أخبار الأدب والفن

العالم روبرت بتنام يناقش مشاكل المجتمع الأمريكي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ايلاف من الاسكندرية: نظمت مكتبة الإسكندرية يوم 14 يناير محاضرة ممتعة أدارها الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير المكتبة، وتحدث فيها الدكتور روبرت بتنام،أحد أبرز أساتذة العلوم السياسية بجامعة هارفارد الأمريكية، والمعروف بأبحاثه وإسهاماته ومؤلفاته في موضوعات المجتمع المدني ورأس المال الإجتماعي والديمقراطية، ومن أهم الكتب التي تناولت هذه القضايا "كيف تنجح الديموقراطية" ، و"لعب البولينج وحيدا ".
و السيد روبرت بتنام أستاذ كرسي بيتر وايزابل مالكن للسياسات العامة بجامعة هارفارد الأميركية. وهو مؤسس "منتدى ساجوارو: الارتباط المدني في أميركا، وهو برنامج قام بجمع عدد كبير من أهم الممارسين والمفكرين بهدف فتح مناقشة تدوم لعدة أعوام لتطوير أفكار واسعة المجال وقابلة للتطبيق في سبيل تعزيز التواصل الاجتماعي في أميركا. كما أنه حاصل على جائزة يوهان سكيتا للعلوم السياسية من مؤسسة سكيتا التابعة لجامعة أوبسالا السويدية عن نظريته حول رأس المال الاجتماعي، وهي أهم وأكبر جائزة في مجال العلوم السياسية.
وقد قدم الدكتور إسماعيل سراج الدين العالم الشهير، ملخصا لسيرته الذاتية الحافلة مشيرا إلي أهم الموضوعات التي اهتم بها بتنام والتي تتعلق بالديمقراطية، وهي الدور المتغير للدين في أمريكا المعاصرة، وآثار الممارسات المتعلقة بالعمل على الحياة الأسرية واستراتيجيات المواطنة. وقد انصب محور المحاضرة على المجتمع الأمريكي والتغييرات التي طرأت عليه عبر ثلاثة عقود ماضية، حيث تطرق إلى زيادة عزلة الشعب الأمريكي عن الأهل والأصدقاء والجيران والمؤسسات الاجتماعية. وقد قدم بتنام مفهومه الخاص برأس المال الإجتماعي وأهميته كركن من أركان أي نهضة منشودة.

كيف تنجح الديمقراطية
بدء الدكتور بتنام المحاضرة معربا عن سعادته بإلقاء محاضرة بمكتبة الإسكندرية وقال أنها أكثر من رائعة وأنها انجاز فريد من نوعه. وركز في محاضرته على الدراسة التي قام بها منذ 12 عام وهي بعنوان " كيف تنجح الديموقراطية" وهي دراسة عن تقاليد المجتمع المدني في ايطاليا الحديثة، والتي خرجت في كتاب قيم لاقى اهتماما بالغا من صانعي السياسة والنشطاء المدنين في أمريكا وتطبيق النظرية على المجتمع الأمريكي. والذي تم إصدار الترجمة العربية له والتي ستصبح قربيا في متناول الجميع. وقال أنه إذا كان هناك نظام سياسي معين فمن الممكن أن يكون فعالا في أماكن ولا يكون كذلك في أماكن أخرى. ومثال على ذلك أنه إذا أراد عالم نباتات أن يقوم بتجربة فانه يقوم بالتحكم في الظروف المحيطة بها. أما عند دراسة المجتمعات المدنية فانه يصبح أمرا صعبا للغاية حيث لا يمكن التحكم في كل الظروف حول هذا المتغير.

تجربة ايطاليا
واستطرد بتنام حديثه عن الدراسة التي أجراها علي تجربة ايطاليا في الإصلاح المؤسسي التي خاضتها في كل من أقاليمها العشرين والتي استغرقت منه عقدين من الزمان في دراسة وتحليل فعالية أداء تلك الحكومات الإقليمية. وقال "بدأت هذه الدراسة عندما كنت في ايطاليا بالصدفة فقمت بمتابعة هذه الظاهرة الهامة جدا، ووجدت الظروف مواتية لإجراء هذه التجربة، حين قامت ايطاليا في عام1970، بخلق حكومة إقليمية وهو أمر لم يكن موجودا من قبل واستمر حتى أوائل التسعينات، وذلك على مناطق مختلفة من البلاد حيث كانت بعض المناطق متطورة اقتصاديا والاخرى متدهورة وكان هناك تفاوت في مستوى التعليم، كما كانت هناك مناطق دينية جدا مثل فينسيا وأخرى راديكالية وأخرى فقيرة، وكنت أقوم بملاحظة كل ما يطرأ من تطورات؟ فقد أصبح البعض منها ناجحا جدا والآخر بمثابة كارثة. فقمت باختراع شخصية تدعي "جوزيبي بيانكو" وأرسلت خطابا لكل حكومة علي حدة وقلت فيه أنني مواطن كنت في زيارة إلي اسبانيا وأصابني المرض واضطررت لرؤية الطبيب، وأطلب الحصول على استمارة لكي أحصل على الأموال التي قمت بدفعها للطبيب في اسبانيا.
ثم درست عدد الحكومات التي قامت بالرد وكم استغرقت من الوقت؟ ثم اتصلت بهم شخصيا بنفس الاسم ورأيت هل سيتم إيصالي بالمختص وكم شخص مررت به حتى أصل إلى المسئول، ثم ذهبت إليهم شخصيا وقمت بحساب عدد المكاتب التي مررت عليها للوصول إلى الشخص المسئول.
ثم قمت بعمل هذه الخطوات في عدة مجالات أخرى كالتعليم والزراعة كما قمت بعمل استطلاع لعشرات الآراء من الايطاليين حول رأيهم في الحكومات الإقليمية، وقد وجدت أن المواطنين قد أعطوا أراء تم من خلالها استخلاص نتائج متطابقة مع الاستنتاجات الخاصة بي.
ثم تساءل بتنام عن سر الاختلاف في أداء هذه الحكومات، ووجه تساؤل لتحفيز مشاركة جمهور المكتبة قائلاً برأيكم ما هو السر في ذلك؟ فقال بعض الحضور أن التعليم هو المحور الأساسي في عملية الديموقراطية والبعض رأى أن للدين تأثيرا كبيرا حيث يؤدي للمزيد من الالتزام الأخلاقي. بينما رأى بتنام في دراسته أن العامل الأساسي الذي يسمح بالتنبؤ بمدى نجاح الديموقراطية في حكومة ما، هو عدد جماعات "الكورال" في المجتمع أو نوادي كرة القدم أو جماعات القراءة أو الجمعيات المدنية وهو ما يرمز به إلي "آلية العمل الجماعي".
مشيرا إلى أن المجتمع الذي يحفز العلاقات الأفقية المتساوية فان ذلك يؤدي إلى نجاح الديموقراطية، وما يلخص ذلك في رأيه مقولة لاعب البيسبول "يوجي بيرا" إذا لم تسير في جنازة شخص ما فانه لن يأتي في جنازتك"، وبالرجوع إلى التاريخ، فقد وجد أن المناطق الغنية تزيد فيها الجماعات الاجتماعية، وهذا ربما يرجع إلي المستوى الاقتصادي للناس فيها مما يتيح لهم المساحة لممارسة الأنشطة الاجتماعية، لكن اتضح أن العكس صحيح.
لأنه بالعودة إلى الوراء عدة قرون، سنجد أن هذه الجماعات الاجتماعية هي التي تؤدي إلى الازدهار الاقتصادي وبناء عليه أصبحت مناطق غنية وأصبح معدل الأعمار فيها أزيد والناس فيها أكثر سعادة وبالتالي أصبح هناك قدر كبير من الديموقراطية. وأضاف أما الحقيقة المحبطة التي واجهتها حول احتمالية نجاح الديموقراطية، هي أن ذلك مبني علي أساس وجود الجماعات الاجتماعية منذ ألف سنة، مما يعني أن المجتمعات التي لم تنجح بعد فعليها الانتظار لمدة ألف عام قادمة.

رأس المال الاجتماعي
وهنا يلعب رأس المال الاجتماعي دورا هاما في التنظيمات الاجتماعية المختلفة، و هو عبارة عن المؤسسات والعلاقات والعادات التي تشكل حجم التفاعلات الاجتماعية داخل المجتمع ونوعيتها، وهو يشبه إلي حد كبير رأس المال الملموس "المادي" المعروف لدي الجميع والذي يدر دخلا وعائدا. وكما أننا نستطيع الاستثمار في رأس المال المادي، فان رأس المال الإنساني يمكننا أيضا الاستثمار فيه من خلال التعليم وبالتالي يمكن تطويره. أما شبكة العلاقات الاجتماعية فلها قيمة هامة، لأن معظم الناس حينما يبحثون عن عمل فإنهم لا يحصلون عليه بمؤهلاتهم أو عن طريق إعلانات الجرائد بل بعلاقاتهم، وأكد أن هذه السلسلة من العلاقات تؤثر على مستقبلهم. وأشار إلى كيفية الاستفادة من شبكة العلاقات الشخصية الهامة والمؤثرة على صحة الإنسان، وقال أن العزلة الاجتماعية تساوي في ضررها الصحي خطر التدخين، وقد أشار علماء الجريمة إلى أن شبكة العلاقات الاجتماعية في منطقة ما تحد من خطر التعرض للجرائم وهو ما يقلل معدلات الجريمة في هذه المنطقة.
كما أن الناس الموجودين خارج الشبكة يستفيدون أيضا منها، فأنا مثلا ألقي هذه المحاضرة الآن على بعد آلاف الأميال من منزلي وأنا مطمئن رغم أنني لا أشارك في المناسبات الاجتماعية لكنني أحد المستفيدين من الشبكة الاجتماعية المحيطة بى. وأعتقد أن الشبكة الاجتماعية هي الاكتشاف الهائل الذي لا يلقي التقدير المستحق، لأنها تساعد على الشعور بالأمان وهو نتيجة فرعية لهذه الشبكة كما أن لها تأثير هائل على سعادتها وصحتنا.
وأكد صعوبة قياس رأس المال الاجتماعي، هل هو مرتفع أم منخفض؟ وأنه لكي يتمكن من قياسه رجع إلى سجلات العضوية للمنظمات الاجتماعية المختلفة لكي يقوم بإحصاء عدد الأعضاء، وأعطى مثالا على ذلك: جمعية الأطباء الأمريكيين. حيث أحصى عدد الأطباء المشتركين فيها من عدد الأطباء الإجمالي. لكن المشكلة في هذه المعلومات أنه ليس كل رأس المال مبني على المنظمات بل هو مبني على العلاقات الشخصية.
و في هذا السياق أشار إلى الاستفتاءات التي تقيم ثقة المواطنين في الحكومة الأمريكية، وقال لقد كانت نسبة الثقة فيها 60 % وحاليا وفي عهد بوش بلغت النسبة 16 %، فما الذي حدث لرأس المال الاجتماعي في هذه الفترة؟ ووفقا لهذه المعلومات فان رأس المال الاجتماعي في أمريكا ظل في تزايد طوال القرن العشرين، ثم بدأ انهيار سريع في بداية القرن الحالي، إلي أن أصبح المجتمع الأمريكي يعاني من انخفاض نسبة رأس المال الاجتماعي. وقال أتمني أن يكون هناك "أرشيف للرحلات" يستطيع المرء من خلاله معرفة عدد المرات التي ذهب فيها في رحلة عائلية، أو إلى الكنيسة ومعدل الزيارات الخارجية.

تساؤلات هامة
وقام بطرح عدة تساؤلات أهمها ما هي أفضل وسيلة من أجل إنجاح الديموقراطية؟ هل يكون ذلك من خلال وزارة لرأس المال الاجتماعي تكون مسئولة عن تنظيم رحلات للمواطنين لكي يتمكنوا من إقامة نوع التواصل، أم أن ذلك لابد أن يكون من المواطنين؟ وقال إن النقطة المحورية في هذا الأمر هي أن رأس المال الاجتماعي يتطلب اللامركزية لأن المركزية لا تسمح للناس بممارسة المهارات الاجتماعية. كما أنني أرى أن المرأة هي أفضل من يمتلك المهارة لخلق هذا النوع من العلاقات الاجتماعية وبالتالي تكوين رأس المال الاجتماعي، ولكن يجب على المجتمع بأكمله أن يضع رأس المال الاجتماعي هدفا ساميا نصب عينيه. واختتم روبرت بتنام المحاضرة معلنا أنه أوشك على الانتهاء من كتابه الجديد الذي هو الدين في "المجتمع الأمريكي Reliages America " .
وعقب ذلك أجاب بتنام على تساؤلات الحاضرين والتي كان من بينها تساؤل عن رأس المال الاجتماعي في مصر، حيث قال : بالرغم من عدم معرفتي الوثيقة بالمجتمع المصري إلا من خلال بضعه أيام، الا اني لاحظت أن العلاقات الاجتماعية تنحصر بين المعارف والأقارب ولا تمتد للعلاقات مع الغرباء، بينما رأس المال الاجتماعي بحسب مفهومي هو الثقة في الناس بصفة عامة ويمكن معرفة ذلك ببساطة عن طريق سؤال : إلي أي مدى يمكنك الثقة بالناس؟ والإجابة على هذا التساؤل تتفاوت من مجتمع إلى آخر .
أما السؤال الثاني فكان حول ما هي الحلول التي يمكن أن نلجأ إليها للوصول إلى علاقات اجتماعية قوية؟ وأجاب بتنام قائلا أن الحلول موجودة من خلال خلق منظمات اجتماعية تكون مسئوليتها تنظيم العلاقات بين المواطنين العاديين. لأن بناء العلاقات ليس عملا سياسيا وإنما هو عمل مجتمعي بالدرجة الأولى، هذا إلى جانب دور القادة والمؤسسات التعليمية.
واختتمت المحاضرة بتساؤل عن أثر كارثة الحادي عشر من سبتمبر على رأس المال الاجتماعي الأمريكي، وكان جوابه هو أنه بعد 11 سبتمبر حدثت زيادة سريعة في رأس المال الاجتماعي وبدأت الناس تثق في بعضها أكثر وكان الأمريكي يثق في الأسيوي وفي اللاتيني والعربي وهذه القمة لم تستمر وبدأت في الانهيار .حيث أكد أن هناك تغييرا كبيرا في أفكار الشعب الأمريكي، ينبع من الأوضاع فهم لا يحبون أن يكونوا موضع كراهية من العالم، فهم يعلمون جيدا ما يحدث من حولهم ويحتجون عليه.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف