اقتصاد

غلاء قياسي لأسعار العقارات في قطاع غزة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

غزة: مرت ثلاثة أعوام على سكن الشاب محمد زيارة داخل غرفة في شقة عائلته بمدينة غزة، ومازال حلمه بالانتقال إلى منزل خاص به مع زوجته وطفليه بعيد المنال بالنظر إلى دخله غير المنتظم والأعباء الاقتصادية التي تحاصره كحال غالبية سكان القطاع الساحلي.

ويقول زيارة الذي تجاوز الثامنة والعشرين من عمره ويعمل خياطا، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن مجرد التفكير بحلم الاستقرار مع أسرته الصغيرة في مسكن مستقل أمر يرهقه ويعد من ضروب الخيال.

ويضيف أنه عادة ما يتلعثم بالحديث عند مناقشة الأمر مع زوجته وعائلته المكونة من سبعة أفراد يقيمون جميعا في شقة لا تتجاوز مساحتها 120 مترا.

وتبدو الخيارات شبه منعدمة أمام هذا الشاب، فهو من جهة غير قادر على استئجار شقة مستقلة لأنه لا يقدر على سداد إيجارها الشهري الذي يصل في أقل حدوده إلى 250 دولارا.

كما انه يحتاج إلى "معجزة" ليتمكن من شراء قطعة أرض صغيرة وبناء منزل عليها نظرا لأسعار الأراضي التي ترتفع يوما بعد يوم، حسب ما يقول.

وشهدت أسعار العقارات في قطاع غزة في العامين الأخيرين ارتفاعا كبيرا بسبب المضاربات العقارية وزيادة الطلب ونقص العرض.

ويقول زيارة بنبرات يائسة، إنه يفكر كل يوم بمستقبل أطفاله، وماذا ينتظرهم داخل غرفة صغيرة ؟، لكنه لا يجد إجابات لذلك.

وتسبب الحصار المشدد الذي فرضته إسرائيل على غزة منتصف يونيو 2007 إثر سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على الأوضاع فيه بالقوة، بشلل كلي لقطاع العقارات نتيجة حظر الدولة العبرية توريد مواد البناء.

وسمح ما أدخلته إسرائيل من تسهيلات مطلع يوليو 2010 استجابة لضغوط دولية، إلى جانب تصاعد عمليات تهريب مواد البناء من مصر إلى غزة عبر الأنفاق، بانتعاشة هائلة لعجلة الإعمار، عنوانها الرئيسي ارتفاع قياسي في أسعار العقارات.

وتظهر إحصائيات رسمية أن عدد رخص البناء الصادرة في قطاع غزة في الربع الأول من العام الجاري سجل ارتفاعا بنسبة 15.3 في المائة مقارنة مع العام الماضي.

ويعتبر قطاع غزة البالغ مساحته 360 كم مربعا ويبلغ تعداد سكانه قرابة المليون ونصف نسمة، من أكثر مناطق العالم اكتظاظا.

ويعد تنامي مساحة العمران على حساب الأراضي الزراعية أزمة بالنسبة للقطاع الساحلي، خاصة أن المساحة العمرانية تسجل تزايدا بنسبة 3 في المائة سنويا، وفق إحصائيات رسمية.

ويعزو الخبير الاقتصادي من غزة معين رجب لـ((شينخوا)) الارتفاع القياسي للعقارات في غزة إلى كثافة إقبال المستثمرين على مجال الأعمار سواء بشراء الأراضي الصالحة للبناء أو إقامة المشاريع السكنية.

وقال تاجر عقارات يدعى عبد الرحيم منصور، إن متوسط أسعار الوحدات السكنية حاليا يتراوح بين 60 إلى 100 ألف دولار، تختلف من منطقة إلى أخرى حسب الموقع، إلا أنها بالمجمل مرتفعة.

وذكر منصور لـ((شينخوا))، أن معدلات الأسعار في تصاعد يومي نتيجة تنامي الاستثمارات في مجال العقارات.

وحسب مختصين، فإن الغلاء الفاحش في العقارات يعود بالدرجة الأساسية إلى لجوء العشرات من رجال الأعمال إلى الاستثمار المفتوح في المجال بالنظر إلى كثرة الطلب عليه وتوفر مواد البناء الواردة عبر الأنفاق مع مصر بأسعار معقولة نسبيا.

وقال تاجر أراض طلب عدم ذكر اسمه "نتحدث عن عشرات وربما مئات التجار ورجال الأعمال الذين جمعوا أموالا طائلة من تجارة الأنفاق خلال فترة الحصار، ثم ضخوا كل ما لديهم في مجال العقارات بعد تراجع عمل الأنفاق".

وتتركز أوجه المعاناة من الارتفاع القياسي في أسعار الأراضي على مدينة غزة والمناطق المجاورة لها التي يقول مختصون، إن سعر المتر ارتفع بنسبة توازي 200 في المائة خلال عامين.

وينعكس غلاء أسعار الأراضي على الوحدات السكنية التي يعاني قطاع غزة من عجز حاد في كثرة الطلب عليها وقلة العرض.

وتباع شقق سكنية في بنايات من خلال الحجز المسبق حتى قبل بدء تشييدها.

وقال مدير دائرة التنظيم والتخطيط الحضري في بلدية غزة مؤنس فارس لـ((شينخوا)) إن عدد التراخيص المقدمة لإقامة مباني سكنية خلال الخمسة الشهور الأولى من العام الجاري في المدينة بلغ أكثر من 600 طلب، بمتوسط 120 ترخيص شهريا.

وذكر فارس أن البلدية شكلت أخيرا لجنة خاصة لإعادة تقييم ودراسة الأنظمة المتعلقة بتراخيص البناء نتيجة ندرة وارتفاع أسعار الأراضي المتاحة للبناء والمشاكل التي يواجهها السكان وسبل حلها.

وزادت عملية (الرصاص المصبوب) العسكرية التي شنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة نهاية العام 2008 ومطلع عام 2009 من حدة الأزمة، لما أحدثته من دمار هائل طال آلاف المنازل السكنية والمنشآت العامة ومختلف مجالات البنية التحتية.

ويقول وزير الإسكان في الحكومة المقالة التي تديرها حركة حماس يوسف المنسي لـ((شينخوا)) إن قطاع غزة يحتاج لأكثر من مائة ألف وحدة سكنية لمواجهة النمو السكاني الحاصل فيه وتعويض سنوات الحصار الإسرائيلي السابقة.

ويلوم عاملون في مجال العقارات الحكومة المقالة على عدم تدخلها لضبط الأسعار وترك الباب مفتوحا للمضاربة بين التجار.

غير أن المنسي ينفى أي مسؤولية لحكومته عن ذلك، ويقول إن الغلاء والانخفاض في الأسعار يعود لسياسة العرض والطلب.

وأجبرت هذه المعادلة محمد سعد (38 عاما) وهو موظف حكومي، على شراء قطعة أرض في الأطراف الحدودية لمدينة غزة عوضا عن منزله الصغير الذي كان يتوسط المدينة.

ويقول سعد إن منزله السابق لم يعد يحتمل أن تعيش فيه أسرته المكونة من 15 فردا فقرر بيعه، لكنه أجبر على اختيار منطقة نائية ليتلاءم سعر الأرض فيها مع إمكانياته المالية المحدودة وتشييد منزل جديد أوسع.

ويقول ناشطون في منظمات أهلية إن أزمة العقارات باتت تثير غضبا واسعا لدى السكان بعد أن أثقلت سنوات الحصار والحرب أوضاعهم الاقتصادية.

ويرى الخبير الاقتصادي رجب، أن اللوم يقع على عاتق فئة من التجار نمت من خلال ظاهرة أنفاق التهريب غير القانونية من دون رقابة حكومية، ثم عملت في مجال الاستثمار وتحصيل المكاسب الوفيرة دون أن يكون لها أي معاملات مصرفية أو أنشطة تجارية مرخصة توضح مصادر دخلها.

ويعتبر الناشط الحقوقي في غزة خليل أبو شمالة، أن الأمر بمحصلته يمثل "انتهاكا آخر من انتهاكات حقوق الإنسان" لسكان غزة.

وقال أبو شمالة لـ((شينخوا)) إن الأمر يهدد مستقبل أجيال قادمة قد لا تجد مأوى لها دون أن تجد جهة تلتفت لمعاناتها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف