اقتصاد

الاعتراف الصادم.. "سبب الأزمة النوم على النجاح وعدم التطور"

"بيلد": ألمانيا فريسة لأسوأ أزمة اقتصادية منذ 75 عاماً

فولكس رمز للأزمة الاقتصادية في ألمانيا
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

إيلاف من برلين: كتبت صحيفة "بيلد" الألمانية واسعة الانتشار، أن الاقتصاد الألماني يمر بأطول أزمة منذ 75 عاما، ولا يوجد مخرج منها في عام 2025.

فيما قال موقع "دويتشه فيله" إن ألمانيا يجب أن تعترف الاعتراف الصادم الذي يقول إنها "نامت على نجاحات الماضي" في قطاع الصناعة، ولم تقم بتطوير هذه الصناعات.

ولم يتم تحديث البنية التحتية، أو القيام بعملية الرقمنة الشاملة وتطوير صناعة الطاقات المتجددة وصناعة الشرائح الإلكترونية، وأشباه الموصلات وغير ذلك من الصناعات العالية التقنية التي هي عنوان الريادة في الإنتاج والمنافسة.

وجاء في تقرير الصحيفة نقلا عن دراسة حول حالة الاقتصاد الألماني في ديسمبر 2024: "تشهد ألمانيا أسوأ أزمة من أزماتها منذ 75 عاما، لم يشهد اقتصادنا تراجعا لفترة أطول منها في أي وقت مضى منذ عام 1949".

ونقلت الصحيفة عن رئيس الاتحاد ستيفان وولف، قوله إن الركود الحالي هو الأطول "في تاريخ الجمهورية الفيدرالية"، ولا يوجد أي احتمال لتحسن الوضع بعد.

فقدان الرفاهية واضح
وأضافت الصحيفة: "فقدان الرفاهية واضح للعيان، حيث أصبح الناتج المحلي الإجمالي أقل بنسبة 6.5% من اتجاه النمو الذي لوحظ على مدى عقود. ولم تتوقف الديناميكيات السلبية حتى الآن. وبعد انخفاض جديد في الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، يستمر تعديل التوقعات لعام 2025 نحو الانخفاض".

الغالبية العظمى لا يشعرون بالرضا
وأظهرت دراسة أجرتها مؤسسة "يوجوف" أن الغالبية العظمى من الألمان غير راضين عن الوضع الاقتصادي في البلاد، ويصنفونه على أنه " سيئ". وقليلون منهم يتوقعون أن يتحسن الوضع في العقود المقبلة.

غالبا ما يتم التركيز على العوامل الخارجية كأبرز أسباب الركود الاقتصادي في ألمانيا مع أن تحديات الهيكلية وعلى رأسها ضعف الرقمنة وعدم تحديث البنى التحتية لا تقل خطورة. والسؤال هنا، هل تستطيع ألمانيا اللحاق بالركب مجددا؟

للعام الثاني على التوالي يعاني الاقتصاد الألماني من ركود أدى إلى تراجع مخيف في مبيعات الشركات على رأسها شركة فولكسفاغن العملاقة لصناعة السيارات، كما أدى إلى انعدام النمو وتقلص الناتج المحلي الإجمالي. ولا تبدو آفاق تغير هذا المنحى قريبة، لاسيما إذ أن غالبية التوقعات وعلى رأسها الصادرة عن الحكومة الألمانية وصندوق النقد الدولي لا ترى فرصا تُذكر للنمو خلال العام القادم 2025.

الإفلاس يصيب أعرق الشركات
وتكمن المشكلة الأخطر حاليا في خطر الإفلاس والإغلاقات التي تتهدد آلاف الشركات أو فروع لها ومن بينها شركات كانت يوما تُعد من أفضل الشركات في العالم أمثال فولكسفاغن وبي ام دبليو وسيمنس وبوش.

وهو الأمر الذي يعزز المخاوف من أن ألمانيا في الطريق إلى أن تفقد جزءا هاما من صناعاتها وإلى تراجع ترتيبها بين الدول الصناعية. ومن المؤشرات التي تعزز هذه المخاوف إعلان إفلاس نحو 11 ألف شركة خلال النصف الأول من 2024 حسب مركز الإحصاء الاتحادي في فيسبادن ونحو 4 آلاف شركة في الربع الثالث حسب معهد لايبنيتس للبحوث الاقتصادية في مدينة هالة/ IWH وهو أكبر رقم عرفته البلاد منذ الأزمة المالية العالمية التي اندلعت عام 2008.

الفرق بين حكومتي ميركل وشولتس
ولا يأتي الخوف الأكبر في الأزمة الحالية من أن الإفلاس والإغلاقات تصيب شركات نوعية عملاقة وعريقة وحسب، بل في ما يصفه مراقبون تخبط حكومة التحالف الحالي بزعامة المستشار أولاف شولتس في مشاكلها الحالية وعجزها اتخاذ الإجراءات المناسبة لمواجهة ذلك.

وعلى العكس من ذلك سارعت حكومة المستشارة السابقة أنغيلا ميركل إلى تخصيص حزم ماليةبقيمة تزيد على 500 مليار دولار لتقديم الدعم للشركات والبنوك التي واجهت مخاطر الانهيار خلال الأزمة المالية العالمية 2008 وأزمة جائحة كورونا.

وكان من بينها سيمنس، ولوفتهانزا، وفولكسفاغن، ودويتشه بنك وكوميرتس بنك. اما الحكومة الحالية التي لم تستطيع رغم أشهر من الجدل الملل الاتفاق على سد عجز في ميزانيتها بقيمة 50 مليار يورو، فتبدو عاجزة عن توفير حزم هامة لا لتقديم الدعم ولا لتمويل استثمارات حيوية في البنية التحتية والرقمنة وقطاعي الصحة والتعليم.

"النوم على النجاح" وغياب الإصلاحات الهيكلية
هناك شبه إجماع في أوساط المعاهد والخبراء مراكز البحوث الاقتصادية الألمانية وعلى رأسها معهد إيفو/ IFO بأن الاقتصاد الألماني يعاني من خلل هيكلي كبير لأسباب أبرزها تخلف ألمانيا وتأخرها عن تحديث البنية التحتية والقيام بعملية الرقمنة الشاملة وتطوير صناعة الطاقات المتجددة وصناعة الشرائح الإلكترونية وأشباه الموصلات وغير ذلك من الصناعات العالية التقنية التي أضحت اليوم عنوان الريادة في الإنتاج والمنافسة.

فالمشكلة إذا وكما يعتقد كثيرون ليست في نوع الصناعات القائمة كصناعة السيارات والصناعات الكيميائية والهندسية والثقيلة، بل في عدم مواكبة هذا الصناعات للتطور الذي حققه المنافسون في الصين والولايات المتحدة ودول أخرى. ويُقصد هنا التأخر في ربط هذه الصناعات بالأتمتة والرقمنة والإلكترونيات المحلية والطاقات البديلة وتقليص شراهتها لاستهلاك الطاقات الاحفورية.

انهيار جسر.. حدث جدلي في ألمانيا
ومن الأمثلة على تبعات عدم تحديث البنية التحتية أن الأمر وصل مؤخرا إلى حد انهيار جسر كارولا على نهر الألبه بمدينة دريسدن بسبب عدم الصيانة. ويبدو لنا ترقيع الكثير من الطرقات والحفر المنتشرة في عدد كبير منها وكأننا في بلد صناعي بطرقات من العالم الثالث. وما تزال نسبة التغطية بالكوابل الضوئية في ألمانيا بحدود 30%.

المدهش في الأمر أنه يوجد في الولايات المتحدة وبريطانيا أكثر من 5 شركات ناشئة لاستغلال الذكاء الاصطناعي لكل 100 ألف نسمة مقابل أقل من شركتين في ألمانيا.

ألمانيا كحكومة وشركات فوتت الاستثمار في القطاعات الحديثة ونامت على النجاح خلال العقدين الماضيين لدرجة أنها أصبحت ضحية لنجاحاتها. وفي الوقت الذي تُظهر فيه بلدان منطقة اليورو وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا بوادر التعافي من صدمة الطاقة، فإن ألمانيا ما تزال تواجه الركود.

انهيار جسر كارولا على نهر الألبة في مدينة درسدن.. مؤشر للتراجع الألماني

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف