لماذا تراجع قطاع التكنولوجيا فائقة الدقة في إسرائيل؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تبدأ رحلة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى الولايات المتحدة من مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، وتحديدًا من أروقة "وادي السيليكون"، الذي يشكل مركزا عالميا لصناعات التكنولوجيا والابتكار.
وقبل أن يغادر إسرائيل، قال نتنياهو إنه سيلتقي رجل الأعمال الأمريكي، إيلون ماسك، وسيحاول تشجيعه على الاستثمار في إسرائيل خلال السنوات المقبلة.
وشدّد نتنياهو على أهمية أن تصبح إسرائيل رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، مثلما أصبحت رائدة في مجال الأمن السيبراني، على حد قوله.
ويأتي تصريح نتنياهو واجتماعه المرتقب مع ماسك، في وقت تتزايد فيه المخاوف داخل إسرائيل، حيال تراجع قطاع التكنولوجيا فائقة الدقة الذي يُعدّ محرك نمو الاقتصاد الإسرائيلي.
في الوقت نفسه، يترقب متظاهرون إسرائيليون، وصول رئيس الوزراء إلى سان فرانسيسكو، لتنظيم احتجاجات هناك على خطة التعديلات القضائية التي تتبناها حكومة نتنياهو، والتي يرونها سببا في تراجع قطاع التكنولوجيا.
وتأتي محاولات الحكومة الإسرائيلية لجذب استثمارات جديدة، بعد أن أفادت وزارة الابتكار والعلوم والتكنولوجيا بأن الاستثمارات في الشركات الناشئة انخفضت بنسبة تزيد على 70 في المئة منذ بداية هذا العام مقارنة بالعام الماضي، وهو انخفاض يعدّ الأكبر مقارنة بالصناعات التكنولوجية للدول الأخرى التي تنافسها إسرائيل.
وفي تقريرها الأخير، وصفت الوزارة الإسرائيلية هذا الانخفاض بـ "المؤشر المقلق"، مشددة على أهمية اتخاذ إجراءات لتجنب حدوث انخفاض أكبر ومستدام.
علاقة الاستثمارات بتراجع القطاع التكنولوجيتعتمد إسرائيل في قطاع التكنولوجيا فائقة الدقة على استثمارات أجنبية؛ إذ وصلت حصة المستثمرين الأجانب في الشركات التكنولوجية إلى نسبة تتراوح بين 75-80 في المئة خلال عامي 2021 و2022.
وبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي منظمة حكومية دولية، تُعدّ إسرائيل صاحبة أعلى مستوى من التمويل الأجنبي في مجالات البحث والتطوير للقطاع الخاص، مقابل مستوى تمويل السوق المحلية لهذه المجالات.
علاقة القطاع التكنولوجي بالاقتصاد الإسرائيليأسهم قطاع التكنولوجيا فائقة الدقة بنسبة 30 في المئة من نمو الناتج المحلي الإسرائيلي خلال السنوات الخمس الأخيرة. وبلغت نسبته من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي 18.1 في المئة، وهو ضعف ما يشكله قطاع التكنولوجيا من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، بحسب ما أفادت به وزارة الابتكار والعلوم والتكنولوجيا الإسرائيلية.
وتقول الوزارة إن القطاع التكنولوجي في إسرائيل، شهد أسرع وتيرة نمو خلال العقد الماضي، نتيجة زيادة حجم صادراته، وعدد موظفيه وزيادة إنتاجيته.
هجرة الشركات الناشئةوتزامن تراجع الاستثمارات في السوق التكنولوجية في إسرائيل مع انخفاض عدد الشركات الناشئة الجديدة المسجلة هناك.
وتقول وزارة الابتكار والعلوم والتكنولوجيا إن معدل الشركات الناشئة إسرائيلية الأصل المسجلة خارج البلاد، ارتفع مقارنة بالعام الماضي؛ إذ بلغ خلال هذا العام ما بين 50 إلى 80 في المئة، مقارنة بـ 20 في المئة فقط في العام السابق.
ونشرت مؤسسة "ستارت أب نيشن"، المختصة بالشركات الناشئة في إسرائيل، استطلاعا يدعم هذه البيانات أُجري في الربع الأول من العام الجاري.
وبحسب الاستطلاع، شرعت نسبة 68 في المئة من الشركات الناشئة في إسرائيل، في اتخاذ إجراءات مالية وقانونية، تشمل سحب الفائض النقدي، ونقل مكان تسجيل الشركات إلى خارج البلاد، بالإضافة إلى نقل الموظفين، وتسريح بعضهم.
وتقول هذه الشركات إنها اتخذت إجراءاتها الأخيرة على خلفية خطة التعديلات القضائية للحكومة.
وفي تصريح لبي بي سي، قال إلداد روتمان، مدير شركة "أوبتيماكس"، وهي شركة ناشئة مقرها في تل أبيب وتملك علامات تجارية بارزة حول العالم مثل "غلاسيس يو إس أيه"، إن شركته اتخذت قرارا بنقل جزء من أموالها إلى بنوك خارج إسرائيل، خوفا من حدوث "تدهور أكبر" في البلاد، وذلك بعد إعلان الحكومة عن خطة التعديلات القضائية.
وأشار روتمان إلى أنه يرى الشركات الناشئة من حوله، وهي تعاني للحصول على التمويل، مؤكدا أن عددا كبيرا من الموظفين في شركته، يبحثون إمكانية الانتقال للعمل من مكاتب في دول أخرى مثل الولايات المتحدة.
وأكد روتمان أن المخاوف تزداد مع فقدان الأيدي العاملة في إسرائيل، التي تمتاز بالمواهب على حد قوله، مضيفا أن "انتقال هذه المواهب إلى دول أخرى وحتى إلى شركات أخرى، سيشكل ضربة موجعة للقطاع" التكنولوجي في إسرائيل.
أوضحت وزارة الابتكار والعلوم والتكنولوجيا الإسرائيلية أن تراجع قطاع التكنولوجيا في إسرائيل، يعود إلى عوامل اقتصادية عالمية ومحلية، تشمل الحرب المشتعلة في أوكرانيا، وعدم استقرار الأسواق المالية، وارتفاع معدل التضخم.
ومع ذلك، تشير الوزارة إلى أن السياسة الداخلية في إسرائيل، أثرت بشكل كبير على هذا القطاع.
وفي هذا السياق، وجه مستثمرون ومختصون في مجال التكنولوجيا أصابع الاتهام إلى الحكومة الإسرائيلية، التي يقولون إنها تحاول الإضرار بالنظام الديمقراطي في البلاد، وبثّ عدم الاستقرار فيها.
وتقول ميخال غيفاع، المؤسِسَة الشريكة في صندوق الاستثمارات "ترايفينتشرز" في إسرائيل، إن ما يبحث عنه رجال الأعمال من خلال الاستثمار في شركات ناشئة، هو مواهب جيدة وسوق واسعة وتكنولوجيا حديثة.
وأضافت: "لكن ذلك يحتاج إلى دولة قوية واستقرار".
وأكدت غيفاع لبي بي سي أن عوامل مثل الاستقرار واليقين والشفافية، فيما يتعلق بصلاحيات السلطات في إسرائيل واستقلاليتها، تلعب دورا مهما في الاقتصاد والتكنولوجيا.
وأشارت في حديثها، إلى أن مستثمرين أجانب تواصلوا معها بعد ثلاثة أيام من إعلان وزير القضاء ياريف ليفين عن خطة التعديلات القضائية، وطلبوا منها سحب أموالهم، ونقلها إلى خارج إسرائيل، وهي خطوات تقول إن المستثمرين في الشركات الإسرائيلية، اتخذوها بهدف الحفاظ على صناديق الاستثمار، في جو تراه مشبّعا بعدم اليقين وعدم الاستقرار.
تصطبغ صورة الوضع الحالي في قطاع التكنولوجيا في إسرائيل بأجواء قلق متزايد، إذ يعبّر معظم المستثمرين والعاملين في هذا القطاع، عن رؤية سلبية بشأن توقعات الانتعاش في المستقبل القريب.
ووفقًا لاستطلاع مؤسسة "ستارت أب نيشن"، يتوقع المستثمرون أن يكون الانتعاش في السوق التكنولوجية الأمريكية أسرع وتيرة من نظيره في إسرائيل؛ إذ يرى 65 في المئة منهم أن هناك مؤشرات على الانتعاش في الولايات المتحدة حتى النصف الأول من العام المقبل، بينما يتبنى 12 في المئة فقط، توقعات إيجابية بالنسبة لإسرائيل.
موقف الحكومة الإسرائيليةفي تصريح لبي بي سي، نفى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، التقارير المتداولة حول نسبة انخفاض الاستثمارات في إسرائيل، مؤكدا أن الأرقام الحقيقية أقل بكثير مما يتم تناقله في التقارير المنشورة.
وأضاف المكتب أن الحكومة الإسرائيلية بدأت ولايتها مع انخفاض قائم، في تلميح الى أن سبب تراجع الاستثمارات، قد يعود إلى الحكومة السابقة. وأشار إلى أن الحكومة الحالية أوقفت هذا التراجع، و"أعادت التقدم في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي".
وتابع المكتب: "إسرائيل تحت قيادة رئيس الوزراء نتنياهو أصبحت قوة في مجال التكنولوجيا فائقة الدقة والأمن السيبراني".
"إننا نخسر دولة الشركات الناشئة"لكن روتمان يقول إن إسرائيل تسير في مسار قد يفقدها لقبها كدولة الشركات الناشئة، مما سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد الإسرائيلي وعلى المواطنين الإسرائيليين، الذين يستفيدون من الضرائب التي تدفعها هذه الشركات.
وأعرب روتمان عن أسفه لعدم استماع الحكومة لتحذيرات المختصين، على حد تعبيره.
من جانبها، أكدت غيفاع أنه من المبكر تحديد ما إذا كانت إسرائيل ستفقد ميزتها التكنولوجية التي بنتها على مرّ السنين. ولكنها أعربت عن قلقها إزاء المعطيات الأخيرة، وأكدت أهمية وقف خطة التعديلات القضائية، "التي لها تأثير كبير على القطاع التكنولوجي في إسرائيل"، على حد وصفها.
ينشط العاملون في قطاع التكنولوجيا فائقة الدقة في إسرائيل، في مجموعات احتجاجية بارزة ضد الحكومة؛ إذ ينظمون مظاهرات خاصة بهم، بالإضافة إلى انخراطهم في المظاهرات الأسبوعية المستمرة في تل أبيب منذ أكثر من 35 أسبوعا، وذلك تحت شعارات مثل "أنقذوا دولة الشركات الناشئة".
وتقول غيفاع إنها تشارك كغيرها من الناشطين في المظاهرات الأسبوعية منذ انطلاقها، من دون التخلف عن أي منها، فيما أكد روتمان أن شركته تعتبر الأحد يوم راحة للموظفين، وذلك لمنحهم إمكانية المشاركة في مظاهرات مساء السبت في تل أبيب.
وأضاف أن الشركة موَّلتْ إيصال عاملين فيها إلى مظاهرات رئيسية انطلقت في مدينة القدس ومدن مختلفة في إسرائيل خلال الأشهر الماضية، ضد التعديلات القضائية.
ويجوب المتظاهرون شوارع تل أبيب، التي تعتبر مركزا للشركات الناشئة وللمظاهرات المناهضة للحكومة حاليا، مرددين شعارات تؤكد أهمية إنقاذ التكنولوجيا، مثل "من دون ديمقراطية لا توجد تكنولوجيا فائقة الدقة".
ويقول متظاهرون إن التكنولوجيا الإسرائيلية هي ضحية خطط التعديلات القضائية، وأن على جميع الإسرائيليين الكفاح للحفاظ عليها.