أخبار الأدب والفن

مجموعة قصصية لعلي الصوافي..

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

واقعية جارحة بتفاصيل وحركية والوان وظلال


بيروت من جورج جحا (رويترز): قراءة "كورون..أو الماء باتجاهين" وهي مجموعة قصصية لكاتب من سلطنة عمان هو علي الصوافي ممتعة تتسم بواقعية بعيدة عن التقريرية الميكانيكية الباردة والوعظية المملة او الغرق في تفاصيل لا قيمة فنية تورد بحجة نقل الواقع. عين الصوافي واذنه تلتقطان بنجاح وبجمال وايحاء التفاصيل الكثيرة وتعيدان نسجها بواقعية جارحة وبحركية وبالوان وظلال. انه واقعي حتى حين يستعمل "شخصا" بشريا يبدو لنا احيانا فقيرا عاديا مختلا واحيانا اخرى مثل "بهلول" غريب وان لم تطلق شفتاه حكمة واضحة او خفية.
وعلى رغم واقعية الكاتب فهو لا يقدم لنا مواعظ او خططا اصلاحية. بعض "لوحاته" الوصفية التي تطل علينا من بعض قصصه قد تبدو كانها "مجانية" توهم بانتمائها بشكل او اخر الى مذهب الفن للفن لكننا بعد الوهلة الاولى نكتشف بين طياتها هدفا خبيئا لا نعثر عليه لان الكاتب لم يسطحه بل جعلنا نستنتجه وكانه يشركنا معه في عمله.
مجموعة الصوافي التي اشتملت على عشر قصص في 96 صفحة متوسطة القطع صدرت عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر".
عالم الكاتب هو عالم الناس والامهم وعقلياتهم.. لكنه يجعل من ذلك كله ومن غيره في الحياة اليومية "مادة اولية" تحمل افكارا ودعوات اصلاحية بعيدة عن المباشرة. ومع ذلك فكتابته احيانا تبدو كانها تأتي في سحب شعرية وان تحدثت عن "عاديات "الحياة.
في نموذج هو قصة "تاكسي وغرفتان وصالة" اوضاع اجتماعية وحالات من الواقع ترسم بشكل جارح وباتهامية حادة صامتة لكنها لا تقوم على التحليل المباشر بل على وصف الواقع ونقله بشكل تحريضي يرفض دون ان يقول كاتبه "انا ارفض".
نقرأ في بداية القصة وبتفصيل.. الاسم والعنوان وكثيرا عن الحالة المنزلية والمادية "فخرية بنت لال مراد.. المعبلية الجنوبية. شقة رقم 4 .. اقصى الجانب الايسر من الطابق العلوي بمحاذاة الشارع القريب من الشعبية.
"كانت فخرية تقف على النافذة الوحيدة في الغرفة والمشدود عليها ستارة معلقة بحبل نايلون ازرق عبارة عن شرشف قديم بلون اصفر تتوزع عليه اشكال مختلفة لاغصان ورود كبيرة. كانت فخرية تقف بعمودها الجاف وعينيها المشدودتين لترى التاكسي. لقد تأخر التاكسي" الذي ياخذها الى العمل.
فخرية موظفة صغيرة وافراد عائلتها الفقيرة اخوات واخوة يعملون بما لا يسد جوعا.. احدهم يعمل حمالا يساعد زبائن دكاكين الخضرة والفواكه في نقل مشترياتهم واخت لها "تباغت اصحاب السيارات من نافذة السائق مادة يدها بعلب البخور الصفراء "بخور.. مال خظار اذا.. عمو رخيص... خالوه يالله يالله يا الله..."
في الطريق تنشغل فخرية بعيني سائق التاكسي النسريتين .. يرمقها من خلال المراة وعبر نظارتيه الملونتين. صاحب العمل -وهو مكتب عقاري- ضابط متقاعد. نهاية القصة يرويها لنا الكاتب بهدوء مؤلم. يقول "مرت ايام واسابيع. قبّل سائق التاكسي فخرية قبلتين على عنقها ودلك ثدييها الصغيرين باصابعه الجافة... ادخلها صاحب المكتب عدة مرات تحت طاولة اعداد الشاي... وبعد اسبوعين تزوجا ثم طلقها. مرت سنوات كانت فخرية تقف بجانب محطة البنزين وبيدها علب بخور صغيرة وكان ثمة سائق بعينين مشدودتين كعيني النسر يمر على سيارة اجرة بجانب الشارع."
في قصة "تلويحة الرصيف" وصف حي يذكرنا باجواء من "قنديل ام هاشم" ليحيى حقي في وصفه حي السيدة. يقول الصوافي "عند منتصف الليل او قبله بقليل.. بعد ان هدات الشوارع من ضجيج المارة ودوران عجلات السيارات ومباغتات رجال الشرطة وبعد ان طوى اصحاب المحلات دكاكينهم المفروشة طوال النهار واوصدت الابواب والنوافذ وفتحات المنازل... في ذلك الوقت خرج الرجل من منزله في الشقة رقم 8 بالدور الخامس.. في ذلك الوقت يبدو كل شيء منظما وهادئا عدا بعض الاصوات الليلية التي كانت تتكاثر ببطء او تختفي بسرعة في الحانات والازقة الضيقة ومواقف السيارات. في هذه المدينة المطفأة كل يمارس وحشته واحاديثه وقهقهاته كما يكره او كما يكره."
ويصف الكاتب هذا الرجل الذي يبدو مزيجا من فقير غريب مختل ومن بعض سمات البهلول. يقول واصفا تحركاته نهارا وليلا "يمشي ملوحا بيديه حاملا حقيبة معلقة على ظهره منتصف النهار حيث تفرش الشمس اشعتها على الاشجار ورؤوس المارة واسطح البنايات... يمشي الرجل ذارعا الارصفة... لا يتكلم ابدا الا عن الوقت او الساعة او البوصلة وهو في كل هذا لا يتحدث الا مع نفسه واذا تصادف وكلمه أحد يرفع ثوبه الى نصف ساقيه ويجري تاركا غبارا من الاسئلة وعيونا تركض وراءه وضحكات تتداخل مع ضربات نعاله على اسمنت الشارع حيث ينحني الرجل فاتحا ذراعيه كالطائر... توقف الرجل قليلا وانتصب فاردا طوله ثم التفت وراءه.. "تفوو" ثم واصل مشيته بخطوات متأرجحة وهو يغني او يضحك او يبصق..."

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف