من أوراق صحافي عن المملكة الجديدة (1):
"وول ستريت السعودي"... إلى الاقتصاد سر!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في وقت تعاني منه الدول العربية تداعيات الربيع العربي، تعمل المملكة العربية السعودية على إعادة تحديث البنية التحتية، وإطلاق مشاريع وبناء أبراج توفر سوق العمل للملايين من الشبان. وقد ساهم ارتفاع اسعار النفط في السنوات الأخيرة في تنشيط هذه الأعمال.
الرياض: عند أي حديث عن مستقبل بلادهم في ظل أحداث الربيع العربي، يتباهى المسؤولون السعوديون بالقول إن بلادهم كبيرة جداً، بحيث يجعلها ذلك أكبر من أن تقع، في قول يشابه ذلك الشائع عن أوروبا بعد الأزمة المالية، رغم أنها ليست أصغر مساحة من هذه المملكة المترامية الأطراف، بين بحر وخليج، وعلى القرب من محيطات شتى، وعلى قلب احتياطي نفطي كبير.
وبالفعل، فإن بلاداً تغذي العالم بأكثر من خمسة وعشرين بالمائة من احتياجاته النفطية، وتدور في بنوكها، ومؤسساتها المالية، تريليونات ثابتة، ومتحركة، لا يمكن أن توصف بأقل من أنها كبيرة بالفعل، ناهيك عن القوة الشرائية للمواطن السعودي، والتي تعتبر الأكبر في الخليج. كما أن "الريال السعودي" لعب، ولا يزال، أدوارا عالمية لافتة، تشابه في احترافها العاب "ريال مدريد"، النادي الإسباني المشهور في المملكة، على حد تعبير مراقب سعودي، عرف بلقطاته اللاذعة.
وفيما تعاني منطقة بأكملها مخلّفات ما بعد الربيع العربي، تحاول المملكة، التي تحصّلت على عشرات التريليونات من الدولارات، بفضل ارتفاع أسعار النفط، خلال السنوات الأخيرة، أن توجه كامل أنشطتها لإعادة تحديث البنية التحتية، وإطلاق مشاريع مستدامة لاستيعاب ملايين من الشبان القادمين إلى سوق العمل، والذين كان أقرانهم من أشعل ثورات الجوار.
وفي شمال العاصمة النهَّاضة، الرياض، تبدو القصة التي يحبذ الجميع التحدث عنها، سواء أكانوا أمراء، أم رجال أعمال، أم طلبة مبتعثين، ألا وهي مركز الملك عبد الله المالي، تلك الرقعة الرملية المتربة، التي ستحتضن أكثر من 75 برجا، أي نصف أبراج قطر والبحرين، في مساحة تجاوز الخمسة ملايين متر مربع.
وسيضم المركز المتوقع افتتاح معظم أبراجه نهاية العام، عدة فنادق، ومراكز ترفيهية، وأكاديمية مالية، مخصصة لتدريب الشباب، فضلا عن مبان لكافة المؤسسات المالية، وأبراج سكنية على الطراز الغربي، ومحطة قطارات، ما سيغير وجه العاصمة الصحراوية، التي تحولت إلى ورشة عمل كبيرة، خلال السنتين الفائتتين.
وقد يكون هذا المركز المالي أحد الحلول التي تستهدف إعادة رؤوس الأموال المهاجرة من دول الخليج، فضلا عن أنها ستكون مفرخة كبيرة للوظائف، لتضم عشرات الآلاف من خريجي الجامعات، في إطار رغبة الرياض في مكافحة البطالة بين مواطنيها.
وحظي المركز برقابة رفيعة المستوى من قبل المسؤولين الكبار في البلاد، بغية إتمامه في موعده المحدد، بل إن عاهل السعودية الملك عبد الله بن عبد العزيز دأب على زيارة المشروع سرا وعلانية، بعيدا عن أجهزة الإعلام، عدة مرات، ثم وضعت كاميرات تلفزيونية تنقل له في قصره مراحل العمل أولا بأول.
وكان هذا المركز واحدا من أحلام العاهل السعودي، ثم أصبح مشروعه، بعد مشروع جامعة كاوست على ساحل البحر الأحمر.
وتدور عدة أسئلة حول القدرة التشغيلية لهذه الأبراج، في ظل ارتفاع سعرها، حيث يصل إيجار المتر إلى نحو 2000 ريال. كذلك حول تنظيم الدخول والخروج لهذه الأبراج، التي من المتوقع أن تحتضن أكثر من 70 ألف شخص في وقت واحد.
ويراد لهذه المنطقة أن تكون وول ستريت السعودي، حيث تشابه طريقة العمل هناك، وطريق الحياة، ما يحدث في مباني شانغهاي، وهونغ كونغ، و وول ستريت، والحي المالي في لندن، من دون حانات بالتأكيد، أو نساء شقراوات يقدن السيارات، رغم أن لندن غدت عاصمة السعوديات المتخيلة.
إلا أن محللين استبعدوا أن يكون هذا المركز منطقة حرة نظرا للطبيعة المحافظة للعاصمة.
وغذى مركز الملك عبد الله المالي الاهتمام العالمي، بعد أن نشرت تصاميم محطته الخاصة بالمترو، التي صممتها العالمية زهى حديد، على نطاق واسع ما حدا بالديلي ميل، صحيفة العمال، أن تقول إن ركاب المترو البريطاني قد يشعرون بالحسد، حين يرون صور مترو المركز المالي، المطلي سقفه بماء الذهب.
وبدأت الحكومة بالسماح للقطاع الخاص والمستثمرين الأجانب المشاركة في قطاعي توليد الطاقة، والاتصالات، في إطار خطة طويلة الأمد لتعزيز الاقتصاد السعودي، وجذب رؤوس الأموال إلى البلاد.
وكجزء من جهودها الرامية إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، وتنويع الاقتصاد، فقد انضمت المملكة العربية السعودية إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2005 بعد سنوات عديدة من المفاوضات الشاقة، تابعها السعوديون بمزيج من الترقب، والتشكك، والحذر.
وتعتبر السعودية واحدا من أقوى عشرين اقتصادا عالميا، إضافة إلى أنها أكبر منتج للبتروكيماويات في العالم العربي.