اقتصاد

انقسامات سياسية بشأن الأثر البيئي لتربية المواشي

الاستهلاك المفرط للحوم يثير جدلاً واسعاً في إسبانيا

نمو قطاع الثروة الحيوانية في إسبانيا مدفوع بالطلب الخارجي على اللحوم وخاصة من الصين، وكذلك من داخل إسبانيا
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

مدريد: يثير الحجم الكبير لأنشطة تربية المواشي لإنتاج اللحوم وأثرها البيئي السلبي جدلاً واسعاً في إسبانيا، البلد الأوروبي الأكثر استهلاكاً للحوم، على وقع انقسامات سياسية بشأن قطاع يوفر ملايين الوظائف في البلاد.

ودقّ وزير الاستهلاك ألبرتو غارزون ناقوس الخطر حول ما يعتبره إفراطاً في إنتاج اللحوم ببلاده، وذلك في مقابلة نشرتها صحيفة "ذي غارديان" البريطانية غداة عيد الميلاد.

ويقول "لاحظنا في الآونة الأخيرة تأثير إنتاج اللحوم وتحديداً البقرية منها"، لافتاً إلى أنّ هذا الموضوع لطالما اعتُبر من "المحرّمات" في إسبانيا.

وكان يستهدف الوزير المجاز في الاقتصاد في حديثه "المزارع الكبيرة" ("ماكرو غرانخاس")، وهي مؤسسات عملاقة تشهد طفرة كبيرة في إسبانيا.

ويوضح أنّ الشركات المعنية "تجد قرية في منطقة إسبانية خالية من السكان، وتضع فيها أربعة أو خمسة أو عشرة آلاف رأس ماشية، وتلوّث التربة والمياه ثم تصدّر لحومها المصنّعة بنوعية رديئة والمتأتية من حيوانات تعرضت لسوء معاملة".

وأثارت مواقف زعيم حزب "إيزكيردا أونيدا"، وهو تحالف يساري صغير مندمج في حزب اليسار الراديكالي "بوديموس" حليف الحزب الاشتراكي في الائتلاف الحكومي، التي نشرتها وسائل الإعلام بعد الأعياد، غضب جمعيات تربية المواشي بينها اتحاد صغار المزارعين.

ويؤكّد الاتحاد أنّ "في إسبانيا، لا توجد حيوانات تعرّضت لسوء معاملة"، نافياً سلسلة "أكاذيب" و"أخطاء" يمكن أن يكون لها "تأثيرات كارثية على الصادرات الإسبانية من منتجات اللحوم".

هجوم على المزارعين

واعتبر زعيم المعارضة المحافظة بابلو كاسادو (الحزب الشعبي) أنّ ما يحصل "هجوم على المزارعين" ويلحق "ضررا بصورة" إسبانيا. حتى أنّ بعض الاشتراكيين وهم قادة مناطق يعتمد اقتصادها على هذا القطاع، طالبوا بـ"استقالة" غارزون.

وفي مواجهة موجة الانتقادات هذه، قالت الناطقة باسم الحكومة إيزابيل رودريغيس إنّ الوزير تحدّث من "وجهة نظر شخصية"، مشيرةً إلى أنّ السلطة التنفيذية "تدعم قطاع إنتاج اللحوم الذي يساهم بشكل حاسم في الاقتصاد (...) في صادرات إسبانيا" و"تماسك أراضيها".

وكان أثار غارزون في تموز/يوليو حالة من الذعر في السلطة التنفيذية، عبر شجبه "الاستهلاك المفرط" للحوم في إسبانيا، ما دفع رئيس الوزراء بيدرو سانشيز للقول إنّه لا يستطيع مقاومة "ضلع من لحم البقر مطهي جيّداً".

ورأى الأستاذ في جامعة فالنسيا سلفادور كالفيه المتخصص في هذا القطاع أنّ الاحتجاج على تصريحات الوزير يرجع إلى القيمة الثقافية والاقتصادية التي يتمتّع بها هذا القطاع الذي يعتاش منه "عدد كبير من العائلات" في إسبانيا.

ووفق منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو"، يوفر هذا القطاع نحو 2,5 مليون وظيفة مباشرة وغير مباشرة في إسبانيا وتبلغ قيمة صادراته السنوية تسعة مليارات يورو.

هذا القطاع الذي يسجل نمواً متسارعاً في عجلة التطوير الصناعي، يحقق ازدهاراً واسعاً، إذ تظهر قاعدة بيانات جامعة أكسفورد ازدياد إنتاج اللحوم عشر مرات منذ ستين عاماً في إسبانيا، أي أكثر بكثير مما هو عليه في البلاد الأوروبية الأخرى.

ويؤكد كالفيه أنّ "عدد المزارع يميل إلى الانخفاض"، لكن حجم المواشي "يكبر أكثر". وما يعزز هذا النمو هو ارتفاع الطلب الخارجي لا سيما من الصين، ولكن كذلك الشهية القوية للإسبان على منتجات اللحوم.

تأثير اللحوم

وتشير منظمة "فاو" إلى أنّ كلّ فرد في إسبانيا يستهلك ما معدّله 98,8 كيلوغراماً من اللحوم سنوياً، مقارنةً بـ42 كيلوغراماً كمعدّل عالمي، ما يجعل هذا البلد أكبر مستهلك للحوم في أوروبا متقدماً على البرتغال (94,7 كيلوغراماً) وبولندا (88,5 كيلوغراماً).

وتوضح منظمة "غرينبيس" البيئية غير الحكومية أنّ هذا الاستهلاك يعادل أكثر من 270 غراماً في اليوم، في حين أنّ "التوصيات العلمية الدولية تنصح بتناول 300 غرام أسبوعياً"، معتبرةً أنّ عواقب هذا الاستهلاك المفرط "مدمّرة".

وقد أعلنت المنظمة غير الحكومية الدولية تأييدها لألبرتو غارزون، على غرار جمعيات أخرى عدة.

ويرى كالفيه أنّ "هناك نقاشاً مشروعاً" حول تأثير اللحوم، حتى لو كان الواقع "معقداً ودقيقاً"، معتبراً أنّ مربي المواشي "حسّنوا" ممارساتهم في السنوات الأخيرة لكنهم يستطيعون "التحسن أكثر".

ويمكن أن يؤثر هذا النقاش على الانتخابات المقبلة، بدءاً من انتخابات إقليمية في 13 شباط/فبراير في قشتالة وليون، وهي منطقة ريفية شمال مدريد، مع خطر إضعاف التحالف بين الاشتراكيين و"بوديموس". وأعرب هذا الحزب الجمعة عن أسفه لانتقادات حلفائه لغارزون.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف