أخبار الأدب والفن

باريس عندما تتعرى والتفكير في العلمانية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ايتل عدنان: الشعر والقصة والمطر والحزن والمدينة الرائعة

بيروت من جورج جحا: ترسم ايتل عدنان في كتابها "باريس عندما تتعرى" عالما نسيجه الشعر والقصة والحزن والمطر والاحلام بشكل تتداخل فيه المشاعر والواقع لتشكل حالة واحدة تكاد تحمل الى القارىء رائحة القهوة في مقاهي باريس الرائعة وحرارة الانفاس وأصوات نبض القلوب في بكائها وفي حالاتها المختلفة. وفوق ذلك كله تطل ايتل من خلال باريس وعبر حالات نفسية ووجدانية متنوعة على العالم.. مشكلات انسانية واجتماعية وسياسية واقتصادية.. على الجميل والقبيح مغلفة كل ذلك بغمام نفسي شعوري شفاف يصعب فيه ان تفصل بين الشعر والقصة والتحليل والتعليق السياسي كما يصعب الافلات من قبضة تلك المتعة الرائعة التي تنبعث من كل مجالات "النص" الذي كتبته.
ايتل عدنان -كما يقول الاديب السوري فايز ملص في ترجمة لبعض قصائدها نشرت في صحيفة "جهة الشعر" الالكترونية- متحدرة من اصول تركية وعربية شامية "ومترحلة بلا استراحة بين بيروت وباريس ولوس انجليس. تحمل ايتل في عروقها نسغ الثقافات المتوسطية والامريكية والاوروبية. ومن هذا النسغ الهجين ومن علاقة كيمائية صاخبة بالتراث العربي الاسلامي في الشعر كما في المعمار وفي الذائقة البصرية كما في السياسة شيدت هذه الشاعرة المتفردة نشيدها المجبول بعرق التجربة ودموعها والشاهق بصروح الامال والخيبات. شيدته بعيدا عن كل المدارس الشعرية المنتشرة في ساحة القصيدة. اطلقت صوتها خفيضا عنيدا وعذبا كلحظات الرمق الاخير لتدافع عما بقي من الحياة والجمال."
صدر الكتاب عن "دار الساقي" في بيروت في 143 صفحة متوسطة القطع توزعت على فصول حمل كل منها عنوان الكتاب الرئيسي اي "باريس عندما تتعرى" ليصبح الكتاب كله اقرب الى حالة واحدة شاملة تطل منها وجوه عديدة او تطل هي عبر تلك الوجوه. اما الكتاب الذي كتب اصلا بالانجليزية فقد نقلته الى العربية مي مظفر بشكل رائع يجعل القارىء ينسى ان هناك ترجمة بل يكاد احيانا -على رغم عدم قراءته الاصل الانجليزي- يتصور ان هناك شراكة في العمل بين الكاتبة والمترجمة وكأنهما واحد.
تبدأ ايتل فصلها الاول فنكاد نشعر باننا امام فيلم سينمائي هاديء ينبض بالشعر وفيه من اجواء عالم بودلير. تقول "حين يهطل المطر في باريس تفتح اوروبا مظلاتها. سريعا ترمى صحف الصباح في السلال. القهوة تزداد كثافة مع القشدة مما يجعلك تشتاق الى فيينا.. وثمة رائحة خبز مطلي بالزبدة تنبعث من المعاطف السميكة للرجال الذاهبين مسرعين الى مكاتبهم. في المترو ظلام وفوضى. في صفوف الركاب شابات كثيرات بعضهن لم يقرأن قط" قصيدة بودلير الذي قالت انه احب لندن والتي تعطى احيانا عناوين منها "كابة باريس".
تضيف "تشع المصابيح الكهربائية في الحافلات فالصباح ما زال يشبه مساء الامس مع الزبائن انفسهم الذين ما زالوا يتساءلون طوال سنوات اكان عليهم ان يبتسم بعضهم لبعض." تضيف "اولئك الذين يذهبون بالسيارات الى اعمالهم يغسلون زجاج نوافذهم بعناية تامة او يمسحونها باكمامهم مسحا سريعا. من الصعب جدا ايجاد موقف للسيارة حين يكون الطقس تعسا وذلك هو الحال في معظم اوقات السنة. بعض المواطنين الشجعان يصحبون كلابهم في جولة صباحية. يبتل كل من الناس والحيوانات غير ان هناك واجبات يجب القيام بها... جميع اخبار الصباح تدور على اوروبا والوحدة الاوروبية هي دواء كل شيء...
"وفي الوقت الجاري حاول ان تجد لك مكانا صغيرا يقدم نبيذا جيدا من نوع "بوردو" بسعر معتدل يباع بوصفه نبيذا بيتيا لان المطر يجفف جيبك مثلما يجفف حنجرتك.. بعد ذلك انظر الى باريس وتخيلها ان لم تكن عيناك قادرتين على ايجادها وانظر اي مدينة صلبة متماسكة هي واي تناغم موسيقي حاد في تكوينها واي قصة ملحمية في احجارها واي روح متلاشية في مطرها."
في فصل آخر تصور حالات وامزجة واحزانا منها حديثها عن صديقة لها وقد دعتها الى الغداء "كان مزاج صديقتي مكبوتا. تناولت القليل من الطعام وبقي نبيذها في الكاس فتسربت كابتها الى الغرفة. بدا لي ان اعماقها كانت معتمة. لم يمض اولادها معها عيد الميلاد ولا ليلة رأس السنة. كانت لديهم ارتباطات شتى في بلدان شتى لذلك امضت ايام اعيادها مع ذكرى ابنها الذي انتحر قبل وقت غير طويل. كان في عينيها المائلتين الى الزرقة نظرة حالمة. في سلوكها اناقة حقيقية وفي اعماق قلبها غليان من مشاعر محمومة لكنها تحتفظ بمشاعرعا لنفسها... لم تطلب قط اي شيء. هي اعطت اكثر مما اخذت ولذلك فهي شديدة الشبه بمناخ باريس.. منطوية ومزاجية وملاى بالوعود. في عينيها نداوة.. بشرتها فاتحة وهي لا تستعجل عمل اي شيء على الرغم مما تنطوي عليه من ضيق صدر شديد. شبيهة كل الشبه بهذا الفصل.. انه الشتاء لكنه شتاء يساعد للانفجار في ربيع فائق الحيوية."
وتتنقل الكاتبة بين الانسان عبر هذه المراة وبين الطبيعة رابطة احدهما بالاخرى في عدوى لا نعرف مصدرها الاول اهو نفس الانسان ام الطبيعة. تقول "غير ان حدائق اللوكسمبورج القريبة من هنا مترفة مثلها حقيقة بتجردها لانها اختزلت الى اشكال جوهرية.. فلا لون يذهلك ولا تشكيلة نباتية. حين تذهب للقائها تواجهك غابة دكناء من اعمدة وجذوع اشجار تقف منتصبة وحية مثل جيش جمدته الكاميرا. كان على ضيفتنا ان تغادر فتركت وراءها فراغا وغيابا.. شيئا شبيها باسئلة معلقة في الهواء..."
وتستحضر بعض صفات باريس فتقول في فصل اخر "في المقهى كانت تجلس صديقتي كلود ومعها كتاب شعر. لا يدور بيننا اي حديث مهم الا عن ان باريس جميلة. لكن كلمة جميلة تلك تتضمن قرونا من حياة وحروب واشياء عن الايمان والموتى. باريس جميلة بكل تاكيد وهي اخر مدينة عظيمة في العالم حافظت على روحها وتعمل مثل ماكينة زيتت جيدا. باريس جميلة. انه قول يؤلم فذراعا المرء لا تكفيان البتة لاحتضان اتساع كهذا."

كاتب مغربي: السياق الراهن ملائم لبلورة فكر فلسفي عربي

القاهرةمن سعد القرش: يبدو الكاتب المغربي كمال عبد اللطيف متفائلا بما يمكن أن تؤدي اليه جهود مفكرين عرب في مجال التنوير وبلورة فكر فلسفي جديد بسبب وجود سياق نقدي وثقافي وسياسي داخل العالم العربي وفي محيطه الاقليمي. ويقول كمال عبد اللطيف في كتابه (التفكير في العلمانية) إن عددا من الكتاب العرب منهم المغربي محمد عابد الجابري والجزائري محمد أركون في قراءتهم للتراث العربي يسعون للاعلاء من قيمة الانسان مدافعين عن العقل والعقلانية النقدية والحرية. ويرى أن للخطاب العربي المعاصر ملمحا بارزا هو العناية بالنقد الثقافي اضافة الى "الجدل السياسي المؤسس لمفاهيم الديمقراطية والعلمانية وحقوق الانسان" ضمن معطيات مثل انتعاش الحديث عن الديمقراطية في العالم العربي والتحولات السياسية عربيا وخارجيا خاصة في تركيا وايران. ويقع الكتاب في 200 صفحة متوسطة القطع بعنوان فرعي هو (اعادة بناء المجال السياسي في الفكر العربي) وصدر في القاهرة عن دار (رؤية للنشر والتوزيع).
ويقول عبد اللطيف إن الجهود الفكرية العربية تقول "اننا أمام ارهاصات فكرة تنبئ بامكانية تبلور جهد فلسفي عربي" مرجحا أن يكون ما يعتبره اخفاقا في بناء الدولة الوطنية العلمانية في العالم العربي والمشروع السياسي الديمقراطي عائدا الى عوامل أبرزها "التقصير النظري الكبير الذي ما فتئ يشكل الملمح البارز في فكرنا السياسي."
ويرى أن علاقات السياسي بالديني ليست رياضية أو حسابية مجردة لكنها مجال قابل للتفجير بأشكال متعددة كما أن "معانيها المتناقضة قابلة للاستثمار الرمزي من طرف القوى السياسية المتصارعة."
لكنه يضيف أن العامل العقائدي الديني لم يكن العائق الوحيد أمام ما يعتبره مغامرة للابداع النظري الفلسفي في العالم العربي حيث توجد عوامل أخرى تاريخية منها تغليب آلية التحليل السياسي الظرفي الراهن على معالجة قضايا الفكر اضافة الى عدم ايمان كثير من الكتاب في مطلع القرن العشرين بحق الاختلاف والاعتراف بالتعدد.
ويقدم عبد اللطيف تحية لرواد الفكر العربي في مطلع القرن العشرين يقول إن كتاباتهم عكست "طموحا علمانيا بارزا" مزيلا بعض الالتباس حول مصطلح العلمانية الذي يعني في رأيه العقلانية النقدية حيث "لم يعرف الاسلام النظام السياسي الكنسي. والتاريخ الاسلامي لم ينتج صكوك غفران مماثلة لصكوك الكنيسة المسيحية" في العصور الوسطى الاوروبية.
ومن الذين يتوقف أمامهم المؤلف فرح أنطون (1847 - 1922) الذي دافع عن العلمانية حين قال إن "الدين علاقة خصوصية بين الخالق والمخلوق. والانسان من حيث هو انسان فقط أي بقطع النظر عن دينه ومذهبه صاحب الحق في كل خيرات الامة ومصالحها ووظائفها الكبرى والصغرى وحتى رئاسة الامة نفسها. وهذا الحق لا يكون له من يوم يدين بهذا الدين أو بذلك بل من يوم يولد فالانسانية هي الاخاء العام الذي يجب أن يشمل جميع البشر." ويضيف المؤلف أن الفكر العربي في السنوات الاخيرة يستعيد أفكار التنوير بعيدا عن الظروف التي أحاطت بإخفاقات المحاولات المبكرة حيث انطفأ لهيب المعارك الظرفية التي أشعلها في مصر كتابان صدر أولهما عام 1925 بعنوان (الاسلام وأصول الحكم) لعلي عبد الرازق (1888 - 1966) وصدر الثاني عام 1926 وهو (في الشعر الجاهلي) لطه حسين (1889 - 1973).
وتعرض عبد الرازق الذي كان أحد علماء الازهر لحملة قادها اسلاميون متشددون على ما اعتبروه خروجا على روح الاسلام حيث قال ان الاسلام لم يضع نظاما محددا للحكم كما لم يدع الى أن يكون للمسلمين خليفة في وقت كان فؤاد ملك مصر انذاك يسعى لان يكون خليفة للمسلمين مستغلا ظروف ما بعد سقوط الخلافة في تركيا عام 1923 على يد كمال أتاتورك الذي أعلن الجمهورية في العام التالي.
أما طه حسين فقال في كتابه انه شك في قيمة الشعر الجاهلي "حتى انتهى بي هذا كله الى شيء ان لم يكن يقينا فهو قريب من اليقين ذلك أن الكثرة المطلقة مما نسميه شعرا جاهليا ليست من الجاهلية في شيء وانما هي منتحلة مختلقة بعد ظهور الاسلام فهي اسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر ما تمثل حياة الجاهليين... إن ما تقرؤه على أنه شعر امرئ القيس أو طرفة (بن العبد) أو عمرو بن كلثوم أو عنترة ليس من هؤلاء في شيء وانما هو انتحال الرواة واختلاق الاعراب."
وخلص في "هذه النظرية الخطرة" على حد وصفه الى أن القرآن هو الأكثر دقة في تصوير ملامح العصر الجاهلي نافيا أن يكون الشعر الذي يسمي بالجاهلي من الوجهة اللغوية والفنية "قيل أو أذيع قبل أن يظهر القرآن. لا ينبغي أن يستشهد بهذا الشعر على تفسير القرآن وتأويل الحديث وانما ينبغي أن يستشهد بالقرآن والحديث على تفسير هذا الشعر وتأويله... القرآن أصدق مراة للحياة الجاهلية."
وتعرض حسين للمحاكمة وأجبر على تغيير بعض آرائه وتغيير عنوان الكتاب الى (في الادب الجاهلي) وان أنصفه رئيس نيابة مصر محمد نور الذي قرر أن "للمؤلف فضلا لا ينكر في سلوكه طريقا جديدا للبحث حذا فيه حذو العلماء الغربيين ولكنه لشدة تأثير نفسه مما أخذ عنهم قد تورط في بحثه حتى تخيل اليه حقا مما ليس بحق أو ما لايزال في حاجة الى اثبات أنه حق" وحفظت أوراق القضية اداريا بتاريخ 30 مارس اذار 1927.
ويعلق عبد اللطيف قائلا ان السياق الان أصبح ملائما لاستعادة جوانب متعددة من فكر التنوير "في اطار تدعيم العقلانية والحرية والتقدم في الفكر العربي والواقع العربي. الا أن الاستعادة الجديدة تتسم بمحاولات بارزة في تقليص المحتوى الايديولوجي الظرفي لمصلحة تتوخى ما أمكن الوقوف على الروح الفلسفية الثاوية خلف البيانات الايديولوجية للانوار. "لا يمكن فصل موضوع العلمانية عن المشروع السياسي الحداثي باعتباره مشروعا ينطلق من مبدأ التسليم باستقلال مجال السياسي عما عداه من المرجعيات والمجالات التي ظلت مرتبطة به في أزمنة وأمكنة متعددة."


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف