اقتصاد

قمة اليورو ... أمام إختبار الديون "الأصعب"

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بروكسل: تنتظر الأسواق الأوروبية حلولاًمن قمة بروكسل التي تنطلق يوم الخميس وتستمر يومين أملاً في عودة منطقة اليورو إلى طريق التعافي والازدهار والخروج من أزمة الديون التي فرضت على دولها سياسيات تقشفية صارمة وبما يعطي في الوقت ذاته دفعا للاقتصاد العالمي لاستعادة قوته.

وينظر الأوروبيون والعالم إلى هذه القمة باعتبارها "فرصة لا يمكن لأوروبا إضاعتها" وهو التحذير الذي جاء على لسان رئيس الحكومة الإيطالية ماريو مونتي من أن خروج القمة بـ "إجابات ضعيفة" أمام الأزمة المالية سيؤدي إلى "تكالب المضاربات" ليس نحو الدول الأقل ضعفا مثل إيطاليا وإنما اتجاه "أوروبا ذاتها". وفي تقرير صدر حديثا حذرت الأمم المتحدة من أن "أزمة ديون منطقة اليورو هي أكبر خطر على الاقتصاد العالمي وأن تفاقمها قد يؤدي إلى تدهور النمو العالمي".

وقالت المنظمة في تقريرها بشأن وضع الاقتصاد العالمي وآفاقه في عام 2012 " إن أزمة ديون منطقة اليورو مازالت أكبر خطر على الاقتصاد العالمي" مشيرة إلى أن "تصاعد الأزمة قد يقترن باضطرابات شديدة في الأسواق المالية وزيادة حادة في العزوف عن المخاطرة على مستوى العالم ما يؤدي إلى انكماش النشاط الاقتصادي في الدول المتقدمة وامتداد الأثر إلى البلدان النامية والاقتصادات التي تشهد تحولا". وقبيل انعقاد القمة بساعات التقى وزراء مالية أكبر أربع اقتصاديات في منطقة اليورو "ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا" في العاصمة الفرنسية باريس للتحضير لقمة بروكسل حيث أكدوا ضرورة أن تظهر قمة الغد قدرة أوروبا على تحقيق الاندماج في مجال السياسة المالية والموازنة وعلى دفع سياسة النمو قدما والخروج من الأزمة التي ضربت أوروبا في ديسمبر 2009.

وسبق قمة بروكسل أيضا ما عرف بلقاء "الأربعة الكبار" في روما والذي ضم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند ورئيس وزراء إيطاليا ماريو مونتي ورئيس وزراء إسبانيا ماريانو راخوي و تم خلاله الاتفاق على خطة للتنمية داخل دول الاتحاد يصل حجمها إلى 130 مليار يورو "164 مليار دولار" تعادل 1 في المائة من إجمالي الناتج الأوروبي بغرض التخفيف من آثار أزمة اليورو ومنح إجراءات تحفيز النمو الاقتصادي أولوية لحل أزمة الديون الراهنة في المنطقة وإنعاش الاقتصادات المتعثرة مثل أسبانيا واليونان وإيطاليا.

وتتردد أنباء بأن القمة الأوروبية قد تقر خطة لإنفاق عشرات المليارات من اليورو لتعزيز استثمارات البنية الأساسية داخل الاتحاد الأوروبي والتي من المتوقع أن تستهدف رصد 180 مليار يورو لتمويل سلسلة من مشروعات البنية الأساسية في مختلف أنحاء الاتحاد ومنها الدول الأشد تعثرا وذلك في إطار خطة التحفيز التي ناقشها قادة الدول الأربع خلال لقاء روما الأخير.

ومن المقرر أن يتم توفير تلك المبالغ من تعزيز البنك الأوروبي للاستثمار لمشاريع السندات "قروض مشتركة لتمويل البنى التحتية" ومن صناديق أوروبية غير مستعملة بعد.

وقد تعالت دعوات في منطقة اليورو تطالب بضرور العمل على سرعة إنشاء اتحاد للمصارف على المستوى الأوروبي وضمان الودائع و وضع ما تسمى بـ ''آلية جديدة لسياسة تعزيز الأسواق'' لمساعدة البلدان التي تواجه الأزمة على أن تطبق هذه الآلية على الدول التي ''تحترم القواعد المفروضة على تسيير الميزانية العامة والإصلاحات الهيكلية''. ففي إيطاليا وصلت نسبة تكلفة الاقتراض للسندات الإيطالية لمدة عشر سنوات 6 في المائة وما زالت في ارتفاع وسط توقعات بأن ضعف صادرات إيطاليا قد يهدد النمو الاقتصادي لمدة عام آخر على الأقل خاصة أن روما مثقلة أيضا بدين عام يصل إلى تريليوني يورو.

وخلال الأسبوع الماضي اقترحت حكومة رئيس الوزراء ماريو مونتي استخدام أموال الإنقاذ لمنطقة اليورو في تقليل تكاليف الاقتراض بالنسبة للدول الأعضاء عبر شراء سندات هذه الدول عندما يرتفع سعر العائد عليها في الأسواق المالية إلى مستويات خطيرة وهي الفكرة التي ستفيد أسبانيا وإيطاليا اللتين تدفعان عائدا مرتفعا للغاية على سنداتهما يصل إلى 6 في المائة بل قد يتجاوز ذلك في بعض الأحيان. واقترحت إيطاليا أيضا ما يعرف باسم "القاعدة الذهبية" التي تعطي الدول المتعثرة ماليا هوامش للاستثمار في مشروعات البنية الأساسية والقطاعات الاقتصادية التي تقود النمو مع استبعاد مخصصات هذه المشروعات من حساب معدل العجز في ميزانية هذه الدول.

كما يقترح مونتي الذي شغل في السابق منصب مفوض شؤون تنظيم الأسواق والمنافسة في المفوضية الأوروبية منح المفوضية المزيد من السلطات لكي تتمكن من فتح أسواق الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وهو الإجراء الذي يعتقد أنه يستهدف سوق الطاقة والنقل في ألمانيا.

أما في إسبانيا رابع أكبر اقتصاد أوروبي فقد طلبت الحكومة من دول منطقة اليورو مساعدة مالية يتوقع اقتصاديون أن تصل إلى حوالي 100 مليار يورو بهدف إنعاش مصارفها وإنقاذها من الإفلاس علما بأن تقارير كانت تشير في البداية إلى أن القطاع المصرفي الإسباني بحاجة إلى 62 مليار يورو من رؤوس الأموال. ويأتي ذلك بعد أن أعلنت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني أنها خفضت التصنيف طويل الأمد لقروض 28 مصرفا ومؤسستين لإقراض الأموال في إسبانيا درجات تتراوح من واحدة إلى أربع درجات وقالت الوكالة إن "هذا القرار يأتي بعد تراجع المستوى الائتماني للحكومة الإسبانية الذي تجلى في 13 يونيو الجاري بخفض تصنيف "الديون الإسبانية السيادية الطويلة الأمد ثلاث درجات إلى "بي إيه إيه 3" أي أعلى بدرجة واحدة فقط من فئة استثمارات "المضاربة".

وبلغت الفائدة على السندات الإسبانية التي تبلغ مدتها عشر سنوات 6.69 في المائة وهو ما دفع الحكومة إلى الطلب بالتدخل مجددا لمساعدتها في مواجهة ضغوط الأسواق المالية فيما اعتبر محللون أن وصول العائد على السندات إلى 7 في المائة "مؤشر خطير للغاية". وتدعو إسبانيا إلى إنشاء وكالة للديون وإصدار "سندات اليورو" وضمانات جماعية لودائع البنوك كجزء من الوحدة المصرفية الأوروبية في الوقت الذي تقدمت فيه مدريد بطلب للحصول على قروض أوروبية لتمويل إعادة رسملة بنوكها المتعثرة وحمايتها من الانهيار والتي تضررت جراء أزمة الرهون العقارية والركود الاقتصادي الذي تشهده البلاد.

وفي اليونان بادر الاتحاد الأوروبي بإعطاء أثينا مهلة عامين إضافيين لتحقيق توازن في الميزانية من أجل المساعدة "قدر الإمكان" على تجاوز الأزمة وإعادة الاستقرار لليونان ولباقي دول منطقة اليورو. ويرى مراقبون أن حكومة اليونان الجديدة بقيادة المحافظين ستأخذ على عاتقها مهمة إعادة التفاوض بشأن تخفيف الإجراءات التقشفية المفروضة من قبل المانحين الدوليين والأوروبيين الذين سارعوا من جهتهم بالترحيب بهذه الحكومة.

وتؤكد فرنسا من جانبها أن التعافي الاقتصادي يجب أن ينطلق أولا من الإجراءات التقشفية مع ضرورة العمل من أجل تركيز الجهود للنهوض بالاتحاد وتؤيد باريس دعوة ألمانيا بمزيد من الوحدة السياسية لدول الاتحاد وهو ما يعني "ضرورة تخلي الدول الأعضاء عن جزء من سيادتها الوطنية لصالح المفوضية الأوروبية".

وتشدد فرنسا أيضا على أنه "لا يمكن أن يكون هناك نقل للسيادة إذا لم يكن هناك تحسن في درجة التضامن بين دول الاتحاد الأوروبي" وهو ما تؤيده إسبانيا برغبتها في "اتحاد سياسي واقتصادي ومصرفي" مع الحاجة إلى "اندماج أكبر".

أما في ألمانيا التي تقاوم الدعوة إلى تحمل المزيد من أعباء مساعدة الدول الأخرى المتعثرة ماليا في منطقة اليورو سواء بإصدار سندات مشتركة "سندات اليورو" أو بإقامة وحدة مصرفية بين دول اليورو بحيث يخضع القطاع المصرفي لرقابة مركزية فتصر على أن الإصلاحات الهيكلية لاقتصادات الدول المتعثرة وكذلك خفض عجز موازنتها هو أفضل حل لعلاج الاقتصادات المضطربة وإعادتها إلى حالتها الطبيعية.

وتنظر الحكومة الألمانية إلى "سندات اليورو" وغيرها من أشكال تقاسم مخاطر الاقتراض بين دول منطقة العملة الموحدة كونه خيارا "طويل المدى" يمكن أن يتم استخدامه فقط في حال إجراء "إصلاحات مناسبة" للمؤسسات الأوروبية التي تقدم "اتحادا سياسيا" للقارة.

ومن وجهة النظر الألمانية فإنه يجب أن تتمتع سلطات الاتحاد الأوروبي بتفويض ديمقراطي وصلاحيات لمراقبة سلوك الحكومات الوطنية في الدول الأعضاء لمنع ما وصفها مسؤولون أوروبيون بـ "السياسات المتهورة" التي انتهت باليونان ودول أخرى إلى الوقوع في فخ الاضطرابات المالية والاقتصادية الراهنة وهو ما يعني تقليص سيادة الدول على شؤونها لصالح سلطات المفوضية الأوروبية.

وتقدم باريس وجها مقابلا لوجهة النظر الألمانية من خلال تأييد فكرة "سندات اليورو" المشتركة وكذلك فكرتين أخريين لا تحظيان بشعبية في برلين وهما دفع البنك المركزي الأوروبي إلى بذل مزيد من الجهد لتعزيز النمو الاقتصادي وربما تغيير الإطار القانوني للبنك وتوسيع نطاق عمل صناديق الإنقاذ المالي عبر السماح لها بالاقتراض من البنك المركزي.

ويؤكد وزير الخارجية الألماني جيدو فيسترفيله أن أزمة منطقة اليورو أظهرت الحاجة إلى "تسريع وتيرة اندماج وتكامل القارة الأوروبية" وقال "لن يقبل مستثمر واحد بالاستثمار في أوروبا إذا لم يشعر بأن أوروبا مؤمنة بنفسها وتعمل من أجل المضي قدما إلى الأمام". ومن المقرر أن يطرح خوسيه مانويل باروسو رئيس المفو ضية الأوروبية خلال القمة الأوروبية خطة زمنية لمستقبل الاتحاد الأوروبي تتضمن تطبيق سندات مشتركة لكل دول اليورو "17 دولة".

وفي ثالث أصغر اقتصاد بالمنطقة بعد مالطا وإستونيا أعلنت قبرص عن حاجتها إلى تمويل طارئ من قمة بروكسل لتصبح الدولة الخامسة في الاتحاد النقدي الأوروبي التي تطلب مساعدة مالية طارئة وقد تحتاج إلى حزمة إنقاذ توازي نصف حجم اقتصادها. وحسب وكالة التصنيف الائتماني "فيتش" فإن احتياجات المصارف القبرصية يمكن أن تبلغ 4 مليارات يورو أي أكثر بنسبة 20 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لقبرص التي يصل حجم اقتصادها 3ر17 مليار يورو وذلك بهدف سد العجز الناتج في الحد الأدنى القانوني لرأسمال ثاني أكبر بنك في الجزيرة فيما تشير تقارير إلى أنها قد تكون بحاجة إلى 6 مليارات يورو.

وتواجه قبرص صعوبات على مستوى القطاع المصرفي بالإضافة إلى صعوبات مالية في الموازنة وهو ما أدى إلى تفاقم التباطؤ الاقتصادي. وكان تقرير للمفوضية الأوروبية قد أشار مؤخرا إلى أن الاقتصاد الكلي لقبرص يعاني من "اختلالات كبيرة" تجب معالجتها بسرعة كما اقترح خفض الإنفاق في القطاع العام وإصلاح نظام المعاشات. ومن المفارقات أن قبرص كانت قد رفضت بشدة اقتراحات بطلب مساعدات مالية بعد أزمة الديون السيادية التي ضربت جارتها اليونان إلا أن محافظ البنك المركزي القبرصي بانيكوس ديميترياديس عاد لاحقا ليقول إن بلاده قد تلجأ إلى طلب مساعدة مالية من دول الاتحاد الأوروبي "إذا اقتضت الضرورة".

ويحذر محللون من أن حالة التشاؤم في أوروبا تعني أنه من المرجح "أن تنزلق القارة في الركود" معتبرين أن قمة بروكسل "ستكون حاسمة بالنسبة للعديد من الدول الأوروبية التي تواجه مشاكل مثل قبرص وإسبانيا واليونان وأيرلندا والبرتغال".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
اليورو
سالم -

soon the Euro will be as high as 1 Euro = 2 $ if not more