كل الغزاة شنوا حروبا على اللغة المصرية القديمة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
القاهرة من سعد القرش: يرى كاتب ومحقق مصري أن اللغة المصرية القديمة لاتزال موجودة وفاعلة في "اللغة المصرية الحالية" مشيرا الى أن كل من غزوا مصر ابتداء من البطالمة في القرن الرابع قبل الميلاد شنوا حربا على اللغة القومية. وأرجع عبد العزيز جمال الدين بقاء اللغة المصرية القديمة في صوتياتها وتراكيبها وظواهرها النحوية والصرفية وابداعاتها الادبية لاسباب منها احتفاظ الشعب في وجدانه وتعاملاته اليومية بالتراث الثقافي للغته وتبدى ذلك في "الملاحم الشعبية المصرية التي تمجد البطولة والمقاومة والاستشهاد دفاعا عن الوطن ضد المحتل الاجنبي وتعلي من شأن الضمير والاخلاق الحميدة التي تعتبر استمرارا لحياة وبطولات الشهداء والابطال المصريين قبل المسيحية وبعدها."
وقال لرويترز على هامش مؤتمر (التراث القبطي وأثره على الثقافة العالمية) إنه حين دخل العرب مصر "كان للمصريين أقدم لغة في التاريخ وهي أم اللغات وكان للزراعة الدور الاساسي في تشكيل اللغة التي تعاملوا بها ولايزالون فلم يتحولوا بالغزو العربي من حياة الزراعة الى حياة الصحراء بل استمروا في استعمال لغتهم بألفاظها ونظام جملها الذى يتلاءم مع نشاطهم الزراعي" وحياتهم المختلفة عن حياة البداوة. واختتم المؤتمر جلساته يوم الاثنين الماضي ونظمته جمعية محبي التراث القبطي بالقاهرة على مدى ثلاثة أيام.
ويعتبر جمال الدين بلاده "أطول مستعمرة في العالم" اذ غزاها الاسكندر الاكبر عام 332 قبل الميلاد ثم احتلها الرومان الذين أخرجهم العرب منها عام 641 ميلادية وانتهاء بحكم أسرة محمد علي (1805 - 1952). وتخلل حكم هذه الاسرة احتلال بريطاني انتهى عام 1956 تنفيذا لاتفاقية الجلاء التي وقعها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر عام 1954 ليستعيد المصريون بلادهم بعد "احتلال" متصل منذ القرن الرابع قبل الميلاد. وقال جمال الدين إن لغة المصريين بعد الاحتلال المقدوني عام 332 قبل الميلاد دخلت في "صراعات مريرة" بسبب سعي المحتل الى فرض لغته ومحو اللغة الوطنية بهدف اضعاف مقاومة المصريين وتفتيت وحدتهم وفي سبيل ذلك ألغى المحتل المدارس العامة والمؤسسات الثقافية "التي كانت تحمي ضمن ما تحمي هذه اللغة وتشجع مبدعيها." وأشار الى أن المصريين في تلك الفترة أجبروا على كتابة ترجمة يونانية للنصوص المصرية في المداولات الرسمية ثم انتهى الامر بكتابة اللغة المصرية بحروف معظمها يونانية عرفت باسم الخط القبطي.
وقال انه مع الاحتلال الروماني لمصر عام 30 قبل الميلاد بدأت مرحلة جديدة من الصراع ضد اللغة المصرية حيث نظمت حملات ضارية ضد البرديات المكتوبة باللغة المصرية وتدمير ومصادرة الكثير منها بسبب احتوائها على أقدم أشكال الادب الوطني المقاوم للاحتلال والذي عرف خطأ باسم (أعمال الشهداء الوثنيين) مشيرا الى أن تلك الاعمال ألهمت فيما بعد ابداعات (أعمال الشهداء المسيحيين) في ظل المقاومة المصرية للاستبداد الروماني. وأوضح أن الرومان حاولوا طمس اللغة المصرية بالكامل بانتهاج سياسة اغلاق المؤسسات الثقافية التي كانت تحتمي بالمعابد المصرية ونشر الامية وهو ما أدى الى الاتجاه الى التعليم الشفاهي "وطمس الكثير من مظاهر الحضارة المصرية وثقافتها وأصبح من النادر أن نجد بين المصريين من يتقن كتابة لغته ويفقه محتواها الثقافي وهذا سهل على العرب بعد غزوهم مصر احلال الحروف النبطية محل الحروف القبطية في كتابة اللغة المصرية الحالية."
وقال إن المصريين مصروا الكلمات العربية بسبب ضرورة "لا مفر منها حتى تنزل هذه الكلمات مستريحة غير نابية الى جوار الكلمات المصرية في الجمل المصرية وفقا لنظام النحو والصرف المصري...توجس العرب بعد غزوهم لمصر من استخدام المصريين للغة المصرية في حديثهم اليومي وممارسة شعائرهم الدينية وقلقوا من حالة الابهام المسيطرة عليهم فأجبروا المصريين على استخدام كل وسائل الترجمة المتاحة لنزع ستار الابهام المستغلق بينهم وبين المصريين حتى أنهم أجبروا الباعة في الاسواق على المناداة على بضائعهم وسلعهم باللغة المصرية واللسان العربي فكان البائع ينادي على المدمس بمرادفه القريب من فهم البدوي العربي وهو الفول."
ويعد جمال الدين من المهتمين بالتاريخ المصري حيث له هذا الشهر كتاب (المسيحية في مصر) وحقق كتاب (عجايب الاثار في التراجم والاخبار) للمؤرخ المصري الأشهر عبد الرحمن الجبرتي كما حقق مخطوطة (تاريخ البطاركة) للمؤرخ المصري ساويرس ابن المقفع التي تسجل أحداثا ووقائع تزامنت أو أعقبت دخول العرب مصر في القرن السابع الميلادي.
وصدر تحقيق المخطوطة في كتاب موسوعي يقع في نحو ستة الاف صفحة في ستة مجلدات بعنوان (تاريخ مصر، من بدايات القرن الاول الميلادي حتى نهاية القرن العشرين من خلال مخطوطة تاريخ البطاركة لساويرس ابن المقفع). وقال جمال الدين إن عددا من الألفاظ العربية جرت على ألسنة المصريين ودخلت اللغة المصرية مثلما دخلتها ألفاظ فارسية وتركية وفرنسية وإيطالية ويونانية وألمانية وإنجليزية ولاتينية "إلا أنهم غيروا في صورها وأصواتها وكتابتها وتم تمصيرها لتتآلف مع نظام نطقهم وتخضع لقواعد لغتهم فالألفاظ وحدها لا تصلح لغة."
ودلل على ذلك باختلاف نظام النحو والصرف المصري ففي اللغة المنطوقة لا يستعمل المصريون أسماء الإشارة العربية.. هذا وهذه وهذان وهذين وهاتان وهاتين وهؤلاء. لا يقولون (هذا الولد) و(هذه البنت ) بل يقولون (الولد دا) و(البنت دى) ومع المثنى المذكر والمؤنث وكذلك مع الجمع المذكر والمؤنث يتعاملون باسم واحد هو (دول) فيقال (الولدين دول) و(البنتين دول) و(الأولاد دول) و(البنات دول). وأضاف "أسماء التحديد ثلاثة فقط هي (دا) و(دى) و(دول) وهي لا تسبق الاسم بل تأتى بعده.. فاللغة المصرية القديمة لا تتعامل بأية أسماء للإشارة بل تتعامل بأسماء التحديد ولا يختلف اسم التحديد باختلاف المحدد أو وضعه في الجملة فتتغير بنيته بالنصب أو الرفع أو غيره.. هذا النظام الذي نتعامل به فى لغتنا المنطوقة الحالية هو نفسه نظام لغتنا المصرية القديمة.
"في الاسم الموصول لا نستعمل (الذى) و(التي) و(اللذان) و(اللذين) و(اللتان) و(اللتين) و(الذين) و(اللاتي) نستعيض عنها جميعا باسم موصول واحد فقط هو (اللي). كان المصريون القدماء يستعملون اسما واحدا للموصول في جميع الحالات مثلما نفعل الآن تماما. أما المعرف بالنداء في لغتنا على المفرد المذكر والمؤنث ثم الجمع بنوعيه.. نقول (يا ولد) (يا بنت) (يا أولاد) (يا بنات) لا غير.. ولا يوجد معرف بالنداء للمثنى مذكرا كان أو مؤنثا فنحن لا نقول (يا ولدين) و(يا بنتين) بل ننادى عليهما (يا أولاد) و(يا بنات)."
وأضاف أنه في الضمائر لا فرق بين الجمع المؤنث أو الجمع المذكر فيقال (هم فى البيت) للدلالة على الجمعين كما لا توجد ضمائر للمثنى الذى يعامل دائما معاملة الجمع في اللغة المصرية القديمة "كما هي الحال في لغتنا الحالية...جميع اللغات الحديثة الحية ألغت صيغة المثنى نهائيا مما يؤكد حيوية اللغة المصرية قديما وحديثا ومواكبتها لتطور الحياة." (رويترز)