مكتبة الاسكندرية تصدر كتاب اللغات البائدة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد الشرقاوي من القاهرة: اصدرت مكتبة الاسكندرية من خلال وحدة الترجمة العربية ومركز الخطوط كتاب تحت عنوان " اللغات المفقودة " المؤلف : اندرو روبنسون ويعد الكتاب من القطع 17 * 24 بعدد صفحات 565 وقام بعرض الكتاب خالد عزب .وقال ان اختراع الكتابة يعد واحدًا من أهم الاختراعات البشرية، إن لم يكن أهمها جميعًا، وتعتبر
ينقسم كتاب اللغات البائدة إلى مقدمة بعنوان "منظومات الكتابة، الحضارات المشفرة، والكتابات ملغزة الطلاسم" يتناول فيها المؤلف أهم المنظومات الكتابية القديمة التي تم فك طلاسمها، فلقد شهد العالم المئات من الاكتشافات والأعمال البطولية على مدى الألفيتين الماضيتين من عمر البشرية، ولكن فك الطلاسم الملغزة للحضارات البائدة وآثارها إنما يرجع فقط إلى القرنين الماضيين من التاريخ الإنساني الطويل.
جاء أول إنجاز في هذا المجال بفك طلاسم الكتابة الهيروغليفية على يد جان فرانسوا شامبليون في عام 1882م من خلال النقوش الواردة على حجر رشيد، الذي عثر عليه في عام 1799م في مدينة رشيد. يعتبر حجر رشيد هو حجر الزاوية في فك رموز اللغة المصرية القديمة، حيث نقشت عليه ثلاثة خطوط تمثل لغتين هما: اليونانية، والمصرية القديمة في خطيها الهيروغليفي، والديموطيقي، ومن خلال تحليل شامبليون لأسماء الأعلام الواردة على حجر رشيد وفي نقوش مصرية أخرى من قبيل أسماء الإسكندر، بطلميوس، قيصر، كليوباترا، إلى جانب الاستعانة باللغة القبطية على اعتبار أنها المرحلة الأخيرة من اللغة المصرية القديمة، تمكن من استخلاص الأصوات والمعاني للكلمات الهيروغليفية والديموطيقية. هكذا اتسعت مساحة التاريخ المكتوب لتستوعب ألفين من السنين. في شهر مايو 1953 أعلن مايكل فنتريس بكل فخر وشموخ عن فك طلاسم الكتابة الخطية الثانية التي كان قد تم الكشف عنها سنة 1900 على ألواح من الصلصال في قصر الملك مينوس في بلدة كنوسوس في جزيرة كريت، لتمهد الطريق أمام قراءة ألواح جديدة تم الكشف عنها على أرض بلاد اليونان، وهكذا فإنه بعد جهود مضنية وطويلة، أمكن التعرف على المعاني المتضمنة في الحروف المنقوشة على لوحات الصلصال، كما أصبحت الكتابة الخطية الثانية تمثل أول محاولة أوروبية مكتملة للكتابة، ترجع إلى ألفية الثانية قبل الميلاد، في لهجة قديمة باليونانية العتيقة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف بدأت الكتابة؟ - وكما يقول خالد عزب - لقد اعتقد الناس حتى عصر التنوير أن الكتابة بدأت كهبة سماوية ربانية، واليوم يسود الاعتقاد بين أغلب العلماء بأن الكتابة الأكثر قدمًا في التاريخ الإنساني كانت تدور حول الأمور الحسابية، وإن كان هذا الأمر لا يتضح بالقدر الكافي في السجلات المتبقية من مصر القديمة، والصين، وأمريكا الوسطى. من الواضح أنه في زمن ما من الألفية الرابعة قبل الميلاد، ظهرت الحاجة الملحة في بلاد ما بين النهرين لتسجيل المعاملات التجارية المتشابكة الأطراف في مختلف المدائن، عندما لم تعد ذاكرة الصفوة الحاكمة كافية لرصد وتذكر هذه الأمور الحسابية التجارية، وعندما ألح هذا المطلب على عقول رجال الإدارة والتجار في سومر، شاعت بين القوم عبارات من قبيل "سوف أسجل هذا الأمر كتابة" -على حد تعبير المؤلف.
يؤمن الكتاب أندرو روبنسون بأن الكتابة ظهرت أول ما ظهرت كان في بلاد الرافدين، وهذا ما أتفق معه حتى وقت قريب، لكن في ضوء اكتشافات البروفيسور جونتر دراير-مدير المعهد الألماني- في منطقة أبيدوس في صعيد مصر ظهر أن المصريين هم أسبق في اختراع الكتابة بمائتين عام على بلاد سومر، فقد ظهرت الكتابة في مصر حوالي 3500-3400 ق.م، وفي بلاد سومر في عام 3300 ق.م، وفي وادي السند في عام 2500 ق.م، وفي كريت سنة 1750 ق.م، وفي الصين سنة 1200 ق.م، وفي أمريكا الوسطى قرابة سنة 500 ق.م، وليس من شك في أن المجتمعات البشرية قد استعارت من واحدتها الأخرى شيئًا من منظومة الكتابة، فلقد اقتبس أهل مروي في السودان بعض الحروف الهيروغليفية المصرية لتمثيل أصوات لغتها التي لا نعرف أصولها، كما استخدم الرومان الأبجدية الأتروسكية، واقتبس اليابانيون الحروف الصينية في الألفية الأولى للميلاد، وطوع السلاف الأبجدية اليونانية لخلق كتابتهم "الكتابة السيريلية".
وقال إن أفضل طريقة في مواجهة الكتابات المشفرة الملغزة هي في الرجوع إلى محاولات العلماء السابقين مع كتابات مماثلة للتعرف على كيفية مغالبتها "لتكشف" عما تخفيه من أسرار.
ويعالج الجزء الأول من كتابنا هذا في ثلاثة فصول متعاقبة جهود ثلاثة من المشاهير في هذا الميدان وهم: شامبليون وفك طلاسم الهيروغليفيات المصرية؛ وقد قام بترجمة هذا الفصل رمضان هاشم، وقام الدكتور عكاشة الدالي بمراجعته ، ثم مايكل فنتريس وفك ألغاز الكتابة الخطية الثانية، وأخيرًا كنوروزوف ومعالجته لكتابة مايا في أمريكا الوسطى. وهذا العرض يبرز العناصر الأساسية التي أدت إلى نجاح هؤلاء العلماء الثلاثة في مهامهم، كما يبين مقاربات كل منهم وطرائقهم المذهلة في التوصل إلى أن العلامات الصوتية (مقطعية وأبجدية) والعلامات الصوتية ( تصويرية أو غير تصويرية) هي التي تؤلف منظومة الكتابة الفعالة. كما توضح هذه الإطلالة قدر الصعوبات التي واجهت هؤلاء العلماء - على المستويين العقلي والعاطفي- وكذا الحقيقة المقلقة بأن المشتغلين بفك رموز الكتابات القديمة أحيانًا ما يتوصلون إلى نتائج صائبة من خلال افتراضات خاطئة.
أما الجزء الثاني من كتابنا هذا فإنه يتناول الكتابات المشفرة مرتبة حسب قواعد أساسية تقوم على مدى معرفة الخبراء بهذا النقش أو ذاك من حيث تعرفهم على اللغة التي نقش بها النص قيد المناقشة. وسوف نبدأ بالكتابات التي لدى الباحثين بعض المعرفة النسبية عنها، ولكنها منقوشة بلغات مجهولة الهوية (أي لغات لا صلة لها بأي من اللغات التي نعرفها؛ من قبيل لغة مروي، واللغة الأتروسكية، ولغة الكتابة الخطية الأولى واللغة العيلامية المبكرة). وبعدها ننتقل إلى الكتابات التي لا يعرف الكثير عنها، ولكن يظن أنها كتبت جزئيًا بلغات معروفة؛ من قبيل الرونجو رونجو ولغة زابوتي Zapotec، ولغة إسثميا Isthmia.
وأخيرًا يتناول الجزء الثالث بعض الكتابات الملغزة تمامًا، والتي تم نقشها بلغات مجهولة تمامًا، (وهذا هو التحدي الأكبر للباحثين)؛ من قبيل كتابة أهل نهر السند، ورموز اسطوانة " فايستوس".
أما خاتمة الكتاب، فهي تدور حول المحاولات التي لا تنقطع في حقل الكتابات المشفرة، ومن ثم فقد عنونا هذه الخاتمة بعنوان "فك الطلاسم كمطلب مُلح". والواقع أن العديد من الصحف والمجلات والدوريات العالمية مثل:(Nature, Science, Scientific American, Antiquity, New Scientist and National Geographic )، تنشر تباعًا أخبارًا عن فك طلاسم الكتابات، وأحيانًا بشيء من التفصيل. كما أن هناك مواقع هامة على شبكة الإنترنت مخصصة للكتابات الملغزة (إلى جانب بعض المواقع التي يشك في صحة معلوماتها). ولعل القارئ يتساءل عن الأسباب التي تجعل الكثيرين من الأفراد في مختلف بلدان العالم يولون أمر الكتابات القديمة كل هذا الاهتمام؟. وفي هذا الفصل الأخير من الكتاب سوف يتبين للقارئ ما الذي يمكن لنا كأفراد أن نتعلمه في هذا الميدان، بالمعنى الأعم، من خلال التحديات التي تنطوي عليها مهمة فك الطلاسم، وأيضًا من خلال منظومات الكتابة في العالم القديم بصفة شمولية.