أخبار الأدب والفن

ذكريات نصري الصايغ دفاعا عن المقاومة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بيروت من جورج جحا: قراءة كتاب نصري الصايغ "حوار الحفاة والعقارب..دفاعا عن المقاومة" قد تؤدي الى شيء من الظلم في حق المؤلف إذا كانت غاية القارىء تقديم عرض نقدي للكتاب. والسبب هو أن الصايغ الشاعر والكاتب والمربي ورجل الفكر والمحلل السياسي والصحافي.. يضع القاريء من الصفحات الأولى لكتابه الممتع المؤثر وسط "ذوب" شعري حار رائع من الوجداني والفكري والسياسي دون أن يتخلى عن سمة الحوار العقلي الذي ينتج عن عقل متمكن.
أجواء الصايغ هذه تجعل القارىء أسير متعة فنية أخاذة -بما فيها من محزن وما يشبه ثم الامل كذلك- ومن كشف عن حقائق كانت كامنة أو غلّفها النسيان أو التناسي المقصود.
هذه المتعة النادرة التحقق في كثير من الكتابات تظلم الكاتب إذ تجعلنا نعيش أجواءها لتأتي هي في الدرجة الأولى دون تركيز منصف على النقاش "السياسي" البارد أو الذي يفترض أن يكون باردا وهو ليس كذلك تماما عند نصري.. وقد ننتبه أحيانا الى أن كثيرا من هذا النقاش الفكري قد "ذاب" متحولا الى وجداني شعري أي أضحى عنصرا من هذه المتعة المتعددة العناصر.
كتاب الصايغ جاء في نحو 200 صفحة متوسطة القطع وصدر عن دار "رياض الريس للكتب والنشر" بغلاف من تصميم محمد حمادة. وللصايغ ما لا يقل عن 11 كتابا بالعربية والفرنسية بين شعر وأبحاث ودراسات وسياسة.
أما الاهداء فيشرح كثيرا عن الكاتب. يقول في هذا الاهداء "الى انطون سعادة الذي ارشدني الى السيد حسن نصر الله الذي خلفة مشيت." وكان الصايغ الذي عرف عنه أنه توقف عن العمل الحزبي منذ مدة من الزمن قد تولى قبل سنوات مسؤولية ثقافية في الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي اسسه سعادة.
نرافق الصايغ ابتداء من الصفحة الأولى فيروي لنا قصص الموت والعذاب المختلفة أي قصص الحروب. يقول "ولدت في الحرب العالمية الثانية. زوجتي ولدت في السادس من أغسطس آب عندما كانت هيروشيما تستعد لدينونة القنبلة الذرية. والدي ماتت أخته على كتفيه جوعا" في بلدته مشغرة خلال المجاعة في الحرب العالمية الأولى. أضاف "كان يتسول لقمة. قال لي.. لم اسرق في حياتي الا خبزا. ورث من سوق مشغرة كلبا.. صادقه ثم باعه كي لا يموت من تبقى من العائلة جوعا."
وقال متحدثا عن سلسلة الأسى وعن واقع يشبه بعض أفجع نتاج الروائيين وأجواء فواجع قصيدة "اخي" لميخائيل نعيمة.. "انها الحرب. جدي اخذوه عنوة الى سفربلك. لم يكن معه شراء حريته وهربه. أخذوه لكنه وحيدا عاد من الجبهة التركية الى أضنه فإلى حلب ثم الى بعلبك ومنها الى مشغرة سيرا على الاقدام.. وصل قريته. كانت جدتي قد ماتت. اخذوها الى الكرنتينا الموقتة في قعر الوادي. صبوا عليها الكلس. كانت قد تلوثت بداء الجدري بعدما حولتها الحرب وسفر برلك زوجها الى "غسّالة" متنقلة بين البيوت وهي ابنة فلاح مكفي."
يضيف الصايغ المسيحي الكاثوليكي "إنها الحرب. أولادي ولدوا قبل الحرب (الاهلية اللبنانية) بقليل.. وفي معمعات القتال. هربنا من بيت الى بيت تهجرنا من كل المناطق الى كل المناطق ومن كل المذاهب والطوائف. لم يعد لنا مكان يؤوينا. اختبأت في لبنان مع عائلتي في ارض فرنسية انتقلت بعدها الى منفى جميل حيث الحرب تجري فقط على شاشات التلفزيون والسينما... امس عادت حفيدتي إيناس الى لبنان كي تبقى فيه. إنها آخر من تبقى لي في لبنان. أهلي في كندا. تراب أوتاوا حضن جسد ابي وذاكرة امي. ولي اخوة واخوات يتشوقون الى بلدهم ولا يعودون. انتهى بهم مطاف التهجير الى الاقامة الدائمة في افراح الغربة."
وببلاغة نفاذة يزيح حجبا وضعها اللبناني عمدا أو دون عمد على ذاكرته كي يستطيع الاستمرار في الحياة. يقول "بعض عائلتي وأقاربي ما زالوا يرقدون في مقابر جماعية معروفة جدا. بعض أصدقائي ورفاقي لم يعودوا بعد. خطفوهم وربما قتلوهم. ربما كان يجب أن أكون مقتولا. لكن ذلك لم يحدث وأنا لم أفعل... إنها الحرب مرارا وتكرارا. انها الهواء الذي عرفته ابا عن جد واورثه لاولادي واحفادي."
وتحدث عن قدوم حفيدته الى لبنان بعد حرب اسرائيل عليه في يوليو تموز الماضي قائلا "لايناس العنيدة اقول.. كتبت لك باقة سماء في قصائد لكنني لااستطيع ان امنع عنك الحرب. وقبل قدومك السماوي الينا كانت بيروت مأوى الحزن والامل والجنوب يقاتل عدوا واسرائيل تدرب اسلحتها الجديدة وتتدرب على الكارثة تماما كما كنا نفعل من قبل."
وتابع ممهدا لنظريته التي تدعو وبمنطق مؤثر ودرجة كبيرة من الاقناع وباطلاع ودراية الى ان المقاومة يجب ان تكون بديلا عن الجيوش فقال "انها الحرب.. تاريخنا الوحيد. انها الهزائم حقائقنا الاكيدة لذلك قررت ان اكتب عن هذا الحيوان الشرس... كان علي ان اعرف لماذا كنا نذهب الى الحروب لنحصي خسائرنا كنا نتشبث بجيوشنا المهزومة. ولما ذهبنا الى المقاومة لنحصي ارواحنا الناصعة كنا نتهافت بسرعة لا اخلاقية مطالبين بنوع سلاحها. كان علي ان اتهم. ما هذا التفاني في تبني الهزيمة وتعليق المقاومة الناجحة على منصة الاعدام. ولقد عرفت ولم اكن وحيدا في العارفين."

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف