ملاحق في أوروبا ولبنان بتهم اختلاس أموال
عقوبات أميركية وبريطانية وكندية على الحاكم السابق للبنك المركزي اللبناني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: أعلنت وزارة الخزانة الأميركية الخميس أنّ الولايات المتّحدة وكندا وبريطانيا فرضت بصورة منسّقة عقوبات اقتصادية بتهم فساد مالي على الحاكم السابق للبنك المركزي اللبناني رياض سلامة الذي غادر مؤخّراً منصبه من دون أن يتمّ تعيين خلف له.
وقالت الوزارة في بيان إنّ "أنشطة سلامة الفاسدة وغير القانونية ساهمت في انهيار دولة القانون في لبنان"، مشيرة إلى أنّها فرضت هذه العقوبات بالتنسيق مع كلّ من بريطانيا وكندا.
وسلامة (73 عاماً) الذي تولّى حاكمية المركزي اللبناني طوال 30 عاماً ملاحق في أوروبا ولبنان بتهم اختلاس أموال، في وقت يعاني فيه بلد الأرز من أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث.
إساءة استغلال للمنصب
وأكّدت وزارة الخزانة الأميركية في بيانها أنّ سلامة "أساء استغلال موقعه في السلطة، في انتهاك للقانون اللبناني على الأرجح، لإثراء نفسه وشركائه من خلال تحويل مئات الملايين من الدولارات عبر شركات وهمية لاستثمارها في قطاع العقارات الأوروبي".
وقالت الوزارة إنّ العقوبات الأميركية فرضت بالتنسيق مع كندا وبريطانيا.
وتشمل العقوبات الأميركية بالإضافة إلى سلامة أربعة أشخاص مقرّبين منه، "من بينهم أفراد من عائلته ومساعدته الأساسية".
والأربعة الآخرون الذين شملتهم العقوبات الأميركية هم نجله نادي، وشقيقه رجا، ومساعدته السابقة ماريان الحويّك، وعشيقته السابقة آنا كوساكوفا.
وتنصّ العقوبات الأميركية على تجميد كلّ الأصول التي يملكها هؤلاء المعاقبون الخمسة في الولايات المتّحدة، كما تمنع كلّ الشركات الأميركية والمواطنين الأميركيين من جرّاء أيّ تعاملات تجارية معهم.
وشملت العقوبات البريطانية أربعة أسماء فقط هم رياض ورجا سلامة وماريان الحويّك وآنا كوساكوفا، أي أنّها استثنت نجل الحاكم السابق.
بالمقابل شملت العقوبات الكندية ثلاثة أسماء فقط هي رياض ورجا سلامة وماريان الحويّك.
وقالت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي إنّ العقوبات ترسل رسالة واضحة مفادها أنّ الحلفاء "لن يتساهلوا مع أنشطة الفساد الضخمة التي ساهمت في انهيار لبنان اقتصادياً".
لا تطال المصرف المركزي
وحرصت وزارة الخزانة الأميركية في بيانها على توضيح أنّ العقوبات لا تطال بأيّ شكل من الأشكال المصرف المركزي اللبناني.
أما لندن فقالت من جهتها إنّها المرة الأولى التي تستخدم فيها نظام العقوبات العالمي لمكافحة الفساد ضدّ أفراد في لبنان. وأقرّت المملكة المتّحدة هذا النظام في 2021 لمواءمة إجراءاتها بشكل أفضل مع كلّ من واشنطن وأوتاوا.
وقالت وزارة الخارجية في لندن في بيان إنّ الرباعي المشمول بالعقوبات البريطانية جمّدت أصوله في المملكة المتّحدة ومنع كذلك من السفر إليها، مشيرة إلى أنّ هؤلاء الأشخاص الأربعة شاركوا في "تحويل ما يربو على 300 مليون دولار من أموال مصرف لبنان المركزي لمصالحهم الخاصة".
وسلامة الذي شغل منصبه منذ العام 1993 وحتى نهاية تمّوز/يوليو الفائت، يُعتبر أحد أطول حكام المصارف المركزية عهداً في العالم.
انتعاش
وكان سلامة مهندس السياسة المالية التي مكّنت لبنان من الانتعاش بعد حرب أهلية استمرّت 15 عاماً (1975-1990).
لكن منذ غرق لبنان في نهاية 2019 في أزمة اقتصادية غير مسبوقة، يحملّ كثيرون كلاً من سلامة والقادة السياسيين الذين يرتبط بهم ارتباطاً وثيقاً، المسؤولية عن خراب لبنان.
وسلامة موضع تحقيقات قضائية تجري حالياً في لبنان وأوروبا للاشتباه بضلوعه في عمليات اختلاس وتبيض أموال واحتيال وإثراء غير مشروع، وهي تهم ينفيها جملة وتفصيلاً.
ويحمل سلامة بالإضافة إلى جنسيته اللبنانية الجنسية الفرنسية وقد صدرت بحقّه مذكرتا توقيف عن كلّ من فرنسا وألمانيا.
وبناء على ذلك أصدر الإنتربول نشرة حمراء بحقّ سلامة لكنّ لبنان لا يسلّم رعاياه لدول أخرى.
وأصدر القضاء الفرنسي قرارات بمصادرة أصول عقارية ومصرفية يملكها سلامة وتقدّر قيمتها الإجمالية بعشرات ملايين اليوروهات.
تجميد أصول
وفي 2022، جمّدت فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ أصولاً بقيمة 120 مليون يورو يشتبه بأنّ ملكيتها تعود لسلامة.
وكان مصدر دبلوماسي أوروبي قال لفرانس برس إنّ محاكمة سلامة في باريس ستبدأ قريباً.
بالمقابل، فإنّ سلامة الذي نال جوائز إقليمية ودولية وأوسمة شرف تقديراً لجهوده في منصبه، وكان أول حاكم مصرف مركزي عربي يُقرَع له جرس افتتاح بورصة نيويورك، يؤكّد أنّه جمع ثروته من عمله السابق طيلة عقدين في مؤسسة "ميريل لينش" المالية العالمية ومن استثمارات في مجالات عدة بعيداً عن عمله على رأس حاكمية مصرف لبنان.
حجز احتياطي
وبالتوازي مع التحقيقات الأوروبية، يقود القضاء اللبناني تحقيقاً محلياً حول ثروة سلامة، وقد فرض قبل أسبوعين حجزاً احتياطياً على ممتلكاته.
وبالتزامن مع هذه العقوبات الغربية، علّق القضاء اللبناني الخميس التحقيق المستمرّ منذ عامين في مصدر ثروة سلامة، وذلك على خلفية دعوى قضائية رُفعت ضدّ القاضي المسؤول عن التحقيق بسبب عدم توقيفه سلامة حتى اليوم.
وقال مصدر قضائي لوكالة فرانس برس إنّ القاضية هيلانة اسكندر التي تمثّل أساساً الدولة اللبنانية والتي ادّعت على سلامة سابقاً باسم الدولة، رفعت دعوى ضدّ القاضي شربل أبو سمرا بسبب اتخاذه قرار ترك سلامة رهن التحقيق وعدم توقيفه.
وقد يعني ذلك، وفق المصدر، تعليق التحقيق لأشهر أو حتى لسنوات.
وبناء عليه، أرجأ أبو سمرا جلسات استجواب كان قد حدّدها لكل من الحويك ورجا سلامة.
واعتبر مصدر مقرّب من أبو سمرا أنّ ما حصل غير مفهوم.
وقال المصدر "إنّها المرة الأولى في تاريخ القضاء اللبناني، تدّعي فيها الدولة على الدولة، وما حصل ليس له أيّ تفسير".