اقتصاد

ارتفاع الأسعار يواكب تدهور الليرة فيخفض المواطن كمية الأطعمة التي يتناولها

فقراء سوريون جدد يولدون من رحم الأزمة: تسوّل وعمالة أطفال والآتي أعظم

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

أدت الحرب السورية الدائرة منذ عامين ونيف إلى بروز طبقة جديدة من الفقراء لم تكن كذلك قبل بدء الأزمة، ويشعر السوريون بالإرباك حيال السقوط الكبير لسعر صرف عملتهم، إضافة إلى ارتفاع الأسعار القياسي الذي سببه بشكل أساس رفع سعر المحروقات.

دمشق: يعمل أبو علي، وهو سائق سيارة أجرة في دمشق، حصرًا من أجل أن "يأكل ويشرب وينام فحسب"، شأنه شأن الملايين من السوريين، الذين تراجع مستوى معيشتهم، وانعدمت قدرتهم الشرائية، بسبب النزاع المتواصل في بلادهم منذ أكثر من عامين.

يقول هذا الأب لخمسة أطفال، والذي باتت مشترياته تقتصر على الحاجات الضرورية، إن مدخوله يكفي بالكاد "لسدّ رمق عائلته"، مشيرًا إلى انعدام إمكانيته لتخصيص مصاريف إضافية. ويتحسّر أبو علي قائلًا "نعيش على أقل ما يمكن". ويواجه السكان، الذين ليس بيدهم حيلة، الهوة التي تزداد اتساعًا بين المردود والمصاريف.

الحرب خلفت فقراء
يلفت المحلل الاقتصادي ورئيس تحرير النشرة الاقتصادية سيريا ريبورت جهاد يازجي لوكالة فرانس برس إلى "أن الحرب أفقرت الغالبية العظمى من السوريين، وأدت إلى انخفاض كبير في قدرتهم الشرائية".

ويبدي سليم، وهو موظف في القطاع العام، أسفه، لأن الأجر الذي يتقاضاه في نهاية كل شهر، والبالغ 15 ألف ليرة سورية (75 دولارًا) "لم يعد يساوي شيئًا"، يكاد يكفي لتوفير حاجاته الغذائية. وارتفعت أسعار السلع الأساسية بنحو 200 إلى 300 بالمئة بحسب الإعلام الرسمي، كما بلغ حجم التضخم 55.2 بالمئة في كانون الأول/ديسمبر 2012.

ويشعر السوريون بالإرباك حيال السقوط الكبير لسعر صرف عملتهم المحلية، التي خسرت ثلاثة أرباع قيمتها، مقارنة مع الفترة التي سبقت اندلاع الاحتجاجات ضد النظام في منتصف آذار/مارس 2011.

وارتفع سعر صرف الدولار الأميركي في الأسواق من 50 ليرة في آذار/مارس 2011، إلى أكثر من 200 ليرة حاليًا. ويقول مصطفى، الذي أصابه الإحباط، ويعمل في أحد محال بيع الألعاب "عملتنا لم تعد لها قيمة".

المحروقات تلهب الأسعار
وأعلنت الحكومة السورية مرات عدة عن رفع سعر المحروقات، ما "أثر بقوة"في ارتفاع الأسعار، التي بلغت حدًا غير مسبوق.
وقام مصطفى بشراء الأرز والسكر والزيت تحضيرًا لشهر رمضان، الذي يبدأ بعد أيام "قبل أن ترتفع الأسعار من جديد".

ولا تنفك الأسعار عن الارتفاع كل يوم "وفق ارتفاع سعر صرف الدولار"، بحسب إحدى ربات البيوت، التي اشترت دجاجة بسعر 1300 ليرة (6.5 دولارات)، بينما كانت تبتاعها قبل أشهر قليلة بسعر 250 ليرة. ويروي عمر "مغامراته" اليومية أمام كشك بيع الخبز وسط دمشق، واضطراره لـ"التوقف في طابور طويل لشراء ربطة من الخبز الرديء".

يشير جهاد يازجي إلى أن "تردي الوضع الاقتصادي يتم على مراحل منذ عامين". ويسوء الوضع شهرًا بعد شهر، حيث فقد العديدون وظائفهم، وخاصة في المناطق التي شهدت أعمال عنف، أودت بحياة مئة ألف شخص منذ آذار/مارس 2011، بحسب إحدى المنظمات الحقوقية.

تصريح أوباما حطّم الليرة
كما نالت العقوبات الاقتصادية، التي فرضتها الولايات المتحدة والبلاد العربية والاتحاد الأوروبي على سوريا للضغط على النظام السوري، من مستوى معيشة السوريين. ويعتبر يازجي أن الانهيار المفاجئ لسعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار في الأسبوع الماضي "أتى نتيجة لتصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما المتعلقة برغبته في تسليح المعارضة".

ودقت منظمة الأمم المتحدة الثلاثاء ناقوس الخطر، بعدما أجرت تقويمًا في سبع محافظات سورية. وقال برنامج الأغذية العالمي إن السوريين، الذين يعانون النزاع الدائر في بلادهم، يضطرون إلى خفض كمية الأطعمة الأساسية التي يتناولونها لتوفير المال، أو إنهم يلجأون إلى التسوّل أو دفع أطفالهم إلى العمل لتجاوز معاناتهم بسبب تقهقر مستوى معيشتهم.

ويشير الاستطلاع، الذي شمل قرابة 105 عائلات، إلى أن 9 بالمئة من الأشخاص لجأوا إلى التسوّل في شهري نيسان/إبريل وأيار/مايو، مقارنة مع 5 بالمئة في آذار/مارس. كما لجأ الناس إلى استراتيجية بديلة، تقضي بالتحوّل إلى الأغذية الأقل جودة، أي بمعنى شراء الأطعمة غير الطازجة، وخفض استهلاك اللحوم والبيض ومنتجات الألبان. ويؤكد الخبراء أن تأثير الأزمة على الاقتصاد كان ضخمًا.

كما انعدمت تقريبًا الاستثمارات والسياحة، وانخفضت عائدات النفط، التي كانت تشكل موردًا مهمًا للعملة الصعبة بنحو 95 بالمئة، كما تراجعت التجارة الخارجية في العام 2012 بنحو 100 بالمئة. وقدر البنك الدولي تراجع الناتج المحلي السوري في العام 2012 بنحو 30 بالمئة، متوقعًا انخفاضًا إضافيًا بنحو 10 بالمئة في عام 2013.

ويعتبر النظام أن الاقتصاد السوري صامد "رغم الأزمة والعمليات التخريبية التي تقوم بها المجموعات الإرهابية المسلحة"، في إشارة إلى مقاتلي المعارضة، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا) عن المحلل الاقتصادي رسلان خضور.

الاقتصاد صامد
ورأى خضور أن زيادة الرواتب، التي أقرّت لموظفي القطاع العام، "هي دليل على صمود الاقتصاد وقدرته على تجاوز الآثار السلبية للأزمة".

وكان الرئيس بشار الأسد أصدر في 22 حزيران/يونيو مرسومًا قضى بزيادة الأجور للموظفين والعسكريين، في خطوة هي الثانية من نوعها منذ بدء النزاع في البلاد.

ويشير يازجي إلى الدور الذي لعبته الدول الصديقة للنظام من أجل إنقاذه، وخصوصًا إيران، التي أرسلت مساعدات لدمشق، بلغت أربعة مليارات دولار.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف