اقتصاد

هل أصبح الدولار الأميركي في خطر بعد توسع "بريكس"؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
Getty Images حصة الدولار من احتياطي النقد الأجنبي لدى المصارف المركزية حول العالم تراجعت خلال الأعوام الأخيرة

ظل الدولار الأمريكي متربعاً على عرش العملات عالمياً على مدار عقود، لكن محاولات إنهاء دوره المؤثر في الاقتصاد العالمي وهيمنته على المعاملات التجارية الدولية تتصاعد وتيرتها من حين لآخر.

ومع استضافة روسيا لقمة "بريكس" 2024، بدا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متفائلا بالنفوذ المتنامي للتكتل الاقتصادي، الذي توسع ليشمل الإمارات ومصر وإيران وإثيوبيا، إلى جانب الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا.

وتوقع بوتين أن تكون الدول الأعضاء في التكتل "المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي العالمي في المستقبل القريب بفضل حجم اقتصاداتها وإقبال مزيد من الدول على الانضواء تحت لواء بريكس.

وتصب استضافة مدينة قازان الروسية لهذه القمة الموسعة في صالح محاولات موسكو التأكيد على عدم نجاح جهود الولايات المتحدة والدول الغربية في عزلها اقتصاديا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022.

كما تريد روسيا حشد دول أخرى إلى جانبها بغية إعادة ترتيب المنظومة المالية الدولية وإنهاء الدور المؤثر للدولار الأمريكي داخلها.

ولكن إنهاء هيمنة الدولار، الذي يعرف بـ"ملك العملات" ويحوز نصيب الأسد في الاحتياطي النقدي العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، يحتاج إلى إجراءات واسعة كي يصبح واقعاً ملموساً، وإلا بقي مجرد أمنيات تراود أفكار أصحابها.

انضمام السعودية ومصر والإمارات لعضوية مجموعة بريكس قمة بريكس: لماذا تطلب دول عربية الانضمام إلى المجموعة؟ ما أهمية الدولار الأمريكي في الاقتصاد العالمي؟

أفادت بيانات حديثة صادرة عن صندوق النقد الدولي بأن حصة الدولار الأمريكي من الاحتياطي النقدي الدولي بلغت نسبة 58.22 في المئة خلال الربع الثاني من العام 2024.

وتحرص الحكومات والبنوك المركزية في أنحاء العالم على تعزيز احتياطي النقد الأجنبي لديها كي تستخدمها في معاملات تجارية دولية وللتعامل مع أي أزمات اقتصادية قد تواجه اقتصادات بلدانها.

وبينما تظهر البيانات أن حصة الدولار من الاحتياطي النقدي الدولي تراجعت خلال الأعوام الأخيرة، يلفت خبراء إلى أن هذا الانحسار لم يكن لصالح العملات الرئيسية الأخرى، مثل اليورو والجنيه الإسترليني، بل زادت نسبة الاحتياطي من عملات توصف بأنها "غير تقليدية"، ومن بينها الرنمينبي الصيني والدولار الأسترالي والوون الكوري الجنوبي والدولار الكندي.

وتبلغ نسبة اليورو، ثاني أكثر العملات نصيباً في الاحتياطي النقدي الدولي، 20 في المئة فقط، وهو ما يظهر أن الدولار الأمريكي لا يزال صاحب الدور الأبرز في الاقتصاد العالمي.

وتستخدم العملة الأمريكية لتسعير سلع أساسية في العالم، ومن بينها النفط. ولذا، فإنه إذا تراجعت قيمة العملة المحلية لدولة ما بنسبة كبيرة أمام الدولار، تصبح السلع التي تُسعر بالدولار أكثر تكلفة، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة ومعدلات التضخم.

ويميل المستثمرون إلى شراء الدولار عندما يعاني الاقتصاد العالمي من ضغوط، فالعملة الأمريكية تعد "ملاذاً آمناً" في أوقات الأزمات، لأن اقتصاد الولايات المتحدة هو الأكبر في العالم.

وكما تبين منذ انحسار أزمة تفشي وباء كورونا، فإنه عندما يتخذ المسؤولون في الولايات المتحدة قرارات اقتصادية مهمة، مثل رفع أو خفض أسعار الفائدة، فإن صدى ذلك سرعان ما يتردد في دول أخرى.

وبحسب دراسة حديثة صادرة عن مركز الاقتصادات الجغرافية التابع للمجلس الأطلسي، فإن الدولار سيظل العملة الرئيسية في الاحتياطي النقدي العالمي على المديين القريب والمتوسط.

وتستشهد الدراسة باستمرار سيطرة الدولار على المعاملات التجارية والنقدية عالمياً، علاوة على ضعف قدرة المنافسين المحتملين على تهديد "ملك العملات" في المستقبل القريب.

لماذا لا ينزعج الروس من هبوط الروبل إلى مستويات قياسية؟هل تحاول الولايات المتحدة القضاء على العملات الرقمية؟ لماذا ترغب بعض الدول في تقليل الاعتماد على الدولار؟

بعض الدول النامية ترى أن هيمنة الدولار على المعاملات التجارية يضر باقتصاداتها، وتخشى أن يؤثر تقلب سعره على الاستقرار الاقتصادي لديها، وتعمل على تغيير الوضع القائم منذ عقود طويلة.

واجهت روسيا، على سبيل المثال، صعوبات كبيرة بعد العقوبات الغربية عليها واقصائها من المنظومة المالية العالمية العام الماضي إثر غزو أوكرانيا. ويقف ذلك وراء رغبة بوتين القوية في التخلص من الاعتماد على الدولار.

أما الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فتعمل منذ أمد من أجل زيادة استخدام اليوان في المعاملات التجارية الخارجية، بهدف تعزيز أهمية عملتها دولياً.

كما أخذت بعض البلدان إجراءات من أجل تعزيز استخدام العملات المحلية. فعلى سبيل المثال، أعلنت الإمارات والهند العام الماضي عن توافق بشأن استخدام الدرهم الإماراتي والروبية الهندية في المعاملات بين الجانبين.

وثمة محاولات من جانب أعضاء في تكتل "بريكس" لدعم آليات جديدة للدفع عبر الحدود بغية توسيع المدفوعات غير المرتبطة بالدولار الأمريكي.

Reuters الصين تريد زيادة استخدام عملتها في المعاملات التجارية مع الدول الأخرى

وتشير الدراسة الصادرة عن المجلس الأطلسي إلى انضمام 62 مشاركاً بصورة مباشرة في المنظومة الصينية للدفع المصرفي عبر الحدود المعروفة بـ"CIPS" في الفترة بين يونيو/حزيران 2023 ومايو/أيار 2024، وهو ما مثل زيادة بنسبة 78 في المئة، وبذلك تضم المنظومة 142 مشاركاً بصورة مباشرة و 1,394 مشاركاً بصورة غير مباشرة.

لكن منظومة "سويفت" (SWIFT)، التي أسستها مصارف أمريكية وأوروبية في عام 1973، لا تزال الشريان المالي الرئيسي عالمياً، إذ تربط بين 11,000 مصرف ومؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة.

ماذا نعرف عن اتفاق الصين والبرازيل بالتخلي عن التعامل بالدولار بينهما؟كيف تؤثر حرب أمريكا التجارية مع الصين على الناس العاديين هل تمثل عملة "بريكس" تحديا للدولار؟

ما تزال فكرة عملة مشتركة لدول بريكس، مجرد اقتراح ولا يوجد توافق عليه أو آلية واضحة لتطبيقه.

ويعد رئيس البرازيل، لولا دا سيلفا، من أبرز الداعمين لإنشاء عملة "بريكس" موحدة تستخدم في التجارة والاستثمارات المتبادلة بين أعضاء التكتل، وذلك على أمل تقليل التأثر بتقلبات أسعار صرف الدولار الأمريكي.

لكن هذا المقترح لم يناقش في قمة "بريكس" التي ضيّفتها جنوب أفريقيا العام الماضي.

وقبيل قمة قازان، قال الرئيس الروسي إن التكتل "لا يدرس هذه القضية (عملة بريكس الموحدة) في الوقت الحالي"، مؤكداً على ضرورة توخي "الحذر الشديد" في هذا الصدد.

ويرى خبراء أن التباين بين اقتصادات التكتل تجعل مقترح العملة المشتركة غير عملي.

ومع ذلك، فإن نجاح العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" التي استحدثت في عام 1999، رغم اختلاف الظروف سياسياً وجغرافياً واقتصادياً، يجعل البعض يعتقد أن تطبيق فكرة عملة "بريكس" ليس مستحيلاً.

Getty Images الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعا إلى توخي الحذر بشأن مقترح عملة موحدة لتكتل "بريكس" هل يواجه الدولار خطرا؟

في الواقع تواجه محاولات تقليل الاعتماد على الدولار في التعاملات التجارية بين الدول تواجه تحديات عدة. فما يعرف بـ"إلغاء الدولرة" في الاقتصاد العالمي يحتاج إلى توافق على نطاق واسع بين مصدرين ومستوردين ومؤسسات مالية حول العالم على استخدام العملات المحلية، أو عملة بديلة - وهي أمر مستبعد في المدى القريب.

كما أن اقتصاد الولايات المتحدة هو الأكبر في العالم، ولذا فإن عملتها تعد ملاذا آمنا بالنسبة لكثير من المستثمرين.

لكن مسؤولين أمريكيين يدركون أن الدولار يواجه مستقبلا محفوفا بالمخاطر بسبب العقوبات المالية التي تفرضها واشنطن على دول أخرى، في بعض الأحيان، إذ توجد مخاوف من أن يعطي ذلك دفعة للبحث عن بديل، وهو ما يقوض هيمنة الدولار على المدى البعيد.

ويتوقع خبراء أن يظل الدولار يلعب دورا محوريا في الاقتصاد العالمي خلال الأعوام المقبلة، رغم التحديات الماثلة. وترى وكالة موديز أن هيمنة الدولار الأمريكي على التجارة الدولية والتمويل مستمرة لعقود، حتى لو ظهرت منظومة تعتمد على عملات متنوعة.

وعليه، فإنه في غياب بديل قوي للدولار، كما هو الحال في الوقت الراهن، سيظل "ملك العملات" في مأمن.

"لغز" الدولار الأبيض في المنطقة العربيةالعملات الرقمية: ماذا نعرف عن البيتكوين وتقنية البلوك تشين ومحافظ التشفير؟رحلة "ملك العملات المشفرة"، من "الملياردير الأسطورة" إلى مئة عام في السجن

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف