قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الرباط: مع غروب شمس كل يوم، تنطلق مئات الحمير من مدينة وجدة، أقصى شرق المغرب، حاملة قناني زرقاء كبيرة لملئها بالوقود المهرب من الجزائر التي شددت الخناق على هذه التجارة، مسببة أزمة اقتصادية واجتماعية للمغرب.ويرافق عشرات الشباب وبينهم قاصرون تلك الحمير عبر حقول ومسالك غير معبدة في رحلتها بين حدود البلدين المغلقة، لتعود في وقت متأخر من الليل والقناني مملوؤة بالوقود.ويقول أحد الشباب لفرانس برس، وعلامات الخوف بادية على وجهه "لقد أطلق الجيش الجزائري النار على بعض الحمير التي كانت محملة بالوقود فماتت واشتعلت فيها النيران". ويضيف "لحسن الحظ أننا لا نرافق الحمير حتى آخر نقطة على الحدود، فهي تعرف طريقها وتستطيع ان تذهب وتأتي وحدها".وتشن السلطات الجزائرية منذ تموز/يوليو الماضي حملة مكثفة على مهربي المحروقات، كما نهجت سياسة "التسقيف"، اي تحديد السقف المسموح به لملء خزانات الوقود داخل محطات التزود في الولايات الحدودية.وكشف وزير الطاقة والمناجم الجزائري، يوسف يوسفي، قبل أيام ان الجزائر تخسر 1,3 مليار دولار سنويا، بسبب تهريب حوالي 1,5 مليون لتر من المواد المكررة، لكن حملة مكافحة التهريب حققت نتائج جيدة. واكد الوزير ان 600 الف سيارة في تونس والمغرب خاصة تسير بالوقود الجزائري المدعم.ورغم ان الجزائر بلد بترولي الا انه لا يحقق الاكتفاء الذاتي من الوقود وخاصة المازوت (الكازوال)، الذي يستورد حوالي 2,5 مليون طن من هذه المادة.ويتحدث المهربون الذين يعبرون الحدود يوميا لفرانس برس عن شروع الجزائر لأول مرة في حفر خندق عميق بين البلدين لمنع "المقاتلات"، وهي السيارات المخصصة لتهريب المحروقات، من العبور بين البلدين.ومع تناقص الكميات المهربة ارتفع الثمن، حيث ارتفع ثمن القنينة الزرقاء الكبيرة (30 لترا) من المازوت الجزائري من 90 درهما (8 يورو) الى 250 درهما (22 يورو)، فيما ارتفع ثمن قنينة البنزين من 150 (13 يورو) الى 340 درهما (30 يورو). وفي مقهى قريب من مركز "زوج بغال" او العقيد لطفي الحدودي المغلق منذ 1994 والذي مازال يرفرف فوقه علما البلدين يقول (م) وهو شاب ثلاثيني لفرانس برس "سيارتي المقاتلة أمامكم كانت تحمل طنا ونصف من الوقود، لكن منذ تشديد الحدود توقف كل شي".ويضيف "أعمل اليوم في نقل المغاربة أو الجزائريين الى الحدود لزيارة عائلاتهم. نتقاضي عن كل شخص 300 درهم، ونتفق مع بعض حرس الحدود لتتم الأمور بسهولة، لكن كل هذا سينتهي مع انتهاء الصيف ولن نجد عملا بعد ذلك".ويوضح حسن عماري المسؤول في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمدينة وجدة، والذي يراقب باستمرار مرور السلع المهربة من المناطق نفسها التي يمر منها المهاجرون غير الشرعيين "المسؤولون أنفسهم يقرون بأن هناك أكثر من 18 ألف شخص يستفيدون من عائدات الوقود ما بين مهربين كبار وموزعين وبائعين بالتقسيط، فأين سيذهب هؤلاء". وعرفت مدينة وجدة ومدن المنطقة الشرقية للمغرب خلال فترة الصيف مع توافد عدد كبير من المهاجرين المغاربة لقضاء العطلة، أزمة حادة في الوقود حيث كان الناس يقفون لساعات في طوابير طويلة، لكن الأزمة خفت مع رحيل المهاجرين.وتشهد المنطقة نقصا حادا في عدد محطات التزود بالوقود، فمدينة وجدة التي يقارب عدد سكانها 600 ألف نسمة، لا يوجد فيها سوى 13 محطة فقط بما فيها تلك التي اعيد تشغيلها للتخفيف من الأزمة.ورفعت حصة وجدة من الوقود المغربي ب700 طن يوميا لسد النقص، بعدما كانت الرباط شبه معفية من تزويد المنطقة الشرقية التي يفوق عدد سكانها اليوم المليوني نسمة، بالوقود المدعم الذي يستنزف ما يقرب من 90% من أموال الدعم (6,6 مليار دولار). وهو ما يعني عمليا ارتفاع حجم أموال الدعم المخصصة لصندوق المقاصة، الذي تقول الحكومة المغربية انه تسبب في عجز بلغ خلال 2012 نسبة 7,3%.أما مدينة بني درار الحدودية التي تبعد 22 كلم عن وجدة ويقارب عدد سكانها 12 ألفا كما تعد سوقا لمختلف السلع الجزائرية الرخيصة الثمن، فلا توجد اي محطة لكن هناك ما يقرب من 60 مخزنا للوقود داخل المنازل.ووصف مسؤول، رفض ذكر اسمه، تلك المخازن بأنها "قنابل موقوتة يمكن ان تنفجر في أية لحظة، وقد سبق وان قضينا ليلة كاملة في اطفاء أحدها". ويمتد منظر بائعي الوقود المهرب من الشباب على مختلف الطرقات شمالا وجنوبا حتى وسط المغرب، حيث تعيش آلاف العائلات على عائداته، وبه تدور عجلة اقتصاد المنطقة.وتعتمد مدينة بركان مثلا (70 كلم عن وجدة)وهي العاصمة الفلاحية للمنطقة، بشكل كبير على الوقود الجزائري في تشغيل المحركات لري الحقول، اضافة الى مدن أخرى ك"تاوريرت" و"جرسيف" في اتجاه وسط المغرب.لكن نقص او انقطاع هذا الوقود وتقارب ثمنه مع نظيره المغربي، جعل أصحاب المزارع يشترون الوقود بثلاثة أضعاف ما كانوا يدفعونه في السابق ما سيؤدي الى ارتفاع كلفة الانتاج الزراعي. ويقول محمد بنقدور رئيس جمعية حماية المستهلك بالجهة الشرقية، وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لسلطة الملك محمد السادس ان "البنزين والوقود مدعمان في الجزائر في حين ان ثمنه مرتفع في المغرب (...) وبالتالي فإن انقطاعه سيؤثر على كلفة النقل والمواد الاستهلاكية".ورفع أصحاب سيارات الأجرة في عاصمة الشرق المغربي اجرة النقل الى بعض الوجهات بنسبة 20%.ويقول ميري فتحي الكاتب الجهوي لمهنيي سيارات الأجرة بالجهة الشرقية (عددها يفوق 4000 آلاف) لفرانس برس "حين نشعر بالضرر نتوجه الى السلطات المحلية وإذا لم تستجب نجتمع فيما بيننا ونقرر الزيادة، ونحن لا نرفع الثمن على المواطن لاستغلاله".وحذر من غضب سائقي الأجرة قائلا "هذه المرة سنقف، وسنضع سياراتنا على الآجور وننزع عجلاتها".وزار الملك محمد السادس منذ توليه العرش سنة 1999 عاصمة الشرق، الذي وصف لسنوات ب"المغرب غير النافع"، ما يقرب من 25 مرة لتدشين مشاريع بنية تحتية وتنمية لتوفير فرص عمل للشباب، الا أن معظم هذه المشاريع لم تكتمل أو لم يبدأ العمل فيها بعد.ويرى عبد العزيز أفتاتي، البرلماني في مدينة وجدة، عن حزب العدالة والتنمية الذي يقود التحالف الحكومي انه "يجب فتح الحدود مع أشقائنا في الجزائر (...) التعاون امر محتوم بيننا بالرغم من الخلافات ومن بينها ملف الصحراء".وفي انتظار انفراج الأمور وفتح الحدود يواصل المغاربة والجزائريون تبادل التحية، على ضفتي واد قريب من مدينة السعيدية السياحية الحدودية عشية كل يوم، دون التمكن من اللقاء.وأغلقت الحدود البرية بين الجزائر والمغرب في نيسان/أبريل 1994، بعد قرار المغرب فرض التأشيرة على الرعايا الجزائريين، عقب تفجير فندق "أطلس آسني" في مراكش، الذي اتهمت الرباط الاستخبارات الجزائرية بالوقوف وراءه.