قرارها بجعل 2012 سنة بيضاء دون زيادة في أجور العمال والعمل من أجل إيجاد مخرج يرضي جميع الأطراف وهو ما يؤسس فعلا لعلاقة تسودها الثقة وإشاعة الاستقرار.