اقتصاد

تعاني نقصاً حاداً في توافر العملة الصعبة

الأسعار في مصر: ما السبب وراء الارتفاع المستمر في البلاد؟

أسعار السلع الغذائية داخل أحد محال البقالة في القاهرة
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عندما يذهب المصريون للتبضع لا يمكنهم معرفة السعر النهائي الذي سيشترون به حاجياتهم، هكذا شكا كثيرون على مدار الأشهر الماضية، منتقدين تحرك أسعار المواد الغذائية تحديدا بشكل شبه يومي، حتى أن كثيرا من محال البقالة في مصر، مؤخرا، باتت لا تضع أسعارا محددة على السلع تحسبا لارتفاعها في أي لحظة.

أغلب السلع الغذائية زادت، وتضاعفت أسعار بعضها في ظرف أيام قليلة، وبرغم إرجاع ذلك لارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية، وهو السعر الذي يعتمد عليه التجار لاستيراد أغلب السلع الأساسية في مصر، فإن الزيادة ومعدلها السريع كانت مثار انتقاد واندهاش من قبل الكثيرين.

بحسب بوابة أسعار السلع المصرية التابعة لمجلس الوزراء المصري، وهي بوابة تعرض فإن أسعار أغلب المواد الغذائية ارتفعت بنسب لم تتجاوز ال 5٪ خلال شهر آذار (مارس) آذار مقارنة بالشهر السابق.

لذا قررت بي بي سي خوض تجربة، لمعرفة معدل تحرك أسعار المواد الغذائية في مصر بشكل أكثر دقة.

الذهب يحقق مكاسب تاريخية.. هل يجب الاستثمار فيه في الوقت الراهن؟ التجربة BBC ما تكلفة المكونات اللازمة لصنع قالب من الكيك في مصر؟

قررنا خبز قالب من الكعك في بداية شهر شباط (فبراير) الماضي، ولتحقيق ذلك حددنا خمسة مكونات غذائية أساسية لصنع الكعك وهي:

بيض &- حليب &- زيت &- سكر &- دقيق

راقبنا أسعار السلع الخمس من 7 من شباط (فبراير) إلى الأول من آذار (مارس) في خمسة محال لبيع البقالة في العاصمة المصرية القاهرة، المحال في مناطق بمستويات اجتماعية مختلفة في القاهرة.

على مدار نحو شهر، رصدنا التالي.

النتيجة BBC ارتفعت أسعار المكونات بنسب تراوحت بين 40 - 100٪

أربعة من أصل خمسة مكونات ارتفعت أسعارها، بينما استقر سعر مكون واحد. وكانت الزيادات كالتالي:

السكر: ارتفع سعره بنسبة وصلت ل 100٪ في أقل من أسبوع واحد، ومع نهاية شباط (فبراير)، والذي تزامن مع حلول شهر رمضان، رصدنا كذلك نقصا شديدا في المعروض من السكر.

الحليب: ارتفع سعره بنسبة وصلت ل 55٪

الزيت: ارتفع سعره بنسبة تراوحت بين 30٪ و40٪

البيض: ارتفع سعره بنسبة وصلت ل 40٪

الدقيق: المكون الوحيد الذي استقر سعره

وبالتالي فإن تكلفة مكونات إعداد قالب متوسط من الكعك ارتفع من نحو 330 جنيها مصريا 6.69) دولار أميركي) حتى وصل ل 400 جنيها مصريا (8.11 دولار أمريكي)، بنسبة زيادة وصلت ل20٪ في مدة لم تتجاوز الشهر.

تضخم "جامح"

التضخم هو معدل ارتفاع أسعار السلع والخدمات في مدة محددة، وتقول الحكومة المصرية إن معدل التضخم قد عاود الارتفاع في شباط (فبراير) الماضي بعد تباطؤه مؤخرا، مسجلا 36٪ على أساس سنوي، مدفوعا بارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسب تجاوزت 45%.

تتعرض تقارير التضخم الرسمية كثيرا للتشكيك في دقتها خاصة مع تزايد الحديث عن أن الزيادة الكبيرة والمتسارعة في الأسعار لا تُترجم بشكل واقعي في تلك التقارير.

ويرى مدحت نافع، أستاذ الاقتصاد والتمويل بجامعة القاهرة، أن نسبة التضخم الحقيقية في مصر تتجاوز ال 50٪، وهو ما يعرف بحالة "التضخم الجامح".

ويضيف: "الارتفاع اللحظي للأسعار هو أمر طبيعي في ظل حالة التضخم الجامح، وهو ارتفاع الأسعار الخارج عن السيطرة".

والسبب في هذه الحالة يرجع لعوامل عدة، بحسب نافع، أبرزها النقص في الدولار والذي أدى لارتفاع كبير في سعره.

تعاني مصر نقصا حادا في توافر العملة الصعبة (الدولار) بسبب تراجع عائدات النقد الأجنبي الرئيسية في مصر، وعلى رأسها؛ السياحة وتحويلات المصريين في الخارج ومؤخرا عائدات قناة السويس بعد هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر.

قبل تحرير سعر الصرف العملة المحلية في 6 آذار (مارس)، أبقي البنك المركزي المصري على سعر صرف رسمي للدولار عند 31 جنيها، لشهور، فيما ارتفع سعره في السوق الموازية ليتجاوز 70 جنيها وهي السوق التي يعتمد عليها التجار في الحصول على الدولار اللازم لاستيراد المواد الغذائية.

هل يعتبر تعويم الجنيه في مصر حلاً للأزمة المالية أم تمهيداً لقروض جديدة؟ الدولار والأسعار

أسعار السلع إما أن تحددها الدولة بشكل جبري، كما تفعل الحكومة المصرية في الدواء مثلا، أو في حالة الاقتصاد الحر تحددها عوامل أخرى، في مقدمتها العرض والطلب وكلفة مستلزمات الإنتاج والنقل والتخزين، وأخيرا الدولار.

يُستخدم الدولار لاستيراد الكثير من المواد الغذائية من الخارج، وحتى المواد المصنعة محليا تتأثر بالدولار. فمصر تستورد موادا غذائية ومحاصيل زراعية بنحو 17 مليار دولار سنويا، بما يساوي 21٪ من إجمالي واردات مصر من الخارج.

فالبيض واللبن ومنتجات الدواجن تنتج محليا، لكنها تحتاج إلى الأعلاف التي تستوردها مصر من الخارج.

الزيت كذلك يصنع محليا، لكنه يحتاج إلى الحبوب الزيتية التي تستورد مصر أغلبها من الخارج بالدولار.

وكذلك الدقيق الذي يصنع من القمح الذي تستورده مصر من الخارج بالدولار.

إلي جانب الكثير من المواد الغذائية التي يدخل الدولار في مراحل إنتاجها، وكلفة المواد البترولية التي تستخدم في النقل والتخزين.

مسؤولية التجار

كلما زاد عدد التجار العاملين في قطاع ما، يميل التجار إلى تقليل نسبة الربح، وكلما قل العدد وزاد الاحتكار، يرفع التجار نسبة الربح، لكنها في أغلب الأحوال لا يجب أن ترتفع عن 10٪ من السعر النهائي للسعلة، وهو ما قد يخالف ما يجري على أرض الواقع.

يقول محمد المصري نائب رئيس اتحاد الغرف التجارية إن "حالة الفوضى" التي صنعها وجود سعرين للدولار، رسمي وموازي، هي ما جعل البعض يعتقد أن التجار هم سبب الأزمة.

"هناك من التجار من يحصل على الدولار بسعره الرسمي نحو 31 جنيها، فيبيع بسعر أقل، بينما هناك تاجر آخر حصل على الدولار من السوق الموازية، بسعر 60 جنيها، لذا يبيع بسعر أعلى، في النهاية لا يمكن محاسبة التجار إلا إذا استقر سعر صرف الدولار".

يلقى البعض باللوم على التجار في ارتفاع الأسعار المستمر ويتم اتهامهم باستغلال حالة "الفوضى وانعدام الرقابة" في السوق المصرية لرفع السعر بغير حق، وهو ما يؤكده د. مدحت نافع أستاذ الاقتصاد والتمويل بجامعة القاهرة، بشكل جزئي.

"لا أعفي التجار من المسؤولية، ولكن اللوم الأكبر يقع على عاتق الحكومة، فهي المسؤولة عن توفير النقد الأجنبي أو الدولار للتجار، ثم الرقابة ووضع سياسات تمنع الاحتكار والتحكم في السوق".

لجأت الحكومة المصرية إلى تطبيق أسعار استرشادية لبعض السلع كالأرز واللبن والسكر والمكرونة لمحاولة ضبط الأسعار، كما منحت الضبطية القضائية لأفراد الجيش المصري لضبط التجار المخالفين في القضايا التموينية وتقديمهم للمحاكمة العسكرية.

يرى نافع أن الحلول التي لجأت إليها الحكومة لحل أزمة الأسعار، حتى قرارها بتحرير سعر صرف الجنيه، هي حلول مؤقتة ولن تجدي نفعا، والمطلوب هو حل جذري للأزمة.

"عندما تعرض منافذ البيع الحكومية السلع بأسعار أقل من المعروضة في السوق، يتكالب المواطنون على شرائها حتى نفاذ الكمية، ثم تعود الأسعار إلى الارتفاع".

وحتى اللجوء للحل الأمني بالقبض على التجار بتهم "تخزين مواد غذائية" كما يقول نافع، لن يؤدي إلا لامتناع المزيد من التجار عن عرض السلع وبالتالي رفع الأسعار.

"التعويم، رأس الحكمة وقرض صندوق النقد"

بدأت الحكومة المصرية في اتخاذ عدة إجراءات لتوفير الدولار في السوق المصرية وهو ما يُرجى أن يخفض الأسعار.

هذه الإجراءات تضمنت تمويلات مباشرة بالدولار من الخارج، عبر صفقات استثمارية ضخمة كصفقة مدينة "رأس الحكمة" الساحلية على البحر المتوسط التي من المقرر أن تدخل 35 مليار دولار للسوق المصرية.

كما اتفقت مصر على توسيع قيمة قرضها من صندوق النقد الدولي ليصل إلى 8 مليار دولار، ضمن حزمة مساعدات بنحو 20 مليار دولار من مؤسسات دولية منها الاتحاد الأوروبي ودولة اليابان.

وقد بدأت مصر بالفعل في استخدام تلك الأموال للإفراج الجمركي عن سلع بقيمة 2 مليار دولار كانت محتجزة في الموانئ بسبب نقص العملة الصعبة، وأعطت الحكومة الأولوية للسلع الاستراتيجية.

ثم في 6 مارس/ آذار، جاءت الخطوة الأهم بتحرير سعر الصرف الرسمي للجنيه المصري مقابل الدولار، وفقا لآليات السوق، بحسب القرار الحكومي، ليصل لنحو 49 جنيها للدولار الواحد.

كل تلك الإجراءات لم يظهر تأثيرها جليا على الأسعار حتى العاشر من مارس/ آذار الجاري، فلا تزال كلفة مكونات قالب الكيك تراوح ال 400 جنيه مصري، بل ارتفعت تلك الكلفة إلى 427 بسبب النقص الكبير في المعروض من السكر والاضطرار للبحث عن بدائل أكثر كلفة له.

كيف يبدو المشهد في غزة مع بداية شهر رمضان؟حرب غزة تثير المخاوف بشأن القدس في شهر رمضان

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف