أعلنت إضرابين عامين لمواجهة ما تعتبره "إملاءات"
المركزية النقابية في تونس تتصدّى للإصلاحات التي يفرضها صندوق النقد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمضي الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يعتبر قوة اجتماعية ونقابية وازنة، قدمًا في جهوده للتصدّي لشروط صندوق النقد الدولي والتي تسميها الحكومة "اصلاحات"، مقابل صرف أقساط قرض تطلبه الحكومة من الصندوق لانعاش الاقتصاد المنهك.
مجدي الورفلي من تونس: تمثّل التزامات الحكومة التونسية مع صندوق النقد الدولي أو ما يُعرف بـ"الإصلاحات الكبرى" احد أكثر عناصر التوتّر الإجتماعي والسياسي في البلاد، حيث ترفض عدد من الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية على رأسها الإتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية)، وهي منظمة نقابية قويّة ومؤثرة، ما تسميّه "املاءات" صندوق النقد الدولي مقابل قرض قيمته الإجمالية 2.8 مليار دولار (حوالي 7 مليارات دينار تونسي).
تتمثّل اهم الإصلاحات التي تعهّدت بها الحكومة التونسية لصندوق النقد الدولي مقابل مواصلة صرفه لأقساط القرض الذي وافق على منحه لتونس في 20 مايو 2016، ويمتد على أربع سنوات في إطار ما يُسمى بتسهيل الصندوق الممدد، في التخفيض في كتلة الأجور من قرابة نسبة 14% من الناتج المحلي حالياً إلى حدود 12% ببلوغ سنة 2020 وبيع المؤسسات العمومية التي يعتبرها صندوق النقد الدولي عبئا على الدولة رغم النفي الرسمي للحكومة توجهها لخصخصتها.&
أكد وزير الشؤون الإجتماعية محمد الطرابلسي في تصريحات صحافية انه "لا نية للحكومة الحالية لبيع المؤسسات العمومية، فما تسعى له فقط هو إصلاحها هيكليا وماليا لإخراجها من أزمتها المتواصلة"، واوضح ان الحكومة "تناقش خطة لإصلاحها وإيجاد شركاء خواص لإعادة رأسملة عدد من المؤسسات العمومية غير الإسترتيجية والتي لا فائدة من بقاء ملكيتها للدولة".
تهديد بالإضراب... ثم إتفاق
الإتحاد العام التونسي للشغل أعلن الشهر الماضي انه سينفّذ إضرابين عامين الاول في المؤسسات العمومية يوم 24 أكتوبر الجاري والثاني في الوظيفة العمومية يوم 22 نوفمبر المقبل، للتصدّي لإصلاحين يشترطهما صندوق النقد الدولي لمواصلة تمكين حكومة يوسف الشاهد من باقي أقساط القرض الممدّد وهما خصخصة المؤسسات التي تعود ملكيّتها للدولة والضغط على كتلة اجور الموظفين العموميين والتخفيض فيها.
وبعد إعلان المنظمة عن الإضرابين في المؤسسات العمومية وفي الوظيفة العمومية، دخلت الحكومة في مفاوضات معه وتم توقيع إتفاق بينهما خلال الاسبوع الجاري، إطلعت عليه "إيلاف"، تتعهّد من خلاله الحكومة بعدم بيع المؤسسات التي تعود للدولة وتكوين لجنة بين الطرفين لإعادة هيكلتها وإصلاحها كما تم الإتفاق بين الحكومة والمنظمة النقابية بإقرار زيادة في اجور عمال المؤسسات العمومية مما أسفر عن إلغاء الإضراب العام بها.
صندوق النقد لا يعنينا
الناطق الرسمي للإتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري إعتبر في تصريح لـ"إيلاف" ان تعهّدات الحكومة وإلتزاماتها مع صندوق النقد الدولي لا تعني المنظمة، وما يعنيها فقط المحافظة على ممتلكات الدولة من المؤسسات العمومية.
واكد أن إتحاد الشغل لن يسمح بخصخصتها مهما كانت الضغوطات التي يسلّطها صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية المانحة على الحكومات المتعاقبة منذ 2016.
وأوضح ان الإتفاق مع الحكومة بعدم بيع المؤسسات التي تعود ملكيتها للدولة والزيادة في أجور العاملين بها أدى الى إلغاء الإضراب بها فقط، في حين لا يزال الإضراب في الوظيفة العمومية من وزارات وادارات حكومية المقرر تنفيذه يوم 22 نوفمبر المقبل لا يزال قائما، ولن يقع إلغاؤه الا بإقرار الزيادة في الأجور لترميم المقدرة الشرائية لموظفي الدولة.
يُذكر ان عدد العاملين في الوظيفة العمومية إرتفع أساسا خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2014 بحوالي 155.7 ألف عامل &ليصل عددهم حالياً إلى حوالى 650 ألف موظف بعد ان كان عددهم قبل سقوط نظام بن علي يبلغ قرابة 440 ألف موظف، وفق إحصائيات رسمية.
تناقض التعهّدات
الخبير الإقتصادي حسين الديماسي أوضح في تصريح خصّ به "إيلاف" ان إلتزمات الحكومة تجاه صندوق النقد الدولي منذ سنة 2016 تتناقض مع تعهّداته للإتحاد العام التونسي للشغل، ولكن ضغوطات المنظمة دفعته الى الإلتزام بعكس ما التزم به للمؤسسة المالية المانحة من خلال التعهّد بعدم بيع المؤسسات التي تعود ملكيتها للدولة والترفيع في أجور العاملين فيها في إنتظار فتح مفاوضات للزيادة في أجور موظفي الدولة مما يتناقض كليا مع إلتزامات تونس مع صندوق النقد الدولي.
ورجح الخبير الإقتصادي ان إلتزامات الحكومة مع الإتحاد العام التونسي للشغل ستخلق لها إشكاليات مع صندوق النقد الدولي الذي يشترط التقدّم في الإصلاحات وعلى رأسها التخفيض في كتلة اجور موظفي الدولة وبيع المؤسسات العمومية مقابل مواصلة صرف أقساط القرض.
أكد الديماسي أنّ ممثلي صندوق النقد الدولي يزورون تونس بإستمرار ويطّلعون في كلّ مرة على تقدّم الإصلاحات التي يريدونها قبل المصادقة على صرف أي قسط مما يجعل صرف القسط المقبل محلّ شكّ بعد خضوع الحكومة لمطالب الإتحاد العام التونسي للشغل، وأشار الى ان صندوق النقد لا ينظر بعين الرضا الى تأثير المنظمة العمالية القوي تخوّفا من عرقلتها لتنفيذ الإصلاحات التي يريدها.
صرف صندوق النقد الدولي في سبتمبر الماضي القسط الخامس (245 مليون دولار) من القرض المسند لتونس على 8 أقساط مقابل تقدم الحكومة بين تاريخ صرف قسط وقسط في تنفيذ ما يُعرف الإصلاحات الكبرى.
تجدر الإشارة الى ان الإتحاد العام التونسي للشغل منظمة عمالية تُعتبر الاقوى والأكثر عراقة في البلاد، فقد تأسست منذ سنة 1929 وساهم الاتحاد بصفة فعالة في إستقلال البلاد عن فرنسا في 20 مارس 1956، كما ادارت المنظمة العمالية مع &3 منظمات أخرى حوارا وطنيا بين الأحزاب السياسية في تونس سنة 2013 عقب إغتيال السياسي المعارض محمد البراهمي مما جعل المنظمة تتحصل على جائزة نوبل للسلام في العام 2015.