المحليات فاسدة والرشاوى سائدة والشرطة عاجزة
350 مليار جنيه مخالفات البناء بعد الثورة في مصر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كان من المتوقع أن تحد الثورة من الفساد، وتوقف مخالفات البناء، لكن هذه المخالفات ازدهرت أكثر، بسبب استمرار الرشاوى وفساد المحليات، وعجز الشرطة عن قمع المخالفات المدنية والزراعية.
القاهرة: تعيش مصر أزمة حقيقية، بسبب ارتفاع ظاهرة العقارات المخالفة والتعدي على الأراضي الزراعية. وبدلًا من أن تضع الثورة حدًا لتحدي القانون في هذا الأمر، وصلت المخالفات بعدها إلى أرقام قياسية. وقد أرجع المختصون في هذا الشأن سبب انتشار المباني المخالفة إلى غياب تطبيق القانون ورقابة أجهزة الدولة، الى جانب استغلال حالة الانفلات الأمني، وعدم قدرة وزارة الداخلية على التصدي للخارجين عن القانون بعد أن أصبحت أغلب قرارات الإزالة حبرًا على ورق.
ووفقًا لتقارير حكومية، هناك 318 ألف عقار مخالف، و415 مليون وحدة سكنية من دون ترخيص في كافة المحافظات، كشف عنها الحصر الذي أجري للعمارات التي أقيمت خلال الفترة من كانون الثاني (يناير) 2009 الى كانون الثاني (يناير) 2013. وقد تبين أن أعلى نسبة مخالفة جرت في محافظات الغربية والدقهلية والشرقية والمنوفية والقاهرة، وتأتي الإسكندرية في المرتبة التاسعة بوجود 5500 عقار مخالف سنويًا. ووصلت تكلفة هذه المباني المخالفة الى350 مليار جنيه، واستهلكت50 مليون طن حديد و140 مليون طن أسمنت.
كما كشفت تقارير أخرى صادرة من وزارة الزراعة المصرية عن ارتفاع عدد حالات التعديات على الأراضي الزراعية إلى 775 ألف حالة بإجمالي مساحة 32 ألف فدان، بمعدل 3,5 فدادين من الأراضي الزراعية كل ساعة، منذ 25 كانون الثاني (يناير) 2011 إلى اليوم.
وجاءت المنوفية أولى في حالات التعدي على الأراضي الزراعية، فقد سجلت خلال 5 أيام 868 حالة، حيث فقدت 33 فدانًا خلال هذه المدة، تلتها محافظة الغربية بـ 551 حالة تعدٍّ على 23 فدانًا تم البناء عليها، وجاءت المنيا في المرتبة الثالثة بـ473 حالة تعدٍّ على26 فدانًا، ثم القليوبية بـ429 حالة تعدٍّ على 14 فدانًا، ثم البحيرة بـ 414 حالة تعدٍّ بواقع 16 فدانًا خلال المدة نفسها. وقد نتج عن فقدان هذه الرقعة الزراعية استيراد محاصيل سلع غذائية تقدر بـ 40 مليار جنيه.
من أيام شفيق
أرجع الدكتور محمد السيد البرعي، أستاذ هندسة الإنشاءات والمستشار في وزارة التنمية المحلية، سبب تفاقم أزمة مخالفات البناء بعد الثورة إلى صدور قرار من حكومة الدكتور أحمد شفيق بتوصيل المرافق للمباني المخالفة، سواء كانت في حالة التعدي على الأراضي الزراعية أو بناء أدوار سكنية مخالفة، حيث يحصل صاحب العقار على حق توصيل الكهرباء، وهو الأمر الذي كان ممنوعًا قبل الثورة. وترتب على ذلك استخراج المحليات الموافقة بتوصيل الكهرباء، في الوقت الذي يتم تحرير محضر بالمخالفة، وهو قمة التناقض من الدولة.
قال: "كان الهدف من هذا القرار استعطاف الناس بعد الثورة، وإحساسهم بوجود تغيير، لكن الأمر انقلب ظاهرة فشلت الدولة في مواجهتها، أما الأمر الآخر وراء زيادة التعدي إلغاء قرار الحاكم العسكري والذي كان يمنع التعدي على الأراضي الزراعية".
وأشار البرعي إلى أن هناك عوامل أخرى وراء ارتفاع ظاهرة مخالفات البناء، من بينها ضعف جهاز الشرطة، وعدم القدرة على التصدي للخارجين عن القانون، "فالمحليات تقوم بتحرير المخالفة، وعملية الإزالة تحتاج إلى وجود قوة أمنية، ولهذا أصبحت غالبية قرارات الإزالة حبرًا على ورق، فقد وصلت قيمة الغرامات نتيجة مخالفات البناء إلى 35 مليار جنيه، ولم تحصل منها الدولة سوى 2 مليار جنيه فقط".
وقال الدكتور محمد السيد لـ"إيلاف": "وفقًا لقانون الإدارة المحلية، وتحديداً المادة 60 و61 من قانون البناء الموحد 119 لسنة 2008، فإن قرار الإزالة للتعديات على الأراضي الزراعية يتم فورًا، بمجرد تحرير المخالفة من قبل وزارة الزراعة على أن يتم إبلاغ الشرطة التي تقوم بحملة لإزالة التعديات، لكن الحكومة أصدرت تعليمات بعدم إزالة المباني التي تم سكنها، بل تقتصر الإزالة على بناء الأسوار فقط، ولذا لا تتجاوز إزالة التعديات على الأراضي الزراعية 15 في المئة منذ الثورة".
تشريع بالشورى
أوضح صبحي صالح، عضو اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس الشورى، أن مجلس الوزراء سيحيل إلى مجلس الشورى قريبًا مشروع قانون مقترح، لوقف مخالفات البناء وإزالة المباني المخالفة. وقال لـ"إيلاف": "ستباشر وزارة التنمية المحلية تطبيق هذا القانون، بالتعاون مع شرطة المرافق، بالإضافة إلى المجالس المحلية ومجالس الأحياء، موضحًا أن شرطة المحليات كانت تباشر عملها وفقًا للقرارات السابقة، وكانت منشغلة بأمور أخرى وسيتم تفعيلها".
وكشف أن ظاهرة مخالفات البناء متراكمة منذ عهد النظام السابق، وخصوصًا بالنسبة إلى العقارات، "وفساد المحليات المنتشر كان سببًا في هذا الأمر، فحجم الرشاوى التي يحصل عليها مهندسو المحليات لتمرير المخالفة وصل سنويًا إلى أربعة مليارات جنيه، وبالتالي نحتاج إلى تطهير في المحليات يبدأ من القاعدة".
ونفى صالح وجود بند في القانون الجديد يسمح للدولة بمصادرة المباني المخالفة، "لكن سيتم التعامل مع كل حالة مخالفة على حدة، وفقًا للقانون القديم، والحكومة تقوم بمعالجة الأمر عن طريق قرار الدكتور هشام قنديل إلغاء إدخال المرافق إلى العقارات المخالفة لشروط الترخيص، ووقف استخراج توكيلات من الشهر العقاري للعقارات المقامة من دون ترخيص".
ويرى اللواء عادل عفيفي، عضو لجنة الإدارة المحلية بمجلس الشورى، أن غياب الأمن والقانون والرقابة أدى إلى ما نحن فيه من أزمات بشأن مخالفات البناء. وقال لـ"إيلاف": "فساد المحليات منذ النظام السابق وصل لدرجة متفشية، والمجلس العسكري والرئيس محمد مرسي لم يقوما بأي تطهير في هذا الجهاز، وحل الأزمة يكمن في إصدار تشريع قانوني من الشورى يجرم مخالفات البناء، ويعاقب المهندس المشرف بالإقالة من نقابة المهندسين، الى جانب عقابه بالسجن، وكذلك صاحب العمارة والمقاول، بعقوبة لا تقل عن 10 سنوات، أما بالنسبة للبناء على الأراضي الزراعية فليس كافيًا منع توصيل المرافق، ولكن من الضرورة أيضًا تغليظ العقوبة بالسجن والغرامة الكبيرة".