أخبار الأدب والفن

باحث: مصر أطول مستعمرة في العالم

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

القاهرة من سعد القرش: لا يجد باحث مصري فرقا كبيرا بين الاحتلالين البطلمي والروماني لبلاده منذ أكثر من 23 قرنا وبين العرب الذين دخلوا مصر في القرن السابع الميلادي حيث يعتبرهم غزاة. هكذا تبدو مصر بالنسبة لعبد العزيز جمال الدين "أطول مستعمرة في العالم." فقد خضعت مصر للاحتلال البطلمي عام 332 قبل الميلاد ثم تلاه الاحتلال الروماني الذي أنهاه العرب عام 641 ميلادية وانتهاء بحكم أسرة محمد علي (1805 -1952). وتخلل حكم هذه الاسرة الاحتلال البريطاني الذي انتهى عام 1956 تنفيذا لاتفاقية الجلاء التي وقعها الرئيس المصري جمال عبد الناصر عام 1954 ليستعيد المصريون بلادهم بعد "احتلال" متصل منذ القرن الرابع قبل الميلاد. وقلل من جدوى الجدل الدائر في مصر في الاونة الاخيرة حول وصف دخول العرب للبلاد بالفتح أو الغزو قائلا ان الاحتلال الروماني امتاز عن "الاحتلال العربي" بوجود حرية الملكية الفردية.
وكان جمال الدين يتحدث مساء الاربعاء في كنيسة مار مينا بالقاهرة في ختام المؤتمر الرابع للثقافة القبطية الذي دارت جلساته على مدى ثلاثة أيام حول الجوانب المتعددة للتراث القبطي بمنطقة الواحات.
وشارك في المؤتمر أثريون وباحثون تناولوا تاريخ الواحات المصرية تحت عناوين منها (العلاقات الحضارية بين النوبة المصرية والواحات) و(العمارة التقليدية في واحة سيوة) و(النصوص والجداريات) و(النظام الاداري في الواحات المصرية في عصر الدولة الحديثة) الذي يعرف بعصر الامبراطورية في مصر الفرعونية ويشمل ثلاثا من أبرز الاسر في التاريخ الفرعوني بداية من الاسرة الثامنة عشرة في منتصف القرن السادس عشر قبل الميلاد. وحمل بحث جمال الدين عنوان (تاريخ مصر خلال 20 قرنا من خلال مخطوطة تاريخ البطاركة لساويرس ابن المقفع) حيث حقق جمال الدين مخطوطة (تاريخ البطاركة) للمؤرخ المصري ساويرس ابن المقفع الذي سجل أحداثا ووقائع تزامنت أو أعقبت دخول العرب مصر.
وصدرت المخطوطة وشروحها في كتاب موسوعي أصدرته مكتبة مدبولي بالقاهرة في نحو ستة آلاف صفحة كبيرة القطع في ستة مجلدات تحت عنوان (تاريخ مصر من بدايات القرن الاول الميلادي حتى نهاية القرن العشرين من خلال مخطوطة تاريخ البطاركة لساويرس ابن المقفع). وتضم مخطوطة ساويرس جوانب من التاريخ المصري في مقدمتها أمور الكنيسة وتراجم البطاركة. وبعد رحيل كاتبها أضيف اليها الجديد في تاريخ البلاد حتى عصر الملك فؤاد الذي حكم بين عامي 1917 و1936.
وفي رأي جمال الدين أن مخطوطة (تاريخ البطاركة) لابن القفع تعد أكبر المخطوطات من حيث الفترة التاريخية التي تغطيها "فهي المخطوطة الوحيدة التي تغطي تاريخ مصر منذ الاحتلال الروماني" مشيرا الى أن معظم مؤرخي مصر يتجاهلونها ظنا منهم أنها تخص تاريخ الكنيسة المصرية معزولا عن تاريخ البلاد. وأضاف أن كاتب المخطوطة ولد عام 915 واسمه ساوري ولقب أبوه بالمقفع على غرار عبد الله بن المقفع مترجم كتاب (كليلة ودمنة) وأن حرف السين الذي ألحق باسم ساوري من اللواحق المقدونية.
وأشار الى أن كتاب ساويرس يكتسب أهمية عن غيره لانه "يبين منذ غزو العرب لمصر وجهة نظر المصريين نحو الحكومات الاسلامية المتتالية" حيث كان ساويرس كاتبا بارزا في الجهاز الاداري وترقى لاعلى المناصب ثم تخلى عن وظيفته ليترهبن في أحد الاديرة وأتقن في ظل الرهبنة علوم الكتاب المقدس وألف فيها كتبا بالعربية منها (الدر الثمين في ايضاح الاعتقاد في الدين). وقال إن الرومان كانت لهم حضارة وثقافة ولم يلجأوا الى القضاء على اللغة القبطية. ويسجل مؤرخون أن حركة التعريب احتاجت قرونا حلت بعدها اللغة العربية محل اللغة المصرية. ويصعب تحديد تاريخ دقيق لبداية اللغة القبطية. ويرى الدكتور عزيز سوريال عطية في كتابه (تاريخ المسيحية الشرقية) الذي صدرت ترجمته العربية بالقاهرة قبل شهور أن اللغة القبطية "هي اخر الصيغ للغة المصرية القديمة التي اتخذت كتابتها أشكالا مختلفة بدءا بالهيروغليفية ومرورا على الهيراطيقية وانتهاء بالديموطيقية... أول نص مصري معروف بهذه اللغة الوليدة قد سجل قبل مولد السيد المسيح بقرن ونصف."
وعمل عطية أستاذا لتاريخ العصور الوسطى بكلية الاداب بجامعة الاسكندرية وجامعات بريطانية وألمانية وأمريكية كما شغل منصب مدير معهد الدراسات القبطية بالقاهرة.
وقال جمال الدين إن أهمية كتاب ساويرس تكمن في أنه تعرض خلال تراجم البطاركة لتاريخ العصور الوسطى وركز على مصر وبين "كيف تم غزوها على يد العرب ثم كيف كانت معاملة العرب للمصريين من النواحي الدينية والمالية والاجتماعية." وأشار إلى أن مصر شهدت فريقا من المؤرخين المنصفين مثل ابن إياس والمقريزي والجبرتي في حين تشهد البلاد في الآونة الأخيرة مؤرخين يحاولون "تزوير التاريخ ويبدو هذا من افتعال منجزات ينسبونها إلى قرة بن شريك الذي كان من أشد المستبدين" مشيرا إلى أن فترة ولايته شهدت هروبا من الأرض والفلاحة وأنه حتى وفاته عام 714 ميلادية كان يتشدد في قمع تلك الحركة والقضاء عليها وأنه أنشأ هيئة خاصة مسلحة لإعادة الهاربين من استبداده. وأضاف أن ساويرس "هو المؤرخ الوحيد الذي كتب وفصل لنا الكلام عن حركة الهروب. تلك الحركة التي تنطوي علي مقاومة المصريين لسلطة العرب مقاومة سلبية بعدما أصبح الالتجاء إلى الأديرة وسلوك سلك الرهبنة لا يعفيهم من الالتزامات المالية منذ خلافة عبد الملك بن مروان (685 - 705) وولاية أخيه عبد العزيز (684 - 705) على مصر."
وقال إن النظام الضرائبي لم يكن يتأثر بالذين "تهربوا" من الجزية تحت راية الإسلام وإن قيمة الجزية كانت تقدر على إحدى القرى بصورة مبدئية "ظالمة ومتعسفة" ولا تنقص حتى لو أعلن بعض أهلها إسلامهم حيث تضاف جزية الذين تم إعفاؤهم إلى ما يدفعه غيرهم من النصاري. وأضاف أن العامل المالي من أهم العوامل التي حولت أغلبية الأقباط إلى الإسلام. وأشار إلى أن المسيحيين بدأوا منذ عام 725 يتخلون عن المقاومة السلبية "وأخذوا يقاومون سلطة العرب مقاومة إيجابية وذلك بالقيام بالثورات العلنية ضدهم. والمعروف أن العرب بعد احتلالهم مصر فرضوا على المصريين الجزية وعلى أراضيهم الخراج في الوقت الذي عاملوا فيه الأراضي التي نهبتها قبائلهم البدوية بنظام الزكاة أي تحصيل العشر... وأصبح المصري إذا اعتنق الإسلام لا تعفى أرضه من الخراج حتى لو أسقطت عنه الجزية. كأن الأرض ظلت كافرة رغم إسلام صاحبها."
وقال جمال الدين إن الحكومات كانت تواجه الثورات بالقسوة والعنف مستشهدا بما اعتبره إبادة للثائرين على يد المأمون عام 832 مضيفا أنه اتبع سياسة الأرض المحروقة "أحرق كل شيء وأخضع وأسر كثيرين واضطرهم إلى السير على أقدامهم إلى بغداد ثم أفرج عنهم وسمح لهم بالعودة ونظرا لطول المسافة فضل بعضهم البقاء وتم استخدامهم في أعمال الزراعة في جنوب البلاد." ورغم قرون الاحتلال يرى جمال الدين أن مصر منذ فجر التاريخ تحمل مقومات البقاء مفسرا ذلك بأنها دولة مؤسسات ففي ظل الاحتلال الروماني أنشئت مكتبة الإسكندرية "أعظم" مؤسسة من نوعها في ذلك الوقت وفي عهد الفاطميين أنشئ الأزهر "وهو مؤسسة لم ينشأ مثلها في الجزيرة العربية" وفي سنوات الاحتلال الفرنسي (1798 - 1801) تحققت إنجازات لم يتحقق بعضها في الجزائر مثلا التي تعرضت للاحتلال الفرنسي لما يزيد على 130 عاما.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف