خبراء يتخوفون من تكرار مرحلة تسعينات القرن الماضي
الجزائر تضطر للاستدانة في مواجهة شح الموارد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لآول مرة منذ سنوات طويلة، قررت الجزائر الاستدانة من الخارج بسبب تراجع أسعار النفط وحاجة البلاد للمال، الذي لم يعد متوفراً من الموارد الداخلية.
إيلاف من الجزائر: تنوي الحكومة الجزائرية اللجوء إلى الاستدانة الخارجية عبر قانون المالية لعام 2017 لمواجهة شح الموارد المالية التي تواجهها البلاد منذ تهاوي أسعار النفط، والذي تهدد تنفيذ البرنامج التنموي الخماسي الذي يمتد حتى 2017، لكن هذا التوجه يقابل برفض من بعض الجهات التي تتخوف من أن تؤدي هذه الخطوة إلى أن تعيش البلاد وضعا اقتصاديا صعبا، كذاك الذي مرت به في تسعينات القرن الماضي.
وبحسب ما تسرب من وزارة المالية، فان حكومة الوزير الأول عبد المالك سلال قد قررت فتح باب الاستدانة الخارجية من جديد بعد أكثر من 10 سنوات من وصف هذا الإجراء بالمخاطرة التي قد تدخل الاقتصاد الجزائري في نفق مظلم.
وسبق للوزير الأول أن لمح في أكثر من مرة إلى إمكانية اللجوء إلى الاستعانة بقروض من دول صديقة تأتي الصين على رأسها بسبب عدم ارتفاع فوائدها، وكذا لإمكانية تحويلها إلى استثمارات مقابل الاستفادة من حق التسيير مثلما حصل مع الشركة الصينية المكلفة بمشروع توسيع مطار الجزائر الدولي.
ويأتي لجوء الحكومة إلى الاستدانة الخارجية بعد فشل مشروع القرض السندي الموجه للسوق المحلية، وكذا عزوف الكثير من التجار النشطين في السوق الموازية إلى الاندماج في برنامج التسريح الطوعي بالأموال لدى البنوك.
استثناء
ورغم إقدامها على هذا القرار، إلا أن الحكومة حددت نطاقًا معينًا للاستنجاد به، وحصرته في السماح للمؤسسات الوطنية بالاستدانة من الخارج، لتمويل مشاريع استثمارية .
وستشرح الحكومة تفاصيل هذا القرار ضمن مشروع موازنة 2017 الذي سيعرض البرلمان خلال دورته الخريفية التي ستفتتح بداية سبتمبر أيلول المقبل.
وقالت مصادر على صلة بالملف إن حكومة عبد المالك سلال لن تمنح تراخيص للمؤسسات للاستدانة من الخارج، إلا بعد تقديم إثباتات تبين صعوبة تحصيل موارد مالية من السوق الجزائرية.
وتشترط الحكومة أيضا على المؤسسات التي ستستنجد بالمؤسسات المالية الخارجية لتمويل مشاريعها أن تكون هذه المشاريع مجدية وتصنف في خانة المنتجة التي من شأنها المساهمة في الاقتصاد الجزائري.
وتحاول الحكومة الجزائرية تفادي الاستدانة من مؤسسات دولية كصندوق النقد الدولي والبنك العالمين وستحصر القروض الخارجية في طلب مساعدات من مؤسسات مالية لدول او الدخول في شراكات معها.
ويرجع الدكتور فارس مسدور أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة سعد دحلب في حديثه مع "إيلاف" هذا الحذر الحكومي إلى التجربة "السيئة" التي عاشتها الجزائر خلال فترة التسعينات لما استفادت من قروض صندوق النقد الدولي، وكانت لها انعكاسات سلبية على اقتصاد البلد والمواطنين معًا.
مخاوف
ويرى خبراء الاقتصاد أن اللجوء إلى الاستدانة الخارجية أمر عادي تعتمده جميع الدول، خاصة إذا ما وجهت هذه القروض إلى إقامة مشاريع منتجة، غير أن فارس مسدور يعارض هذه الفكرة في الجزائر.
وأوضح مسدور لـ"إيلاف" أن الجزائر ليست في حاجة في الوقت الحالي للاستدانة من الخارج، بالنظر إلى احتياطاتها الموجودة في البنوك العالمية، منها سندات في الخزانة الأميركية.
وقال مسدور: "الاستدانة أمر خطير جدا بالنظر الى أنها قد تستغل من بعض الدول سياسيا وتؤثر على مواقف الجزائر الخارجية من عديد القضايا التي ظل موقفنا ثابتا غير قابل للمساومة بشأنها، فالموضوع اكبر من أن يكون اقتصاديا بحتا".
وبحسب مسدور، فإن التوجه في الوقت الحالي إلى الاستدانة الخارجية هو "خيانة عظمى تصل إلى خيانة الوطن، ومن ينادي بذلك سيدخلنا في متاهة لن نخرج منها إلا بعد فترة طويلة، وأعتبرُ أن من أسباب الأزمة الأمنية التي مرت بها البلاد في التسعينات المديونية الخارجية".
ووصلت المديونية الخارجية للجزائر في عام 1999 إلى أكثر من 25 مليار دولار تجاه المؤسسات المالية الدولية وناديي باريس ولندن، وساهم ارتفاع أسعار النفط مع بداية الألفية الجديدة في دفعها والفوائد المترتبة عنها مسبقا نحو بعض الدول.
وانتقدت الجزائر منتصف أغسطس الجاري توقعات أصدرها البنك العالمي تتنبأ بانخفاض احتياطي الصرف في الجزائر إلى أقل من 60 مليار دولار في 2018.
وقال بنك الجزائر المركزي إن مستوى احتياطي الصرف في أواخر 2018 سيكون أكبر بكثير من توقعات البنك العالمي بفضل انعكاسات تعزيز ميزانية الاحتياطي، وانعكاس ذلك على الحسابات الخارجية وبالتالي احتياطي الصرف.
بدائل
وبرأي الخبير الاقتصادي فارس مسدور، فإن الجزائر تملك هامش مناورة في إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية التي تواجهها بسبب تهاوي أسعار النفط قبل اللجوء إلى الاستنجاد بقروض خارجية.
ودعا مسدور للخروج من جمود الاقتصاد الجزائري إلى الانتقال من اقتصاد وحدوي إلى اقتصاد مختلط قاطرته قطاع الفلاحة، ومكافحة الفساد عبر مختلف الجهات المختصة، وإعادة الاعتبار لقطاع السياحة وتفعيله وإعطائه جميع الإمكانات التي تفتح له طريق الانتعاش.
واقترح مسدور فتح باب الاستثمار عبر الشراكة مع المتعامل الأجنبي، داعيا إلى تعديل قاعدة 51/49 التي تحدد نسبة ملكية المستثمر الأجنبي لاي مشروع في الجزائر، والتي تبقي على الملكية الأكبر للمالك الوطني والنسبة الاصغر للمتعامل الأجنبي.
ويعتبر مسدور ان التحسينات التي أدخلت على المادة تبقى غير كافية، ودعا إلى تطبيقها في قطاعات قابلة للشركة كقطاع الطيران وباقي الخدمات، وفتح الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات التي لا يوجد فيها متعاملون محليون نشطون.
ودخل قانون الاستثمار الجديد حيز التطبيق منتصف الشهر الجاري، الذي يسمح بالتنازل عن الشركات المستثمرة من طرف المتعامل الأجنبي بموافقة من وزير القطاع وإدراج المخالفات فيها ضمن قانون الجباية .
وتقول وزارة الصناعة إن الدولة ستعطي بموجب القانون الجديد امتيازات جبائية للمستثمرين في الأنشطة والفروع الصناعية، منها إعفاءات من دفع الضريبة على فوائد الشركات أو الضريبة على الدخل الإجمالي والرسم على النشاط المهني لمدة خمس سنوات، وتخفيض نسب الفوائد المطبقة على القروض البنكية إلى 3 بالمائة.
ويعطي القانون ايضا إعفاءات جمركية وإعفاءات على الضريبة على الأرباح بالنسبة للشركات، ويمكن المستثمر من الاستفادة من تخفيض يصل 90 بالمائة في مجال الإيجار بالنسبة للأملاك العمومية.