اقتصاد

دول عربية أبرزها الإمارات وقطر انتهجت التقنية البيئية

إعادة تدوير بقايا الطعام توفير للمال والطاقة

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بيروت: في زمن تستنزف فيه الطاقة التقليدية وتلوح في الأفق أزمة شح البترول، تظهر قضية تدوير النفايات كحل جوهري يساهم في تنشيط الحركة الإقتصادية وتوفير الطاقة، ولقد عملت معظم البلدان، وخاصة العربية ، على مشروع استخراج الطاقة من النفايات بشكل عام، بعيدًا عن التخصيص المتمثل في اعتماد تقنية الطاقة النظيفة، والتي تتحقق عن طريق استخراج الطاقة الحيوية من بقايا الطعام، فكيف تتم هذه العملية من الناحية التقنية، وأين الدول العربية والعالمية منها؟.

استجابة الفضلات لعملية التخمير

تحتوي فضلات الطعام على نسبة كبيرة من المياه والقليل من الأجزاء الصلبة، مما يجعلها مثالية للتخمير، غير أن مدى استجابة هذه الفضلات لعملية التخمير تختلف من طعام إلى آخر، فعلى سبيل المثال إن الفواكه الحمضية التي تحتوي على حموضة عالية أكثر استجابة للتخمير، وقبل معالجة فضلات الطعام في المختبر يتم ضبط درجة الحموضة، ويتم ذلك عبر وضع هذه المواد في حاويات تخزين مختلفة، بعد ذلك حساب كمية فضلات الطعام واختيار حاوية التخزين المناسبة من أجل مزجها حتى تتحول إلى كائنات دقيقة جدًا، حيث تبدأ تلك الكائنات بإنتاج غاز الميثان في غضون أيام قليلة، ويجب أن تتم عملية التخمير في ظروف لاهوائية، ودرجات حرارة ملائمة للعمليات الحيوية التي تقوم بها البكتيريا الموجودة في مفاعل الغاز الحيوي (حوض التخمير).

 

المجالات الحرارية لتوليد الغاز الحيوي

هناك ثلاثة مجالات حرارية يتم فيها توليد الغاز الحيوي، وهي  التخمير البارد، والذي يتم ضمن مجال حراري يتراوح بين 15 إلى 20 درجة مئوية؛ وفيه تكون مدة بقاء المادة العضوية في المخمِّر طويلة نسبيًّا، وكمية الناتج الغازي لكلِّ متر مكعب من حجم المخمِّر قليلة، التخمير الساخن، وذلك ضمن مجال حراري يتراوح بين 25 إلى 40 درجة مئوية؛ وفيه تكون مدة بقاء المادة العضوية في المخمِّر متوسطة، وكمية الناتج الغازي لكلِّ متر مكعب من حجم المخمِّر متوسطة، والتخمير الحار، والذي يتم في مجال حراري يتراوح بين 40 إلى 65 درجة مئوية؛ وفيه تبقى المادة العضوية في المخمِّر وقتًا قصيرًا، وكمية الناتج الغازي لكلِّ متر مكعب من حجم المخمِّر كبيرة.

إن عملية التحلُّل اللاهوائي، التي تحدث عادةً في شكل طبيعي في أعماق البحيرات والتجمعات المائية وأعماق التربة وفي مكبَّات النفايات، تتم في المخمِّر على مراحل متعددة. المرحلة الأخيرة في سلسلة التفكُّك العضوي هي غازات الميتان التي تنتج بنسبة 55% إلى 65%، وغاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة 35% إلى 45%، مع نسب ضئيلة جدًّا من الهيدروجين والأوكسجين والنتروجين ونترات الأمونيوم، وكذلك من كبريتيد الهيدروجين H2S.

المكونات الأساسية لمنشأة التخمير

حوض التخمير (مفاعل الغاز الحيوي): ويمثل النواة الأساسية في المنشأة، ويتم تشغيله في غالب الأحيان تحت درجات حرارة ثابتة، حيث تقوم البكتريا بعملية تجزئة المادة العضوية التي قد تبقى في المخمِّر مدةً تتراوح بين 10 و35 يومًا، وتتم تغذية جهاز التخمير بشكل مستمر أو متقطِّع وغير منتظم، يمكن بناء هيكل حوض التخمير بشكل أفقي أو عمودي؛ والمواد المستخدمة قد تكون من البيتون، كما هو شائع في ألمانيا، أو من الصفائح الفولاذية بشكل قابل للفِّ، كما في الدانمرك، وأحيانا من البلاستيك. إن عملية التخمير يمكن أن تكون رطبة أو جافة، إلا أن معظم المنشآت في القطاع الزراعي تعمل على مبدأ التخمير الرطب.

حوض (مستودع) تخزين المواد العفنة التي لا تُستثمَر مباشرة.

حوض الإدخال: يفضَّل أن يكون على اتصال مباشر مع المخمِّر او مكان تجميع النفايات العضوية.

أجهزة تفتيت (طحن) المواد العضوية وفرزها وتنقيتها من العناصر غير المرغوبة.

مضخات من أجل تغذية جهاز التخمير وتفريغه.

أنابيب نقل الغاز، عدّادات، مكثفات، خزانات وأجهزة وقاية وحماية وأمان.

تجهيزات لاستخلاص المواد الكبريتية، مثل كبريتيد الهيدروجين H2S.

حوض لتخزين الغاز الناتج.

محطة لتوليد التيار الكهربائي والحراري الناتجين عن الغاز الحيوي.

محرك احتراق داخلي لتشغيل المحطة.

 

تجارب عالمية رائدة

تعتبر ألمانيا هي أول دول العالم في إنتاج الوقود الحيوي، حيث توصل العالم الألماني تيمو بروكر الباحث بمعهد تقنيات التغذية إلى وسيلة لاستخراج الوقود الحيوي من بقايا الخبز والبيتزا بعد تخمرها.

أما النمسا، فهي رائدة في ما يتعلق بإعادة تدوير زيوت الطهي المستخدمة وتوليد الطاقة منها. وتحت شعار "الطاقة المتجددة والوقود من الدهون" تم ابتكار نظم مختلفة لتجميع زيوت الطهي وإعادة تدويرها بهدف الاستفادة منها، وهذه الزيوت بمثابة الكتلة الحيوية السائلة، التي يتم استخدامها لإنتاج وقود الديزل الحيوي والطاقة الخضراء.

في مقاطعة تيرول النمساوية، يتم تشغيل محطة إقليمية لتدفئة المباني بالزيوت المستعملة، وهي تولد ما يكفي من الكهرباء لسد حاجة حوالى 3500 شخص سنويًا. ومنذ عام 1999 أصبح هناك نظام مركزي لتجميع الدهون في مقاطعة تيرول، وتبلغ كمية زيوت الطعام المتجمعة من المطاعم ومن المنازل في تلك المقاطعة 1800 طن سنويًا. 

وبعد تجميع الزيوت يتم تنظيفها من بقايا الطعام في محطة خاصة بالقرب من مدينة انسبروك، ومن ثم تستخدم هذه الدهون كوقود للسفن بعد إدخال تعديلات على المحركات التي تعمل أساسًا بالديزل. ويشغل المحرك مولد للكهرباء، وبهذا تزود شبكة الكهرباء سنويًا بطاقة خضراء تبلغ 600 مليون كيلوواط في الساعة.

ناقلة ركاب تستخدم غاز الميثان

وفي بريطانيا، فإن الغاز المستخرج من مواقع النفايات يمثل ربع الطاقة المتجددة المنتجة في البلاد، ويولد كهرباء تكفي نحو (900) ألف منزل. كما تم تشغيل أول ناقلة ركاب بسعة (40) راكبًا بين مدينتي برستل وباث الإنجليزيتين، باستخدام غاز الميثان الحيوي الناتج من تدوير الفضلات وبقايا الطعام.

تستطيع الحافلة قطع مسافة (300) كيلومتر لكل خزان وقود. ونظرًا الى نجاح تشغيل هذا النوع من الحافلات، فقد افتتحت في مدينة ريدنج الإنجليزية محطة تعبئة غاز الميثان الحيوي الناتج من تدوير الفضلات، لتشغيل (34) حافلة غاز ميثان حيوي و(113) سيارة نقل أجرة عاملة في المدينة، وذلك بكلفة مليون جنيه أسترليني.

كما أقيم في انكلترا مصنع  يحول كل يوم نحو 18 ألف طن من فضلات الطعام إلى 2500 متر مكعب من الميثان، الذي يستخدم أساسًا بعد ذلك لإنتاج الطاقة الكهربائية. المبدأ العلمي للعملية يرتكز على كائنات حية دقيقة تفكك الطعام وسط غياب الأكسجين. يتم التقاط الغازات الناتجة من عملية التفكيك تخزن وتستخدم.

وفي الولايات المتحدة الأميركية، توجد تكنولوجيا توليد الكهرباء من النفايات منذ السبعينات، كما تشير بذلك بعض التقارير، حيث قامت باستخدام النفايات المحتوية على مواد عضوية التي يسهل تخمرها بوساطة البكتيريا مثل الورق والقماش والخشب وبقايا الطعام لإنتاج غاز الميثان، ومن ثم إنتاج الطاقة الكهربائية.

وقامت بعض الشركات في الولايات المتحدة باستغلال هذا التفاعل الذي يحدث طبيعيًا في مستودعات النفايات لإنتاج الميثان بطاقة تصل إلى نحو (140) ألفًا من الأمتار المكعبة في اليوم، وتتم الاستفادة من المخلفات الصلبة في الريف بطريقة مماثلة فتجمع المخلفات النباتية، مثل حطب القطن وقش الأرز وتخلط بنفايات الحيوانات، ثم يعرض هذا الخليط لفعل البكتيريا في آبار متوسطة العمق.

شمولية التجربة في البلدان العربية

لم تركز الدول العربية على توليد الطاقة من المواد العضوية فقط، بل عمدت الى استخدام النفايات بشكل عام كمصدر للطاقة البديلة، حيث يقدر حجم النفايات الصلبة التي تنتجها دول الخليج بنحو (70) ألف طن يوميا، إلا أن نسبة ما يعالج منها تقدر بنحو (20%) فقط.

يقدر متخصصون حجم خسائر دول مجلس التعاون الخليجي الناجمة من عدم تدوير النفايات بمبلغ يتراوح بين (5 و7) مليارات دولار سنويًا، لذلك أطلقت إمارة دبي أول مشروع من نوعه في المنطقة، يتم من خلاله الاستفادة من الغازات المستخرجة من النفايات بتحويلها إلى طاقة كهربائية نظيفة، كذلك الأمر في قطر حيث أنشأت الحكومة القطرية مركزًا لإدارة النفايات الصلبة المحلية بتكلفة ملياري دولار.

تم تصميم المركز بحيث يتم تحقيق أقصى قدر من استعادة الموارد والطاقة من النفايات عن طريق تثبيت تقنيات لفصلها، ومعالجتها وإعادة تدويرها، ومن ثم تحويل هذه النفايات إلى طاقة. ومن المتوقع أن يقلل المركز من كمية النفايات المحلية التي تدفن لتصل إلى (3%- 5%) مما سيقلل من نسبة النفايات التي يتم التخلص منها بهذه الطريقة بشكل عام إلى (64%- 92%).

وفي البحرين يتم تطوير محطة حرارية قرب المنامة قادرة على معالجة (390) ألف طن من النفايات المنزلية سنويًا، وتوليد (25) ميجاواط من القدرة الكهربائية التي ستغذي الشبكة الوطنية، كما وتنفذ أمانة عمّان الأردنية حاليًا مشروعًا لتوليد الطاقة الكهربائية من النفايات ضمن مشروع إدارة النفايات الصلبة في عمّان على مراحل، بتمويل من البنك الدولي بقيمة (40) مليون دولار.

مبادرات فردية في السعودية 

وفي المملكة العربية السعودية، يعتبر التدوير في بداية مراحله، وحاليًا تتركز أعمال التدوير حول إعادة تدوير المعادن والورق المقوى، والذي يشمل 10-15% من مجمل النفايات المجمعة من القطاع غير الرسمي، حيث يقوم عمال النظافة بفرز النفايات القابلة للتدوير من حاويات القمامة الموزعة في المدن، التي تصل ذروة التدوير في بعضها إلى حوالى 30% من مجمل النفايات في بعض المدن.

وتتم عمليات الفرز والتدوير في بعض مجمعات النفايات التي تغطي حوالى 40%  من مجمل العمليات الرسمية وغير الرسمية في قطاع تدوير النفايات. وتشمل عمليات التدوير قوارير الزجاج، علب الألمنيوم، علب الحديد والأوراق وقوارير البلاستيك والورق المقوى وإطارات السيارات التالفة، وفي سياق متصل، ساهم شباب سعوديون في تدوير فائض الطعام وتحويله إلى سماد عضوي عن طريق تشغيل أول ماكينة تدوير فائض الطعام بشكل تام تستفيد منها الجمعيات الخيرية في عملية التدوير.

يذكر أن 50 كيلو من المخلفات العضوية تنتج 6 أمتار غاز، ويمكن الاعتماد عليه في تشغيل البوتاغاز وتوفير الطاقة للمشروعات الصغيرة، كما يمكن الاعتماد عليه في إنتاج الكهرباء أيضاً، حيث إن المتر المكعب من الغاز يمكنه توليد طاقة كهربية تتراوح بين 1٫3 و1٫5 كيلو وات في الساعة، فهل ستعمد كل الدول الى المضي قدمًا نحو هذا المستقبل البيئي الواعد؟!.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف