جديد أدونيس والمسدي واحتفاء بباكثير وأخبار أخرى
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
السياسة وسلطة اللغة.. لعبة التضليل والتواطؤ والخداع المتبادل
القاهرةمن سعد القرش:في الخطاب السياسي لا تقل أهمية سلطة الالفاظ عن مناورة الحكام بالفعل السياسي الذي يلزمه غطاء من الكلمات غير البريئة والمحسوبة بدقة لتمرير قرار سياسي أو تبرير عمل عسكري. ويقول الكاتب التونسي البارز عبد السلام المسدي في كتابه (السياسة وسلطة اللغة) ان للغة وزنا مهما في صناعة الفعل السياسي أو توجيهه ضاربا المثل بموقف الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد حين أعفى القادة العرب من الحرج في مؤتمر القمة بالقاهرة بعد غزو العراق للكويت عام 1990 قائلا "ان القوات السورية ستأتي لا لضرب العراق وانما لحماية المملكة العربية السعودية." ونقل عن الشاذلي القليبي الامين العام الاسبق لجامعة الدول العربية قوله ان الأسد وجد "الصيغة الملائمة التي يمكن أن تصون الشرف" بعد أن كانت الترتيبات الدولية والعربية قد اتخذت بالفعل لاخراج الجيش العراقي من الكويت. ويشير المؤلف الى أن صيغة الاسد أخرجت القادة العرب من المأزق "فتلقفوها وسعدوا بها... فلا أحد بلغه أن المملكة السعودية قد استنجدت بأي قوة عربية لحماية أراضيها. ثم ان عزم الجيش العراقي الامتداد في غزوه الى الاراضي السعودية افتراض روجه الامريكان وقدموه على وجه اليقين."
ويضيف المسدي أن طاقة اللغة تجلت في قدرتها "في صنع التغييب فالقادة العرب اجتمعوا في القاهرة لغرض محدد لا هو ضرب العراق ولا هو حماية السعودية وانما هو تحرير الكويت" قائلا ان الاسد لم يشر الى الامر الاخير ورغم ذلك ابتهج كل الذين انضموا الى التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة وبدأت الحرب في يناير كانون الثاني 1991.
وصدر الكتاب في القاهرة عن الدار المصرية اللبنانية ويقع في 366 صفحة من القطع الكبير وصمم غلافه الفنان التشكيلي المصري محمد حجي.
ويروي المسدي وهو أستاذ اللسانيات في الجامعة التونسية والسفير ووزير التعليم العالي الاسبق في سياق تدليله على أن اللغة ذات كيان سياسي موقفا عن الاسد بعد أن شاع نبأ مرضه وقوله ردا على سؤال لاحد الصحفيين ان صحته "أقل مما أتمناه وأحسن مما يتمناه الاعداء."
وتحت عنوان (السياسة وبلاغة التسمية) يشير الى أن بعض المواقف تفرض تغيير أسماء الدول أو الاشخاص. فالقائمون على أمر الكويت رأوا بعد الغزو العراقي أن يتم التنصيص على أنها (دولة الكويت). ومنذ وقت مبكر اختار بطل الملاكمة الامريكي الاشهر محمد علي كلاي اسمه الجديد بدلا من كاسيوس كلاي وقال "خلصني تغيير اسمي من الهوية التي أعطاها أسياد العبيد الى أسرتي".
وفي سياق تحول الاسماء والصفات يستشهد المؤلف باجتماع مجلس الشعب في سوريا عقب وفاة الاسد لتعديل البند 83 من الدستور ليصير العمر الادنى للرئيس 34 عاما بدلا من 40 كما أصدر نائب رئيس الجمهورية انذاك عبد الحليم خدام مرسومين "الاول يسند الى بشار (الاسد) قيادة الجيش والقوات المسلحة والثاني يرتقي به (بشار) الى رتبة الفريق وهي أعلى الرتب العسكرية. تماما كما كانت رتبة الرئيس حافظ الاسد."
كما يسجل أن الزعيم الليبي معمر القذافي حين غير اسم بلاده الى (الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى) تساءل الرئيس المصري السابق أنور السادات قائلا "من يا ترى يصدق أن رجلا عاقلا يسمي بلده باسم كهذا؟".
وفي فصل عنوانه (دلالة الألفاظ وامتحان السياسة) يقول ان العرب واجهوا ما يصفه بمحنة الانخراط الدلالي منذ الثاني من أغسطس اب عام 1990 حيث تدل الالفاظ على رؤية صاحبها لما حدث فجر ذلك اليوم. فمن قال "دخول الجيش العراقي الى الكويت" يحسب على أنه من أنصار نظرية المحافظة التاسعة عشرة التي أعلن العراق استعادتها. ومن قال "غزو العراق للكويت" فهو من أنصار تحرير الكويت بأي وسيلة. أما لفظ الاحتلال فيرفضه الكويتيون لانه يحمل اقرارا للحدث ولهذا كان الحياد تجاه ما حدث باعتباره "فترة الغزو".
الحياد نفسه كان مخرجا لحدث تلا "فترة الغزو" بثلاثة عشر عاما وكان بطله الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
فيقول المؤلف ان القاء القوات الامريكية القبض على صدام في ديسمبر كانون الاول 2003 أصاب صانع الخطاب بارتباك اذ من الصعب أن يورد اسم صدام "عاريا من صفة" ولهذا بدأ بول بريمر الحاكم الامريكي للعراق وقتها كلامه باستعمال ضمير الغائب "لقد تمكنا منه" ثم تحدث عنه البيت الابيض بوصفه مجرم حرب.
ويعلق المسدي على وصف صدام بأنه (مجرم حرب) قائلا انه مصطلح غير دقيق "من سيحاكم مجرم الحرب.. بل ومن الذي أوقد فتيلها.. ثم من بجيوشه خرج من أرضه فغزا الاخرين.." ثم أعلنت الادارة الامريكية في وقت لاحق أنه أسير حرب.
ويضيف أن صدام حين بدأت محاكمته في أكتوبر تشرين الاول 2005 لم يكن مجرم حرب ولا أسير حرب ولا مختطفا بل حوكم بصفته "الرئيس العراقي المخلوع" في حين وصفته "الوكالات الاجنبية" بأنه الدكتاتور السابق "غير مبالية بالالتباس الدلالي الذي قد يدفع بالظن بأن القائم بعده ساعتها هو دكتاتور لاحق...وبعد جولات من مسرحيات المحاكمة بدا لاولي الامر بين أمريكيين وعراقيين أن صفة المخلوع تتضمن ادانة لفعل الخلع أي للخالع. فلاذوا جميعا بالوصف الطبيعي وهو الرئيس السابق."
وفي فصل عنوانه (آليات الخطاب السياسي) يتناول المؤلف قدرة الواقعية السياسية على أن تجعل اللغة ترتدي زينة من المجازات مستشهدا بقول المستشار الالماني الاسبق هلموت كول عام 1994 "لا أحضر مناسبة يحتفل فيها بالانتصار على الالمان" حيث رفض دعوة فرنسا للمشاركة في الذكرى الخمسين لنزول قوات الحلفاء في مقاطعة نورماندي الفرنسية.
لكن الموقف الالماني اختلف بعد عشر سنوات ففي عام 2006 احتفل الحلفاء بالذكرى الستين للحدث نفسه ولبى المستشار السابق جيرهارد شرودر دعوة الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي قال "ليست المناسبة احتفالا بهزيمة ألمانيا وانما هي احتفال بانتصار الحرية."
وحول درجات الطيف اللغوي يقول المسدي انه حين أسرت "المقاومة العراقية" صحفيين فرنسيين عام 2004 "كانت كل وسائل الاعلام الفرنسية بكل ألوان أطيافها قد أجمعت ربما بدون اعداد مسبق وربما لاول مرة في تاريخها" على استعمال لفظ نادر التداول وهي تتحدث عن الذين أسروا الرجلين اذ لم تستخدم المصطلح الشائع وهو "الارهابيون" كما لم تسمهم الخاطفين الا نادرا واستعملت لفظا معناه "اسروا الرهائن".
ويعلق قائلا ان تلك الازمة كانت فرصة ثمينة ليبحث كل الفرنسيين في لغتهم عن الكلمة التي تحقق الدرجة القصوى من الحيادية بعيدا عن الاثارة أو الاستفزاز مشيرا الى أن "المقاومة" حين أطلقت سراح الرجلين كانت تتحدث عن أسيرين لا عن رهينتين وأن الاعلام العربي كان "غائبا عن مسرح الوعي باليات ترتيب الخطاب... اذا قلت انهما أسيران أعلنت أنك تخوض غمار حرب وأنك في حالة دفاع لان عدوك قد هجم عليك في دارك وللحروب قواعدها ومنطقها" ومنها الاسر في حين يكون وصف الرجلين بالمخطوفين اقرارا من الخاطف بأنه متمرد ينتهك المواثيق الدولية. ويضيف "علينا أن نتأمل ما قالته المقاومة لتفسر قرارها عندما أطلقت سراح الاسيرين. قالت.. لم تثبت الادلة على جاسوسيتهما" مشيرا الى البعد الرمزي في اختيار توقيت اطلاق سراح الاسيرين قبل يومين من الاحتفال بعيد ميلاد النبي عيسى. ويقول المسدي ان السياسة في أحد وجوهها تعمل على الالهاء بالدلالات وان السياسي يرتكب محظورا اذا تحدث عن سياسة الاخرين "لانه يخرق سياسة عدم التدخل. والمثقف يرتكب المحظور الفكري اذا لم يتدخل" ويكشف لعبة الالهاء والمسكوت عنه اتساقا مع تمرد المثقف الذي "لا يتواطأ مع المجاز على الحقيقة." كما يعتبر الكلمات ذخيرة في مسرح الصراع قائلا "من الطريف أن نتذكر ما شاع في أدبيات السياسة عن الرئيس (الامريكي الاسبق) رونالد ريجان (1980-1988) بأنه كان يتحدث عن الافغان الذين كانوا يحاربون الجيش الروسي الذي غزا بلادهم بلفظ المجاهدين ناطقا اياه باللغة العربية."
ولا يستمر مستوى اللغة على وتيرة واحدة من الحياد أو المناورة فأحيانا تتعرى من المجازات بل تتسم ببعض الخشونة التي لا تقل عن قسوة الفعل السياسي العسكري.
اذ يصف المسدي مشهد اقتحام الجيش الامريكي لمدينة الفلوجة عام 2004 بأنه كارثي ويورد نصا لوزير الدفاع العراقي انذاك حازم الشعلان الذي أعلن أن بين المقبوض عليهم ستين مقاتلا من غير العراقيين وسئل عن موعد محاكمتهم فقال "وهل من الممكن أن نترك حيا من قبضنا عليه؟ أي عدالة هذه؟ أتريد مني أن أطعمه حتى أقدمه أمام المحكمة؟ لا. فنحن لسنا في أمريكا أو فرنسا." (رويترز)
***
الرافد الإماراتية تحتفي بالأديب الكبير علي احمد باكثير/
محمد الخامري من صنعاء : احتفت مجلة الرافد التي تصدرها دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة ويرأس تحريرها الكاتب اليمني المتميز الدكتور عمر عبدالعزيز، احتفت بالكاتب والأديب اليمني الراحل علي أحمد باكثير (1910 ـ 1969) من خلال ملف العدد الذي شارك فيه ستة كتاب وأدباء عرب منهم الدكتور أحمد عبدالله السومحي الذي تناول التطور
أما الكاتب عبدالله طنطاوي فقد ركز في دراسته المطولة على المسرح السياسي لباكثير الذي قال انه كان سياسيا حتى النخاع، فارداً قراءة سياسية لمسرحيات باكثير التي ذكر منها "شيلوك الجديد وإله إسرائيل والتوراة الضائعة وإمبراطورية في المزاد والدودة والثعبان وعودة الفردوس ومسمار جحا.
أما الدكتور محمد ابو الفضل فقد تحدث في بحثه القيم بالملف الذي افردت له مجلة الرافد العدد 113 حيزاً كبيراً، تحدث عن مسرحية فاوست الجديد التي أذيعت من إذاعة القاهرة في 3/1/1983 وفيها يرى باكثير فاوست متصوفا أو يحاول تصويف فاوست، ثم تحدث عبد الحكيم الزبيدي مؤسس الموقع الاليكتروني للأديب اليمني العالمي علي احمد باكثير عن الموقع الذي قال انه يهدف إلى التعريف
وعن إسهامات باكثير في السرد العربي وإسقاط من التاريخ إلى الحاضر يكتب د. كما شارك بالملف الدكتور عمر عبدالعزيز والدكتور شهاب غانم الذي التقى الاديب باكثير عام 1968م موضحا أن صرخته "لقد ذبحوني" انطلقت بسبب "التعتيم الإعلامي الذي عانى منه من المتأدلجين أو الحاقدين بسبب اتجاهه الإسلامي والعروبي، الأمر الذي دعاه أن يفكر في العودة إلى موطنه الأصلي هروبا من ذلك الظلم."
والأديب اليمني باكثير هو علي بن أحمد بن محمد باكثير الكندي، ولد في 15 من ذي الحجة سنة 1328هـ الموافق 17 من ديسمبر 1910م، في مدينة سوروبايا بأندنوسيا لأبوين عربيين من محافظة حضرموت اليمنية، وحين بلغ العاشرة من عمره عاد به والده إلى حضرموت لينشأ هناك نشأة عربية إسلامية مع إخوته لأبيه فوصل مدينة سيئون بحضرموت في 15 من رجب سنة 1338هـ الموافق 5 أبريل 1920م، وهناك تلقى تعليمه في مدرسة النهضة العلمية ودرس علوم العربية والشريعة على يد شيوخ أجلاء منهم عمه الشاعر اللغوي النحوي القاضي محمد بن محمد باكثير. وظهرت مواهبه مبكراً فنظم الشعر وهو في الثالثة عشرة من عمره.
تولى التدريس في مدرسة النهضة العلمية وتولى إدارتها وهو دون العشرين من عمره.
تزوج باكثير مبكراً ولكنه فجع بوفاة زوجته وهي في غضارة الشباب ونضارة الصبا فغادر حضرموت حوالي عام 1931م وتوجه إلى عدن ومنها إلى الصومال والحبشة واستقر زمناً في الحجاز، وفي الحجاز نظم مطولته (نظام البردة) كما كتب أول عمل مسرحي شعري له وهو (همام أو في بلاد الأحقاف) وطبعهما في مصر أول قدومه إليها .
وصل باكثير إلى مصر سنة 1352هـ، الموافق 1934م، والتحق بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً) حيث حصل على ليسانس الآداب قسم اللغة الانجليزية عام 1939م، وقد ترجم عام 1936م أثناء دراسته في الجامعة مسرحية (روميو وجولييت) لشكسبير بالشعر المرسل، وبعدها بعامين -أي عام 1938م - ألف مسرحيته (أخناتون ونفرتيتي) بالشعر الحر ليكون بذلك رائد هذا النوع من النظم في الأدب العربي. التحق باكثير بعد تخرجه في الجامعة بمعهد التربية للمعلمين وحصل منه على الدبلوم عام 1940م. كذلك سافر باكثير إلى فرنسا عام 1954م في بعثة دراسية حرة.
اشتغل باكثير بالتدريس خمسة عشر عاماً منها عشرة أعوام بالمنصورة ثم نقل إلى القاهرة. وفي سنة 1955م انتقل للعمل في وزارة الثقافة والإرشاد القومي بمصلحة الفنون وقت إنشائها، ثم انتقل إلى قسم الرقابة على المصنفات الفنية وظل يعمل في وزارة الثقافة حتى وفاته.
تزوج باكثير في مصر عام 1943م من سيدة مصرية لها ابنة من زوج سابق، وقد تربت الإبنة في كنف باكثير الذي لم يرزق بأطفال. وحصل باكثير على الجنسية المصرية بموجب مرسوم ملكي في 22/8/1951م.
حصل على منحة تفرغ لمدة عامين (1961-1963) حيث أنجز الملحمة الإسلامية الكبرى عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في 19 جزءاً، وتعد ثاني أطول عمل مسرحي عالمياً، وكان باكثير أول أديب يمنح هذا التفرغ في مصر. كما حصل على منحة تفرغ أخرى أنجز خلالها ثلاثية مسرحية عن غزو نابليون لمصر (الدودة والثعبان- أحلام نابليون- مأساة زينب) طبعت الأولى في حياته والأخريين بعد وفاته.
كان الأديب باكثير يجيد اللغات الإنجليزية والفرنسية والملاوية بالإضافة إلى لغته الأم العربية. تنوع إنتاجه الأدبي بين الرواية والمسرحية الشعرية والنثرية، ومن أشهر أعماله الروائية (وا إسلاماه) و (الثائر الأحمر) ومن أشهر أعماله المسرحية (سر الحاكم بأمر الله) و(سر شهر زاد) التي ترجمت إلى الفرنسية و(مأساة أوديب) التي ترجمت إلى الإنجليزية. كما كتب باكثير العديد من المسرحيات السياسية والتاريخية ذات الفصل الواحد وكان ينشرها في الصحف والمجلات السائدة آنذاك، وقد أصدر منها في حياته ثلاث مجموعات وما زالت البقية لم تنشر في كتاب حتى الآن. أما شعره فلم ينشر باكثير أي ديوان في حياته وتوفي وشعره إما مخطوط وإما متناثر في الصحف والمجلات التي كان ينشره فيها.
وقد أصدر الدكتور محمد أبوبكر حميد عام 1987 ديوان باكثير الأول (أزهار الربى في أشعار الصبا) ويحوي القصائد التي نظمها باكثير في حضرموت قبل رحيله عنها.
زار باكثير العديد من الدول مثل فرنسا وبريطانيا والإتحاد السوفيتي ورومانيا، بالإضافة إلى العديد من الدول العربية مثل سوريا ولبنان والكويت التي طبع فيها ملحمة عمر. كذلك زار تركيا حيث كان ينوي كتابة ملحمة مسرحية عن فتح القسطنطينية ولكن المنية عاجلته قبل أن يشرع في كتابتها. وفي المحرم من عام 1388هـ الموافق أبريل 1968م زار باكثير حضرموت قبل عام من وفاته. توفي رحمه الله في مصر غرة رمضان عام 1389هـ الموافق 10 نوفمبر 1969م، ودفن بمدافن الإمام الشافعي في مقبرة عائلة زوجته المصرية. يشار إلى ان أول عدد من مجلة " الرافد" صدر في نوفمبر 1993. وقد بدأت المجلة في الصدور فصلية، ثم تحولت إلى الصدور مرة كل شهرين، وتصدر منذ عام 2000 بصورة شهرية. تهتم المجلة بإثارة القضايا الثقافية والفكرية الإشكالية في الحياة العربية الراهنة، وتهتم بالأدب والفن، خاصة التشكيل والمسرح والسينما والتراجم وأدب السيرة الذاتية، كما تولي عناية خاصة للنصوص الإبداعية، خاصة في الشعر والقصة القصيرة، وقد نشرت المجلة على مدار أربعة عشر عاما منذ صدورها العديد من الملفات الثقافية والإبداعية التي عالجت قضايا مهمة وتركت صدى طيباً لدى القراء والمهتمين، ويكتب في المجلة عدد من أبرز الوجوه الثقافية والإبداعية في العالم العربي.
وتعد "الرافد" اليوم واحدة من المجلات الرصينة المشهود لها بالجدية والتنوع وحسن التبويب ليس في منطقة " الخليج" وحدها، وإنما على المستوى العربي كذلك.
تحت شعار"معاً من غرس البذور إلى روعة الزهور"
افتتاح فعاليات مسابقة مبدعون على الطريق للعام 2007 في غزة
أشرف سحويل من غزة: افتتح مركز الشروق والأمل التابع لجمعية الثقافة والفكر الحر في خان يونس جنوب قطاع غزة، اليوم، فعاليات مسابقة مبدعون على الطريق للعام 2007 تحت شعار: "معاً من غرس البذور إلى روعة الزهور". وحضر حفل الافتتاح، الدكتور فايز أبو شمالة، رئيس بلدية خان يونس، والدكتور رفيق محسن، المدير الإداري لمديرية التربية والتعليم في المدينة، وتوفيق شحادة، مراقب منطقة خان يونس، والقائم بأعمال مدير المنطقة التعليمية بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، ومريم زقوت، مدير عام جمعية الثقافة والفكر الحر، وحشد غفير من الطلاب والمربين والمشرفين التربويين، وأولياء الأمور والمجتمع المحلي.
أوضحت لمياء الفرا، منسقة المشروع، أن زهاء ثمانين مدرسة ابتدائية من مدارس "الأونروا" والسلطة الوطنية في كل من رفح وخانيونس والمنطقة الشرقية، تشارك في المسابقة، وتستهدف الأطفال من سن 10- 12 عاماً، وتتضمن مجالات المسابقة، كتابة القصة القصيرة، وإلقاء الشعر، والخط العربي، والتعبير المسرحي، والرسم والأغنية الوطنية والتراثية.
وبينت أنهاستستمر على مدار ثلاثة أيام، ويشرف عليها لجنة تحكيم خاصة في كل مجال من مجالات المسابقة، وتهدف إلى اكتشاف مواهب الأطفال، وإتاحة الفرصة أمامهم للتعبير والإنجاز والمساهمة في تطوير إبداعاتهم وتشجيعهم على التعبير عنها. وشكرت إسراءبرهوم، في كلمة المبدعين، مركز الشروق والأمل، الذي أتاح الفرصة أمام الأطفال في المنطقة الجنوبية للتعبير عن مواهبهم الإبداعية، واللقاء بينهم تحت مظلة الإبداع، مشيدة بدور الجمعية ومديريات التربية والتربية والتعليم وجهودها العظيمة لتنظيم وإنجاح المسابقة.
وأكدت أن فلسطين تحتضن في رحمها كثيراً من المبدعين، الذين يحتاجون لفرصة لإطلاق هذه الإبداعات، وتفجير طاقاتهم، وتحسس مواقعها، ودفعها للأمام واستثمارها على النحو الأمثل، للارتقاء بالمجتمع وتطويره. وبدورها، رحبت زقوت في كلمة الجمعية بالحضور، وشكرتهم لتلبية الدعوة والمشاركة مع الأطفال في هذا العرس الثقافي، الذي تنظمه الجمعية للمبدعين والمبدعات من الأشبال والزهرات، مضيفةً أن فكرة هذا المشروع الثقافي، تنطلق من إيمان الجمعية العميق، بأن الإبداع أحد الوسائل الهامة في بناء مجتمع أفضل.
وقالت إن صراعنا مع الاحتلال ليس صراعاً سياسياً فقط، بل صراع حضاري وثقافي، ودورنا كمؤسسات تربوية تسعى لرعاية الأطفال، وتنمية المجتمع، أن نوفر هذه الأجواء الثقافية، ونمهد الطريق لهم نحو الإبداع، لبناء جيل قادر على العطاء، لافتةً إلى دور الأسرة والمدرسة في رعاية الإبداع عند الأطفال، وضرورة توفير الأجواء النفسية لهم لكشف مكامنها.
إفتتاح مشروع "سنيما الطفل" في قطاع غزة
أشرف سحويل من غزة: افتتح مركز الصداقة الفلسطيني للتنمية فعاليات بدء لمشروع "سينما الطفل" الممول من الوكالة السويسرية. والمشروع يهدف إلى بناء اتجاهات ايجابية للاهتمام بثقافة السينما وأهميتها في المجتمع الفلسطيني ودعم الأطفال باليات ومهارات الحوار الديمقراطي. وحضر اللقاء العديد من الشخصيات المهتمة والمتخصصة في مجال السينما والطفل وبالإضافة إلى المؤسسات الأهلية العاملة مع الطفل. وكان من أهم مخرجات هذه الجلسة تعريف المؤسسات والمدعوين بالمشروع وأهدافه والمستفيدون منه .ويستهدف المشروع 2500 طفل من محافظات قطاع غزة ويركز على المناطق المهشمة والحدودية لمعالجة الآثار النفسية السيئة التي عانى منها الطفل نتيجة الانفلات الأمني والاجتياحات المتكررة وما ترتب على ذلك من نتائج سلبية على الأطفال.
بمناسبة يوم الشعر العالمي
ندوة للشاعرعلي الشلاه في مؤسسة الثقافة والتطور / بيرن
أحمد الاسماعيلي من بيرن: ضمن احتفائها بيوم الشعر العالمي الذي اعلنته اليونسكو في الحادي والعشرين من آذار تنظم دائرة الثقافة والتطور السويسرية ندوة شعرية وامسية حوار مع الشاعر العراقي علي الشلاه يقرأ خلالها بالعربية والألمانية عدداً من نصوصه الشعرية الجديدة من كتابه البابلي علي الصادر بطبعة جديدة في 500 صفحة من المؤسسة المصرية للمطبوعات في القاهرة.
والشاعر علي الشلاه من مواليد الحلة عام 1965 وقد اصدر عدداً من المجموعات الشعرية منها .. ليت المعري كان أعمى ، شرائع معلقة ، التوقيعات ، كتاب الشين ، العباءات والأضرحة ، البابلي علي ، غروب بابلي ( بالعربية والأسبانية والألمانية والصربية ومن المؤمل صدروه قريباً بالفرنسية والانجليزية) كما اصدر عدة كتب نقدية منها أسئلة المأساة .. كربلاء في الشعر العربي الحديث وهو اطروحته للماجستير جامعة اليرموك الأردنية بين عامي 1992 - 1995
وقد نال الشلاه عدة جوائز ابداعية بينها جائزة الشعر من مهرجان اصيلة كما كرمته جامعة بيرن السويسرية في مؤتمر ادباء المهجر لدوره الابداعي والمؤسساتي في تفعيل المشهد الثقافي العربي في سويسرا، و قدم شهادة خاصة عن تجربته اثنى عليها مشاركون من عدة جامعات اوربية وعربية وايرانية وتركية بينهم الدكتورة فريال غزول من الجامعة الامريكية في القاهرة . وهو مدير عام المركز الثقافي العربي السويسري ( زيورخ / بغداد) ورئيس مهرجان المتنبي الشعري العالمي الذي ستنطلق دورته السابعة منتصف العام الحالي والذي عدته دائرة اليونسكو في سويسرا من اهم فعاليات حوار الحضارات الدولية والشلاه عضو برلمان الأجانب في زيورخ وحتى 2010م.
صدور ترجمة عربية لرواية تشرشل "حرب النهر"عن الاحتلال البريطاني للسودان
تشرتشل: كان المهديمقاتلا اكتسب احترام أعدائه الشرسين
القاهرة من سعد القرش: يحضر الغطاء الاخلاقي الذي يتوسل بالدين قبل بدء المعارك ومنها الحرب الامريكية على أفغانستان 2001 والعراق 2003 كما يتخذ مبررا للحروب بأثر رجعي كما في حالة الاحتلال البريطاني للسودان في ثمانينيات القرن التاسع عشر. وأعلن الرئيس الامريكي جورج بوش أن الحرب على أفغانستان "صليبية جديدة" ورغم قوله إن تصريحه زلة لسان فان محللين عربا وأمريكيين يرون أنه عبر عن الحقيقة دون أقنعة وهو ما لم يكن رئيس الوزراء البريطاني الاشهر ونستون تشرشل مضطرا له في
ويتناول كتاب (حرب النهر) الذي صدرت ترجمته عن دار الشروق بالقاهرة بعنوان (تاريخ الثورة المهدية والاحتلال البريطاني للسودان) السياق التاريخي للبلاد حين كانت خاضعة للسيادة المصرية ومجيء القائد البريطاني تشارلز جوردون ليكون حاكما للسودان (1875-1879) بعد أن سبقته شهرته كقائد لجيش منتصر دائما حيث كانت "السمعة الشريرة للسودان تمنع أي ضابط متعلم من الاقدام للخدمة في تلك المناطق النائية." ويقول المؤلف انه في عام 1883 تجمع أكثر من 40 ألف مقاتل تحت علم المهدي الذي رفض الاستسلام للجنرال هيكس ودارت معارك دمر فيها جيش "الغزاة. وقتل كل الضباط الاوروبيين بمن فيهم القائد هيكس. كان مقاتلا اكتسب احترام أعدائه الشرسين" وأصبح المهدي سيد السودان. ولا يقتصر تشرشل في الكتاب على وصف المعارك العسكرية بل يمتد تحليله لما هو أبعد. اذ يرى مثلا أن هناك علاقة خاصة بين مصر والسودان الذي "يرتبط بمصر عن طريق النيل كالغواص الذي يرتبط بالسطح بأنبوبة الاكسجين. بدونها ليس هناك سوى الاختناق. لا حياة بدون النيل".
كما يرسم صورة تشكيلية لجغرافيا السودان قائلا ان النيل يجري في الصحراء "كخيط من الحرير الازرق يسبح على مجرى بني هائل. وحتى هذا الخيط ينقلب لونه الى بني غامق كل نصف عام" مشيرا الى أنه في سرد قصة حرب النهر فان النيل له اليد الطولى وأنه سبب الحرب "ومن خلاله نحارب وهو النهاية التي نرغبها". ويقع الكتاب في 471 صفحة كبيرة القطع وترجمه السوداني عز الدين محمود الذي أشاد بموهبة تشرشل الادبية واعتبر كتابه "درة في جبين الادب الانجليزي" لكنه أشار الى وجود روح التشفي والسخرية التي دفعت تشرشل الى عدم التوقف أمام انتصارات رجال المهدي في حين يسهب في وصف انتصارات الغزاة البريطانيين.
ووصف محمود ترجمة الكتاب بأنها عمل وطني مهم لكنه اعترف بحذف "أي تعبير قد يشتم منه اساءة لمصر أو السودان ورضيت بأن يقال ان الترجمة غير دقيقة في بعض مواضعها على أن أتهم بأنني أروج اساءات لبلدي" كما شهد بحياد تشرشل في بعض المواقف وانصافه للرجال "الشجعان الذين قاتلوا بشرف واستشهدوا بشرف."
وأضاف في هامش أن تشرشل قاد احدى الفرق العسكرية أثناء الزحف النهائي على أم درمان عام 1898 ضمن معركة يصفها تشرشل بأنها "معركة اعادة الغزو". وقال السير جون كولفيل مساعد السكرتير الخاص لرئيس الوزراء في عهد تشرشل في مقدمة الكتاب ان "الروح الاستعمارية لدى تشرشل والتي كانت تشمل مشاعر أبناء ذلك الجيل من بني وطنه في عهد الامبراطورية تظهر بوضوح في هذا الكتاب. ولكن يجب علينا أن نحكم بما كان سائدا ابان العهد الفيكتوري وليس بما هو شائع هذه الايام" مشيرا الى أنه في تلك الفترة وتحديدا عام 1899 حين كتب "الضابط الصغير" تشرشل هذا الكتاب وهو في الخامسة والعشرين لم يكن يساور بريطانيا أو فرنسا أو بلجيكا أو ايطاليا أو البرتغال أدنى أسف أو تردد في تقسيم افريقيا.
ويحظى تشرشل (1874-1965) بمكانة خاصة في بلاده اذ فاز في استطلاع أجرته هيئة الاذاعة البريطانية عام 2002 بلقب أعظم شخصية بريطانية متقدما على الاميرة الراحلة ديانا وتشارلز دارون ووليام شكسبير وعالم الفيزياء والرياضيات اسحق نيوتن والملكة اليزابيث الاولى. وتولى تشرشل وزارة الداخلية ثم أصبح المسؤول الاول عن سلاح البحرية فوزيرا لشؤون الذخيرة ثم سكرتيرا للمستعمرات ثم وزيرا للخزانة وعين رئيسا للوزراء مع نشوب الحرب العالمية الثانية حيث كون مجلس حرب محتفظا لنفسه بمنصب وزير الدفاع. وبعد انتهاء الحرب هزم في انتخابات عام 1945 وأصبح زعيما للمعارضة ثم عاد الى رئاسة الوزراء بين عامي 1951 و1954 ونال جائزة نوبل في الاداب عام 1953.
ويقول تشرشل في الكتاب إن المهدي "وضع في قلوب قومه الروح والحياة وحرر بلاده من الحكم الأجنبي. إن بسطاء الناس الغلابة الذين كانوا يعيشون شبه عراة وقوتهم لا يخرج عن كونه بعض الحبوب الجافة فجأة وجدوا معنى جديدا للحياة بعد أن استطاع المهدي أن يغرس في صدورهم الحس الوطني الجارف والوازع الديني القوي."
ويضيف أنه بعد هزيمة الجيش الغازي عام 1883 ومصرع قائده هيكس قفزت فكرة الاستعانة بالجنرال جوردون الذي وجد نفسه بعد وصوله إلى الخرطوم عام 1884 "محاطا بحركة وطنية جبارة ومد ثوري ضد كل ما هو أجنبي" وأورد يوميات جوردون التي كتب فيها "يجد المرء تسلية في تصور هذا المزيج العجيب من البشر الذي يرافق المهدي. أوروبيون قساوسة وراهبات. إغريق وضباط نمساويون.."
وفي يناير كانون الثاني 1885 بدأت معارك يصف فيها تشرشل أنصار المهدي بأنهم "العدو الوحشي" الذي تسلل إلى الخرطوم وذهب بعضهم إلى القصر وخرج إليهم جوردون "هذا الشخص العظيم الشهير ومندوب مملكة بريطانيا... لم يتمكن من عمل شيء مع جنون الفرحة بالانتصار والاندفاع الديني" فقتلوه واستولوا على المدينة ونظرا "لقوة العدو المنتصر" أجليت القوات البريطانية عن السودان بعد التخلص من المؤن برميها في النيل وأصبح المهدي حاكم السودان ثم تعرض بعد أشهر لمرض أسلمه إلى الوفاة.
ويروي تشرشل أن جثة المهدي ظلت في قبر عميق بالغرفة التي توفي بها حتى أمر الجنرال هربرت كتشنر (1850-1916) بإخراجها عام 1898 حين دخل أم درمان بعد معارك ثبت فيها أن "شجاعة السود لا تقل اشتعالا عن رصاص بنادقهم" ورغم هذا يصفهم تشرشل بأنهم "أعداء الله".
ويشير في فصل عنوانه (سنوات التحضير) إلى أن أجهزة الاستخبارات البريطانية ظلت عشر سنوات تجمع معلومات عن تاريخ السودان وجغرافيته ومواطنيه وكل ما يتعلق به بما في ذلك الطقس حيث انتشر الجواسيس وسط الجماهير في كل مكان وكانت المعلومة التي يهمس بها هناك تدون في القاهرة "حتى أخبار المشاجرات التي لا تنتهي تم تسجيلها بدقة متناهية." (رويترز)
ادونيس: صوت يتنقل بين اعماق التاريخ وذرى الحضارة الحديثة
بيروتمن جورج جحا: مرة أخرى يطل الشاعر ادونيس من خلال عمله الجديد "تاريخ يتمزق في جسد امراة" صوتا مميزا متجددا باستمرار وفي الوقت نفسه معتقا بمعنى الاصالة "النبيذي".. حاملا كما في مراحله الشعرية المختلفة هموم الانسان وفواجعه واماله التي خابت وتلك التي لا تشيب. وادونيس هنا -شأنه باستمرار- دائم التنقل بين فترات سحيقة ومحطات غير بعيدة من التاريخ واخرى من يومنا الحالي العربي الذي لا يبدو له انه ابتعد او افترق كثيرا عن الايام السحيقة وبين ذرى في حضارة الانسان الحديثة عايشها الشاعر الكبير "الرائي" فكرا وتصورا حتى قبل تحققها او تحقق بعضها الفعلي وتجسدها واقعا عايشه في الغرب الباريسي بشكل خاص. ويسعى ادونيس الى دفع الامور واخراجها من "السحيق" الى عالم حضاري حديث دون ان تضيع نفسها وتفقد الا حيث يجد ان الفقد والزوال نعمة مرجوة. وهو في المحصلة يدعو الى ان تتحرر المراة.. ان تكتشف روحها من خلال امور اهمها اكتشاف جسدها وتحريره.
وكان الشاعر علي احمد سعيد او ادونيس وهو اسمه الاشهر -وباستمرار منذ انطلاقته الشعرية في مطلع النصف الثاني من القرن العشرين حتى عندما كان للقضايا القومية المباشرة هم رئيسي قوي عنده- يحمل عبر شعره ذي الطابع الفكري.. قضايا الانسان ومنها قضية المراة. لقد كان الشأن القومي عنده حتى في عز "هديره" -ولا يزال كما يبدو- شأنا انسانيا بامتياز لا تعود له قيمة اذا جرّد من الهمّ الانساني.
ففي قصيدة من البواكير مثلا هي " دليلة" -ومع اعتبار الشعور القومي فيها- نعثر على خط يمتد في بعض نواحيه.. منها ليصل الى كتابه الجديد وهو موضوع المراة التي تعطي الكثير الكثير من اجل "الاخرين". وصيغة جمع المذكر السالم مقصودة هنا.. فتكافأ بان توصف بانها غدارة خائنة كاذبة وانتهازية فيهبّ الشاعر المفكر الباحث والناقد واحد كبار "اساتذة" ايامنا في مجالاته الى الكشف عن واقع مؤلم مأساوي يجب ان يتغير. وكأنه يقول ان كثيرا من قضايانا يبدأ هنا. انه يعمل على اعادة تربية وتثقيف في المجال الاجتماعي وحتى في المجال المعتقدي او مجال ممارسة بعض المعتقدات. ويبدو ادونيس احيانا كثيرة كأنه يقول انه ليس هناك من ثورات "فوقية".. الا اذا شكّل الفوقي الموقت في طبيعته.. فرصة لهزّ بل دكّ كثير من تلك الاسس الدنيا او "التحتية" والا فعبثا البناء على اسس كتلك.
الكتاب الذي صدر عن "دار الساقي" جاء في 128 صفحة متوسطة القطع وبلوحة غلاف بريشة ادونيس. العنوان اذن هو "تاريخ يتمزق في جسد امراة" قد اتبع ذلك بوصف للعمل بانه "قصيدة باصوات متعددة". وتعدد الاصوات في شعر ادونيس ليس امرا طارئا اكتسبه حديثا بل هو سمة ادونيسية عريقة. هذا الامر جعل الدكنور منير بشور مثلا يكتب عن قصيدة ادونيس الشهيرة "الفراغ" التي شكلت نقطة انطلاق وتحريك كبرى اثر نشرها في منتصف خمسينات القرن الماضي فيصفها في مجلة "المجلة" الادبية التي كانت تصدر يومها بقوله انها "قصيدة سيمفونية" بما يحمل هذا من تعدد وتداخل وتناغم وانسجام وخلق ما يبدو وحدة فنية عضوية من تنوع وكثرة بل من شتات.
يضفي الشاعر بعض سمات الاعمال السردية اجمالا والسمات المسرحية بشكل خاص على القصيدة ومن ذلك.. مكان.. ساحة عامة.. وزمان ثم "الجوقة" اي الكورس الاغريقي القديم. ومن اصواتها "صوت" واصوات اخرى و"الراوية" و"المراة" والطفل والرجل "والجوقة" نفسها. يكتب ادونيس فيشعر القارىء بان ما يقرأه "ادونيسي" في كثير من سماته التي الفها. حملت الدفة الثانية من الكتاب قسما من قصيدة في داخله. يتحدث الشاعر فيها عن نفاق رهيب بلسان المراة في عالم الشرق "زعموا انني خلقت لكي لا اكون سوى ذلك الاناء/ لاحتضان المنيّ كاني مجرد خقل وحرث..( جسدي من غثاء وحيض) وحياتي تجري( مرة صرخة.. مرة مومأة) ولماذا اذن يكتب الكون اسراره.. بيدي عاشق..( ولماذا اذن يولد الانبياء) في فراش امرأة.."
في كتاب ادونيس هذا ما يتكامل مع "تراث" من المواقف والافكار والاراء المتميزة والذي صار يعرف بها هذا الشاعر الابرز في عالمنا العربي الان من حيث "خلخلة" الكثير الكثير من نواحي بنائنا الادبي والفكري والاجتماعي ومن حيث اثره في المساعدة على خلق سمات واشكال وافكار جديدة في هذه المجالات. انه كما يوصف بحق "مالىء الدنيا وشاغل الناس" لفترات طويلة. وتراث ادونيس هذا فيه كثير لا من الادانة والتجرؤ حتى على بعض ما يعتبره كثير منا داخلا في نطاق المحرمات. ولا يقتصر الامر على الادانة والتجرؤ بل يشكل دعوة الى الهدم. ولا شك في ان في الدعوة نفسها "عمل".. اي هدم فعلي. يبدأ الكتاب بعنوان هو "استهلال" وتحته عنوان اخر هو "صوت" حيث نقرأ "هذه سيرة امرأة عبدة وابنها نفيت لا لشيء سوى انها كسرت قيدها ويحكى انها زوّجت لنبي وان ابنها صار من بعدها نبيا. ولكن لم يجىء في تعاليمه انها حررت."
وفي "امراة وطفلها.. رجل.. راوية.. جوقة " ننطلق من الراوية حيث يحتشد في كلامه كثير من معتقداتنا الايمانية وثقافتنا في تنوع مجالاتها ويظهر الانسان وهو هنا المراة مضطهدا لا ملاذ له. يقول الشاعر "عادة للسماء يدان ولكنها فوقي الان دون يدين وها هي شحّاذة وفي وجهها بثور. كاهن وسطيح يجرّانها. ... انها امرأة قيدها طفلها.. مرارا قيدها زوجها ... ليس ما سيقال بيانا ولا مسرحا انه امراة حية - ميتة."
وفي مكان اخر ومع "الجوقة" نقرأ ما يبدو لنا تساؤلا منطقيا بل لاهوتيا يشبه بعض ما شغل علماء الكلام قديما. وفي القسم الثاني منه نواجه تساؤلا بل شبه شك في الوعد الديني بالخلاص النهائي.. "لا يموت سوى الحي.. قالوا فلماذا اذن لا يقال.. الالوهة ليست حياة وغدا يذبح الموت.. قالوا فمتى يذبح الموت في اي وقت واي مكان."
ويعود "الراوية" الى المرأة التي تصور بشكل ظالم وعاق فهي خادمة شريرة لعالم الرجل.. انها شريرة ومع ذلك تناط فيها المهمة البشرية الكبرى. هي "وسيلة" انجاب اي انها تشترك في تكوين الحياة كما تحفظها من ناحية.. لكنها من ناحية اخرى تجسد الشر والنجاسة. انه حكم غريب على الحياة نفسها. يقول "انها امراة نصفها رحم وجماع والبقية شر. هكذا رسموها هكذا وصفوها.... زمن - عنكبوت يجرّ خطاه على وجه قيثارة."
وتكمل الجوقة اعلان الحكم الظالم قائلة "اقفلوا باب تلك السماء على اهلها اقفلوا.. جسد سيد جسد طيّب كريم لا يدق ّعلى باب تلك السماء ولا يدخل." وتقول المراة في اختصار لماساتها "لا صداقة. لا حب. جسم غريب بين زوجي وبيني وكأن ابننا كوكب اخر.. نقيضان نحيا كلانا بما ليس فيه وليس منه غربتي بين نفسي ونفسي ونفسي وسؤالي عنّي لا جواب له جسد اخر يتحرك داخل جسمي لم اعد اتيقن اني انا ... ايهذا الهواء رسولي اليه ليس في رأسي الان غير الخراف وغير سكاكينها ما سافعل في هذه الارض.. لا شيء فيها سوى الوعد وعد - حجر." (رويترز)