اقتصاد

مصائب شعب لدى تجار تتحول اقتصاد حرب

سوريا متماسكة اقتصاديًا بفضل دعم حلفائها

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أنتجت أوضاع سوريا الأمنية ما بات يعرف باقتصاد الحرب، حيث درت أعمال الخطف والحواجز والسيطرة على حقول نفط مداخيل جديدة، ويرى خبراء أنه إذا كانت سوريا لا تزال تقف على رجليها اقتصاديًا فذلك يعود إلى حلفائها الذين يمنعون انهيارًا قريبًا.

تحول الاقتصاد السوري خلال الأعوام الثلاثة الماضية إلى اقتصاد حرب، حيث الأولوية هي لتأمين المواد الأساسية كالوقود والغذاء، وسط تراجع في نشاط العديد من القطاعات الإنتاجية. إلا أن هذا الاقتصاد تفادى الانهيار رغم العقوبات الغربية على تصدير النفط، الذي كان يشكل مصدر الدخل الأساسي للحكومة، وذلك بفضل عوامل عدة، أبرزها دعم حليفتيه روسيا وإيران، واستقرار سعر صرف الليرة السورية، رغم فقدانها ثلاثة أرباع قيمتها منذ منتصف آذار/مارس 2011.

يقول الخبير الاقتصادي جهاد يازجي إن "الاقتصاد السوري تحوّل بشكل جذري (...) دمّر الاقتصاد الذي كنا نعرفه إلى حد كبير. ثمة قطاعات واسعة من الاقتصاد السوري توقفت عن الإنتاج، والكثير من اللاعبين الاقتصاديين غادر البلاد".

فوائد حرب..
يوضح مؤسس موقع "سيريا ريبورت" الاقتصادي، أن "الحرب أنتجت اقتصادًا جديدًا، نسميه اقتصاد الحرب. باتت السرقة وأعمال الخطف والحواجز والسيطرة على حقول النفط... مصادر دخل (...) ثمة رجال أعمال استفادوا من الحرب، ومؤسسات وشبكات جديدة نمت معها".

ويرى مدير الدراسات والبحوث الاقتصادية في الشركة المتحدة للاستثمارات المالية في الأردن مازن أرشيد أن "الاقتصاد السوري بات اقتصاد حرب، لأن سوريا ساحة قتال، يشارك فيها الجميع".

وشهدت البلاد منذ منتصف آذار/مارس 2011 احتجاجات مناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد، تحولت بعد أشهر إلى نزاع دام، أودى بأكثر من 140 ألف شخص، وأدى إلى تهجير الملايين إلى خارج البلاد وفي داخلها.

ورجّحت وحدة البحوث الاقتصادية في مجلة "الإيكونومست" البريطانية في شباط/فبراير 2014، انخفاض الناتج المحلي في سوريا إلى 34 مليار دولار في العام 2014، بعدما وصل إلى 60 مليارًا في 2010.

وأفاد تقرير للأمم المتحدة في تشرين الأول/أكتوبر 2013، أن نصف السكان، البالغ عددهم 23 مليون شخص، باتوا تحت خط الفقر، وأن 4.4 ملايين منهم يعانون "فقرًا مدقعًا". وبلغ معدل البطالة 48.6 بالمئة.

التأقلم مع الممكن
دفعت هذه الأوضاع بالسوريين إلى التأقلم مع ظروف قاسية. ويقول يازجي "ما يطلبه السوريون اليوم خبز وشاي وسكر، وهذا قابل للتأمين". وبحسب تقرير الأمم المتحدة، خسر الاقتصاد السوري حتى النصف الثاني من 2013، ما مجموعه 103 مليارات دولار، منها 49 مليارًا في 2012. وأعلن مسؤولون رسميون سوريون في أيلول/سبتمبر الماضي، أن خسائر قطاع السياحة بلغت مليار ونصف مليار دولار، والصناعة 2.2 مليارين.

وكان النفط، أبرز مداخيل الحكومة، أكثر القطاعات تضررًا، إذ انخفض الإنتاج بنسبة 96 بالمئة، من 385 ألف برميل يوميًا إلى 14 ألفًا فقط، بحسب ما أعلن وزير النفط سليمان العباس في شباط/فبراير.

يعود هذا التراجع الحاد إلى سيطرة مقاتلي المعارضة على غالبية حقول النفط في محافظتي دير الزور (شرق) والحسكة (شمال شرق)، إضافة إلى العقوبات الأوروبية على استيراد النفط السوري منذ أيلول/سبتمبر 2011.

وبحسب يازجي، كان الأوروبيون "يشترون 90 بالمئة من النفط السوري". وإزاء حاجة الاستهلاك اليومي، البالغ 150 ألف برميل يوميًا، لجأ النظام إلى استيفاء حاجته من إيران، أبرز حلفائه الإقليميين، عبر خط ائتماني بقيمة 3.6 مليارات دولار، وقع في نهاية تموز/يوليو 2013. وتستورد سوريا عبر هذا الخط ما قيمته 400 مليون دولار من النفط شهريًا.

ويرى يازجي أن هذه الخطوات تظهر "اعتماد سوريا على إيران، ليس فقط من الناحية العسكرية، بل باتت لإيران أهمية اقتصادية أيضًا". كما وقعت سوريا في كانون الأول/ديسمبر اتفاقًا ضخمًا مع شركة روسية للتنقيب عن الغاز والنفط في مياهها الإقليمية، بتمويل من موسكو.

الحلفاء يؤجلون الانهيار
ويؤكد أرشيد أن "سوريا تقف على رجليها اقتصاديًا بدعم من حلفائها"، واأنه في ظل هذه التحالفات "لا يمكن توقع انهيار اقتصادي قريب". ويربط الخبير الأردني بين المكاسب العسكرية للنظام، لا سيما منذ استعادة مدينة القصير الاستراتيجية في ريف حمص (وسط) في مطلع حزيران/يونيو، بدعم قوي من حليفه حزب الله اللبناني، وثبات المؤشرات الاقتصادية.

يقول "خلال الأشهر الماضية تحسن وضع الليرة السورية (...) نتيجة المكاسب العسكرية على الأرض". وقبل اندلاع الأزمة، بلغ سعر صرف الدولار الأميركي 50 ليرة سورية. إلا أن السعر تدهور إلى أكثر من 300 ليرة للدولار خلال صيف العام 2013، إبان تلويح الولايات المتحدة بشنّ ضربة عسكرية ضد النظام.

النظام يعزز الليرة
ومع تراجع احتمالات الضربة وتدخل المصرف المركزي، عاد سعر الصرف إلى مستويات مستقرة تراوح حاليًا بين 150 و160 ليرة للدولار. ويوضح يازجي أنه "بشكل عام، فإن أي تغيير سياسي لمصلحة النظام يعزز الليرة، وأي تغيير سياسي في غير مصلحته يضعفها".

يعدد عوامل إضافية ساعدت الاقتصاد على الثبات، منها انخفاض عدد السكان، وتراجع قدرتهم الشرائية، والحد الحكومي من النفقات الجارية، والمساعدات الدولية، التي تعفي الحكومة من استيراد العديد من الحاجات الاستهلاكية.

رغم هذا الثبات، تبدو التوقعات الاقتصادية سلبية، لا سيما بعد انتهاء الأزمة. وتوقعت "الإيكونومست" أن يبلغ الاقتصاد السوري أدنى مستوياته خلال العام 2014، قبل أن يعاود النمو "مع تأقلم المؤسسات مع جمود (ميزان الوضع) العسكري"، مضيفة أنه رغم ذلك "وحتى مع حلول العام 2018، سيكون الاقتصاد أقل حجمًا بنحو الثلث" مما كان عليه قبل الأزمة.

ويقول أرشيد "حتى بعد انتهاء الأزمة (...) لا أعتقد أن الوضع الاقتصادي في سوريا سيكون جيدًا"، مشيرًا إلى أنه "قد يكون أصعب من الوضع الراهن. سوريا دخلت في نفق مظلم سيمتد إلى ما بعد نهاية الأزمة".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف