اقتصاد

قبلة الشركات التقنية الناشئة ومستقرها

في دبي... يبني المبادرون اقتصادًا تقنيًا عربيًا جديدًا

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لندن: أُعلن في أواخر مارس الماضي عن استحواذ أمازون (amazon) على سوق.كوم (Souq.com)، أكبر شركة للتجارة الالكترونية في الشرق الأوسط، مقابل نحو 600 مليون دولار. وبعد اسبوع على الإعلان، احتشد في مؤتمر "ستيب" في دبي، الذي يعتبر من اكبر ملتقيات الشركات الناشئة والتكنولوجيا الرقمية في المنطقة، اكثر من 2000 رائد أعمال غصت بهم القاعة. 

أمضى رونالدو مشحور، مؤسس سوق.كوم الحلبي الأصل، أكثر من ساعة على المنصة يشرح بالتفصيل كيف بنى عملاقًا للتجارة الالكترونية. ففي عام 2005، عندما أُطلقت سوق.كوم كانت فئة قليلة في العالم العربي تتسوق رقميًا، وأقل منها من يستخدمون البطاقات الائتمانية على الانترنت. واكد مشحور للجمهور المسحور بكلامه أن الوضع يختلف الآن. 

قبل اشهر، قُدرت قيمة شركة كريم لخدمة سيارات الأجرة التي تشهد نموًا متسارعًا بأكثر من مليار دولار. وبدا نجاح هاتين الشركتين للمشاركين في المؤتمر مؤشرًا إلى حدوث انعطاف في العالم العربي جعله توفر التكنولوجيا الحديثة وظهور طبقة وسطى صاعدة ممكنًا. 

ما زالت التحديات في المنطقة كبيرة بطبيعة الحال، بينها الفقر والحرب وتفكك المؤسسات السياسية والاقتصادية في بعض الدول. وما زالت البنية التحتية لقطاع التعليم غير كافية لإنتاج قوى عاملة بمستوى تطورات القرن الحادي والعشرين، على الرغم مما يُنفق عليها. ومن التحديات الأخرى: النزاعات السياسية التاريخية والمخاوف الأمنية. 

مستقر الشركات الناشئة

لكن شيئًا مشجعًا يحدث. أينما تذهب في دبي تجد شبابًا يحملون أجهزة اتصال ذكية. قبل جيلين، كانت المدينة مركزًا صغيرًا للتجارة وصيد اللؤلؤ تحيطه الصحراء، لكنها اليوم مركز شركات ناشئة تتمدد في الشرق الأوسط باحثة عن أسواق ناشئة في كل الاتجاهات. وما سوق.كوم وكريم إلا اثنتان من آلاف الشركات الناشئة. وعلى غرار أمازون، فإن لاعبين كبارًا مثل غوغل وفايسبوك ولينكد إن، يعملون على توسيع وجودهم في دبي.  

الأغلبية العظمى من سكان دبي البالغ عددهم 3 ملايين، بمن فيهم جيل جديد من رواد الأعمال العرب الشباب، ولدوا خارجها. وهم كلهم يبيعون منتوجاتهم إلى جيل مربوط بالتكنولوجيا الرقمية في الشرق الأوسط. وكل بلد تقريبًا من بلدان المنطقة اليوم، يقل عمر أكثر من نصف سكانه عن 30 عامًا، بحسب برنامج الانماء التابع للأمم المتحدة. وثلثهم تقريبًا سيمتلك أجهزة ذكية بنهاية هذا العقد. ويستخدم اصحاب المبادرات الوافدين دبي منصة للوصول إلى الأسواق والمستهلكين بتوظيف التكنولوجيا والموهبة واطلاق عمليات زهيدة الكلفة في بلدانهم الأصلية مع الاستفادة من معرفتهم بالأوضاع المحلية. 

اليوم، لا تبعد دبي إلا اربع ساعات بالطائرة عن أكثر من ثلث سكان العالم. وبحسب الذراع البحثية لمؤتمر "ستيب"، فان دبي، ودولة الامارات العربية المتحدة عمومًا، موطن ما يربو على 42 في المئة من الشركات الناشئة في العالم العربي. 

تقدر مجموعة "ماغنيت" للبحوث أن بين 60 شركة تكنولوجية ظهرت في المنطقة خلال السنوات الخمس الماضية، اتخذت أغلبيتها من دبي مقرات رئيسية لها. وفي العام المقبل، يُتوقع جمع مليار دولار من رأس المال المغامر الجديد من مستثمرين في المنطقة لتشغيل أموالهم في شركات ناشئة محلية، وهذا رقم كبير لأي اقتصاد نامٍ، وقفزة كبيرة مقارنة بعام 2016. 

مبادرون عرب

أجرت حكومة الإمارات تغييرات أخيرًا لتشجيع المبادرة الفردية بعد تشريع أول قانون للإفلاس في عام 2016. واعلنت تسهيلات جديدة لإقامة الكوادر التكنولوجية الأجنبية الآتية من أي مكان في العالم. 

تحتضن حكومة دبي شركات التكنولوجيا الجديدة. وبحلول عام 2020، ستكون وثائق الحكومة وتعاملاتها كلها متاحة بفضل تقانة حفظ الملفات والسجلات بصورة أمينة. وبحلول عام 2019، سيتعين على 2 في المئة من كل أعمال الانشاء أن تستخدم مكونات أُنتجت بتكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد إذا ارادات الحصول على رخصة البناء على أن تزداد النسبة إلى 25 في المئة بحلول عام 2030. ولدى الامارات برنامجها الفضائي وتخطط لتوسيع نشاطها في مجال الأقمار الاصطناعية واطلاق أول مسبار لاستكشاف المريخ في العالم العربي. 

علاء السلال (31 عامًا) واحد من آلاف المبادرين الذين تستضيفهم دبي يجمع بين عمليات شركته التي يوجد مقرها في بلده الأردن ومكتبها في دبي. وبدأت شركته "جملون" (jamalon) الناشئة لتسويق الكتب على الانترنت قبل سبع سنوات، وهي تعرض الآن أكثر من 12 مليون كتاب بينها أكثر من 150 الف كتاب بالعربية، في حين أن لدى أمازون بضع مئات فقط من الكتب العربية.

في دبي، أطلق السلال أول عملية "طباعة حسب الطلب" تتيح طبع الكتب بكلفة أقل مع سهولة الشحن من الامارات إلى عموم المنطقة وحول العالم. 

الأحوال التي شجعت مبادرين مثل السلال شجعت حسن حمدان مؤسس شركة يونيفونيك في السعودية على الانتقال إلى دبي وتسجيل اقامته هناك. وبدأ حمدان نشاطه المهني في عام 2006، وتُقدر ايرادات شركته التكنولوجية بعشرات ملايين الدولارات. بدأت الشركة بموقع الكتروني أساس صممه حمدان لحفظ كل المعلومات والبيانات الطلابية وإيصال الرسائل بنقرة واحدة. وبدأ المستخدمون يتداولون اسم الموقع ويلجأون اليه لتوجيه الدعوات إلى حفلات زفاف واللقاءات العائلية واقامة فعاليات في مواقع العمل.

ومبادِرات...

في عام 2010، وقعت شركة حمدان واخيه عقدًا مع شركة تويوتا في السعودية التي سمعت بشركتهما من موظف استخدم أدواتها لتوجيه دعوات زفاف. واليوم، يتعامل الأخوان مع شركات لانتاج سيارات وشركات مالية وغيرها في عدد من البلدان بينها مصر والسودان وقطر والامارات والاردن والبحرين. 

يقول حمدان: "لا يوجد شيء مثل دبي في الشرق الأوسط، لا شيء في الحقيقة يشبهها في أي مكان"، مشيرًا إلى أن بامكان المرء "أن يصل إلى أي مكان في العالم العربي وباكستان وأفريقيا وجنوب شرق آسيا. برحلة واحدة تصل إلى الهند وكينيا وجنوب افريقيا والنيبال وباكستان وسنغافورة وماليزيا واندونيسيا بسهولة". 

كثيرون في الغرب يُفاجأون حين يسمعون أن أكثر من 25 في المئة من الشركات الناشئة في العالم العربي تأسست بمبادرة نساء أو تعمل بإدارة امرأة، بحسب مجلة الايكونومست. وتبلغ النسبة في الولايات المتحدة 17 في المئة. 

هالة فاضل التي شاركت في تأسيس شركة ليب فينتشرز لاستثمارات رأس المال المغامر في بيروت، تقول إن التكنولوجيا ليس لها تاريخ يقول انها حكر على الرجل بل تحتضن ثقافة من الحرية حيث كل شيء يعتبر ممكنًا، بما في ذلك اختراق الحواجز التي تفصل بين الجنسين.  

اولا دودين أسست شركتها بيت اويسيس حين لاحظت وجود ثغرة في البنية التحتية المالية للمنطقة وحددت تكنولوجيا جديدة ناشئة لردمها. ودرست دودين المولودة في العاصمة الاردنية عمان الهندسة الالكترونية في جامعة برمنغهام البريطانية. 

المدينة الفتية المغامرة

في عام 2015، كانت الانترنت في متناول يد أكثر من نصف سكان الشرق الأوسط، لكن أقل من 20 في المئة لديهم حسابات مصرفية. وبدا هذا خللًا بنظر دودين. وكانت المصارف باهظة الكلفة لا تعمل بكفاءة وليس لديها رغبة في مواكبة التحولات الرقمية الجارية في العالم. فأنشات دودين شركتها بيت أويسيس لسد هذه النواقص وتوفير بدائل عن الخدمات المصرفية التقليدية، بما في ذلك المبادلات المالية بالـ"بيتكوين". وتتولى الشركة ابتداء من يونيو مبادلات بحجم يربو على 60 مليون دولار شهريًا، ويتضاعف الحجم كل شهر. 

تقول دودين إن أفضليات دبي بديهية بسوقها المتنوعة وإمكانية الوصول إلى السوق العالمية منها، وكونها بوتقة للمواهب وموطنًا لأصحاب المبادرات الشباب. كل هذا يجعلها المكان الأمثل لإطلاق منتوج جديد أو اختبار تكنولوجيا جديدة. 

تضيف دودين أن دبي "مدينة فتية ايضًا لها شخصية المبادِر، لا تخاف المغامرة وتحاول دائمًا الوصول إلى مشارف تقنية جديدة". 

يؤكد المستثمر الأميركي كريستوفر شرودر "أن قصص مبادرين مثل هؤلاء تمثل تذكيرًا بأن الأشياء في الدول الناشئة كثيرًا ما تكون على الأرض مختلفة اختلافًا كبيرًا عما نقرأه عنها في الأخبار، وأن مراجعة تحيزنا يمكن أن تساعدنا على فهم التحديات ورؤية الإمكانات". 

 

أعدت «إيلاف» هذا التقرير بتصرف عن موقع «تكنولوجي ريفيو». الأصل منشور على الرابط:

https://www.technologyreview.com/s/608468/a-different-story-from-the-middle-east-entrepreneurs-building-an-arab-tech-economy/?utm_campaign=add_this&utm_source=twitter&utm_medium=post

 

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف