اقتصاد

الحقوق لا تشترى بالنفط: بغداد تضع النقاط على الحروف

الحكومة العراقية تواجه أزمة إقليم كردستان بصبر المواطنة وبحزم الدستور

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

إيلاف من بغداد: في خضم التحديات المالية والسياسية التي تواجه العراق، تتجدد الأزمة المزمنة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان حول ملف الرواتب وتقاسم العائدات النفطية وغير النفطية. وبينما يبدو المشهد من الخارج معقدًا ومفتوحًا على التأويلات، فإن الوقائع المالية والبيانات الرسمية تقدم صورة أوضح وأكثر اتزانًا لمجريات الأمور.

فمنذ إقرار قانون الموازنة العامة رقم (13) لسنة 2023، التزمت الحكومة الاتحادية بتطبيق بنود القانون بحذافيرها، وأكدت في أكثر من مناسبة أنها تسعى إلى تحقيق العدالة في توزيع الثروات وضمان رواتب الموظفين في جميع محافظات العراق، بما فيها إقليم كردستان، دون تمييز أو تسييس. وقد تم بالفعل تحويل التمويلات الشهرية للإقليم أسوة ببقية المحافظات، شاملة رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين وشبكات الحماية الاجتماعية، ضمن جداول تفصيلية صادق عليها مجلس الوزراء ومجلس النواب العراقي.

وعلى الرغم من هذا الالتزام المالي والإداري، فإن حكومة الإقليم لم تقم بصرف الرواتب لموظفيها بصورة منتظمة، بل تأخرت في دفع ما لا يقل عن خمسة أشهر من الرواتب، رغم أنها تسلمت تمويلاً ماليًا من بغداد تجاوز ١٣ مليار دولار خلال الفترة من 2023 حتى نيسان 2025. وتضمنت هذه المرحلة أيضًا إيرادات نفطية قاربت 8 مليارات ونصف المليار دولار، وإيرادات غير نفطية تجاوزت 8 مليارات دولار، وفقًا لما أظهرته تقارير وزارة المالية الاتحادية وديوان الرقابة المالية في المركز والإقليم على حد سواء.

البيانات المتاحة لا تترك مجالًا للشك في أن مجموع الإيرادات الكلية لحكومة الإقليم خلال هذه الفترة فاق بكثير الإنفاق الفعلي المصرح به، إذ تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 9 مليارات دولار كفائض غير مبرر لم يُستخدم في دفع الرواتب. ومع ذلك، استمر الخطاب الصادر من أربيل في اتهام بغداد بالتقصير و"التجويع الجماعي"، في مفارقة لا تصمد أمام التحليل الموضوعي للأرقام والمعطيات الرسمية.

وفي خضم هذا السجال، تبنت الحكومة العراقية موقفًا متوازنًا، رافضة الانجرار إلى السجالات الإعلامية أو الخطابات الشعبوية. فقد شددت على احترام قرار المحكمة الاتحادية الذي أوجب على الإقليم تسليم الإيرادات غير النفطية وتوطين رواتب الموظفين، كجزء من مسار شفاف يربط الاستحقاق المالي بالالتزام الدستوري. وما زالت الحكومة تعمل على احتواء الأزمة بلغة القانون، لا بلغة الضغط أو الاستعداء، مؤكدة أن الهدف ليس فرض السيطرة على الإقليم، بل صون حقوق الشعب الكردي ضمن دولة موحدة عادلة.

من جهة أخرى، فإن الاتهامات المتعلقة بتهريب النفط عبر المعابر غير الرسمية وبيع النفط دون الرجوع إلى شركة سومو، كما أشارت مصادر مطلعة في الحكومة الاتحادية، تُعد من أبرز المؤشرات على التحديات التي تواجه إدارة الملف النفطي في الإقليم، وتثير أسئلة مشروعة حول مصير الإيرادات الحقيقية وأولويات الصرف داخل حكومة أربيل.

في المقابل، لا تزال الحكومة العراقية تنظر إلى أبناء الإقليم كمواطنين كاملي الحقوق، وتدرك تمامًا أن أزمة الرواتب لا يجب أن تتحول إلى أداة ضغط على الفئات الضعيفة. ولهذا السبب، استمرت في تحويل الأموال رغم عدم تسلمها للإيرادات المقابلة، وهو ما يعكس التزامًا سياسيًا وأخلاقيًا تجاه الشعب العراقي بأكمله، وليس مجرد إجراء مالي إداري.

إن موقف الحكومة الاتحادية اليوم ليس نابعًا من تنافس سياسي، بل من شعور عميق بالمسؤولية الوطنية، في وقت تقتضي فيه المرحلة تجاوز الحسابات الضيقة، وإعادة التأكيد على وحدة الدولة العراقية بجميع مكوناتها. وما الأزمة الحالية إلا دليل على أن الحلول لا تكمن في تصعيد الخطاب، بل في العودة إلى الدستور كمرجعية ملزمة للجميع، بعيدًا عن الانفراد في القرار أو الانغلاق في المناطقية.

يبقى المواطن الكردي هو الضحية الأولى لهذا التراشق، لكنه أيضًا المستفيد الأول من أي حل حقيقي. فحين تدار الثروات بشفافية وتوزع بعدالة، تتراجع الأزمات ويعلو صوت الدولة. والحكومة العراقية تدرك هذه الحقيقة وتتحرك بروح الدولة، لا بردود الفعل.

وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال الجهود السياسية والدبلوماسية التي تبذلها حكومة بغداد لاحتواء الأزمة بالحكمة والتوازن، بعيدًا عن المزايدات أو التصعيد. فقد عُقد خلال الأيام الماضية اجتماع مهم مع رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، لمناقشة سبل حل الأزمة بما يحفظ هيبة الدولة ويصون الحقوق الدستورية لجميع المواطنين. كما استُقبل وفد رفيع المستوى من حكومة إقليم كردستان في بغداد، في خطوة تعكس انفتاحها الدائم على الحوار واستعدادها للتوصل إلى تفاهمات واقعية، شريطة احترام القانون وعدم التفريط في حقوق العراقيين، سواء كانوا في الجنوب أو الشمال، عربًا أو أكرادًا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
صدام نتاج ثقافة مجتمع
كردية -

صدام كان نتاج ثقافة مجتمع عنصري شوفيني جاهل يزن بميزانين ولا يعرف الله....كلكم صدام، وتكادون تموتون حسدا لان رغم كل ما تفعلونه بكردستان فما زال الاقليم افضل واكثر نجاحا من اغلب دولكم العربية.الثروات في اي ارض هي ملك لشعب تلك الأرض، وثروات كردستان هي ملك لأهل كردستان وليست للعرب. مثلما صدعتم رؤوسنا عن ثروات "بلدانكم" التي "نهبها" الاستعمار (في الوقت الذي هو نفس ذلك الاستعمار الذي صنع لكم دولكم على انقاض الدولة العثمانية)، فلغيركم من الشعوب ثروات ايضا، ثروات لم يحصلوا عليها بغزوهم لبلدان الآخرين.على مدى عقود استعملتم خيرات نفط كردستان لتسليح جيوشم لكي تحاربوا ايران مرة والكويت اخرى، ولكي تضربوا بها الكرد مرات ومرات وتضربوا اهلها بالاسلحة الكيمياوية وتدفنوا نسائهم واطفالهم احياءا في صحاري السماوة...الآن تريدون ان تكرروا نفس الشيء وان يقبل الكرد به؟! ان تكون كل ثروات كردستان تحت ايديكم تماما؟! ان تكون السلطة مركزية وبيدكم وان يكون الكرد تحت رحمتكم؟! الن تتعلموا ابدا؟! الم تروا لما حصل لصدام والأسد؟! أئنتم كفرة الى الدرجة التي لا تخافون فيها الله وقد رأيتم كيف يزلزل الله الظالمين؟!عن اي دستور تتكلم وانتم لا تعترفون به اطلاقا؟! ولا تتقبلون الفيدرالية ابدا.....انتم تتصورون ان الكرد لأنهم ينتقدون حكومتهم بشدة ويقفون في وجه اوجه الفساد فيها، انهم نسوا ما فعل العرب بهم وانه من الممكن لهم ان يثقوا بهم مرة اخرى، او ان يقبلوا حكمهم.....هل حقا انتم اغيباء الى هذه الدرجة؟! حتى الطفل الكردي يعرف جيدا انكم لا تؤمنون لا بدستور ولا بشرع ولا بقانون ولا باي شكل جضاري للحكم....انتم تريدون بكل بساطة ان تحصلوا على كل ارض وثروات ارض الكرد، بعد ان تبيدوا اهلها بالكامل.....