أخبار الأدب والفن

ندوة الأدب والمنفى بالدوحة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يوم 25 آذار ستقام ندوة في الدوحة حول موضوع: "الأدب والمنفى". وها هنا نص بيان الندوة التي كتبه المشرف عليها الدكتور عبدالله ابراهيم:

بيان المنفى

المنفى ليس بقعة غريبة فحسب إنما هو مكان يتعذر فيه ممارسة الانتماء. يخرّب المنفى قدرة الانتماء، ويحول دون ظهور تلك الفكرة البراقة. ولطالما وقع تعارض، بل انفصام، بين المنفيّ والمكان الذي رُحّل/ ارتحل إليه، وندر أن تكلّلت محاولات المنفيين بالنجاح في إعادة تشكيل ذواتهم حسب مقتضيات المنفى وشروطه. ومن الحق أن يوصف ذلك بأنه"شقاء أخلاقي"دائم، فالمنفيّ هو منْ اقتلع من المكان الذي ولد فيه، لسبب ما، وأخفق في مدّ جسور الاندماج مع المكان الذي أصبح فيه، فحياته متوترة، ومصيره ملتبس، وهو يتآكل باستمرار، ولا يلبث أن ينطفئ بالمعنى المباشر ليتّقد، مرة أخرى، بالمعنى الرمزي، فهو ينطوي على ذات ممزقة، هُتكت عذريتها، ولا سبيل الى إعادة تشكيلها في كينونة منسجمة مع نفسها أو مع العالم.
وأدب المنفى مزيج من الاغتراب والنفور المركّب؛ لأنه يتردّد بين وهم الانتماء المزدوج إلى هويتين، ثم، في الوقت نفسه، عدم إمكانية الانتماء الحقيقي لأي منهما، فلذلك هو أدب يقوم، في رؤيته الكلية، على فكرة تقويض الهوية الواحدة، أي الهوية المطلقة الصافية، ويقترح هوية رمادية متنوعة العناصر والمكونات، وبصفته هذه يعدّ أدبا عابراً للحدود الثقافية، والجغرافية، والتاريخية، ويخفي في طياته إشكالية خلافية، كونه يتشكل عبر رؤية نافذة، ومنظور حاد، فيتعالى على التسطيح، ويتضمن قسوة عالية من التشريح المباشر لأوضاع المنفي، وعلى حدِّ سواء، لكل من الجماعة التي اقتلع منها، والجماعة الحاضنة له، لكنه ينأى بنفسه عن الكراهية، والتعصب، والغلو، وهو يتخطّى الموضوعات الجاهزة، والنمطية، ويعرض شخصيات منهمكة في قطيعة مع الجماعة التقليدية، لكنه ينبض برؤية ترتد نحو مناطق مجهولة داخل النفس الإنسانية. ويتسم أدب المنفى، فضلا عن كل ذلك، بالقلق الوجودي، ويسكنه الحراك، والانشقاقية، وفيه تعوم الأسئلة الكبرى، وهو مدونة كاشفة لمصائر البشر حينما تدفعهم نوازع العنف الأعمى إلى تمزيق شملهم، فيلوذون بأماكن بديلة بحثا عن آمان خادع.
يصف"إدوارد سعيد"بواعث النفي، وآثاره، وملامحه، فيقول: المنفى هو أحد أكثر الأقدار مدعاة للكآبة، لأنه لم يكن يعني فقط أعواماً يعيشها الإنسان تائهاً بدون هدف، بعيداً عن الأسرة، وعن الأماكن المألوفة، بل يعني أن يكون المنفيّ أشبه بمنبوذ دائم لا يشعر أبداً أنه بين أهله وخلاّنه، ولا ينسجم البتّة مع محيطه، ولا يتعزّى عن الماضي، ولا يذيقه الحاضر والمستقبل إلا طعم المرارة.. والمنفيّ يعيش حالة وسطية، فهو لا يندمج في محيطه الجديد، ولا يتخلّص كلياً من عبء البيئة الماضية. تضايقه أنصاف التداخلات، وأنصاف الانفصالات، وهو مصاب بهوس الحنين، إلى ذلك هو عاطفي من ناحية، ومقلد حاذق لا يعلم به أحد، من ناحية أخرى..ويضيف: يجبر المنفى المرء على التفكير فيه، ويا لها من تجربة فظيعة. إنه الشرخ المفروض الذي لا التئام له بين كائن بشري ومكانه الأصلي، بين الذات وموطنها الحقيقي: فلا يمكن أبدا التغلب على ما يولده من شجن أساسي.. فمآثر المنفى لا يني يقوضها فقدان شيء ما خلّفه المرء وراءه إلى الأبد.
يرسّخ المنفى عجزاً عن الانتماء إلى عالمين، وتعذر الانتماء، يقود إلى نوع من الترفع الفكري، والرهبنة الروحية، والعقلية، وذلك قد يفضي إلى العدمية، ولكن قد يظهر العكس- كما يخلص سعيد- فالمنفيون الكبار عبر التاريخ هم الذين أوقدوا شرارة الأمل في نفوس شعوبهم، وألهموها فكرة الحرية، وقادوها إلى شواطئ الأمان، فالمنفي ما إن يتخطّى الذاتية المغلقة إلا ويصبح كائنا عالميا يتطلع إلى تغييرات شاملة..والمنفيون ينظرون إلى غير المنفيين نظرة استياء وسخط. فهم ينتمون إلى محيطهم، أما المنفي فغريب على الدوام. يقضي معظم حياته في التعويض عن خسارة مربكة بخلق عالم جديد يبسط سلطانه عليه.
ورد عن أحد الرهبان في القرن الثاني عشر الميلادي، قوله: الإنسان الذي يجد وطنه أثيراً لم يزل غرّاً طري العود؛ أما الذي يرى موطنه في كل مكان فقد بلغ القوة؛ غير أن المرء لا يبلغ الكمال إلا إذا عدّ العالم بأجمعه أرضاً غريبة عليه؛ فالغَضّ هو مَنْ ركّز حبه في بقعة واحدة من الأرض؛ والقوي هو الذي شمل العالم بحبه؛ أما الإنسان الكامل فهو الذي أطفأ جذوة الحب في أعماقه.
* المشرف على ندوة"الأدب والمنفى"


وقائع ندوة (الأدب والمنفى)
الدوحة 25-25/3/2007

المشاركون الأبحاث
1أدونيسشهادة ذاتية: مكان آخر فيما وراء الوطن والمنفى
2فخري صالح مفهوم أدب المنفى
3فريال غزول الأسس النظرية والثقافية لأدب المنفى
4واسيني الأعرج شهادة ذاتية: أراضي المنفى، وطن الكتابة
5نبيل سليمان الرواية العربية والمنفى
6كمال أبو ديب نحو شعريات للمنفى
7محمد لطفي اليوسفي الشعر والمنفى
8إبراهيم الكوني شهادة ذاتية : الشاة المائة
9سيف الرحبي شهادة ذاتية: الطريق إلى الربع الخالي
10فيصل درّاج السيرة الذاتية والمنفى
11أحمد يوسف اللغة وأدب المنفى

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف